مع إقتراب موعد الانتخابات العراقية "المبكرة" في العاشر من أكتوبر/ تشرين الاول المقبل وزيادة حرارة التنافس بين الأحزاب السياسية وصخب حملاتها الانتخابية، تتزايد التساؤلات بشأن إمكانية حدوث تغيير في مشهد البرلمان المقبل مع التطورات العديدة التي شهدتها الساحة العراقية منذ الانتخابات الماضية، وتحديداً ما جرى خلال عام 2019 من انتفاضة واسعة شملت معظم المحافظات العراقية.
مشهد التحالفات
يبدو أن مشهد التحالفات معقد في العراق بحسب المراقبين، إذ لا مؤشرات على حصول انتفاضة شعبية انتخابية لمؤازرة القوى التي تسعى إلى ازاحة القوى التقليدية بحسب ما صرّح به رئيس مركز المورد للدراسات والإعلام، نجم القصاب لـ "جسور"، وكذلك عدم تبلور وعي أو توجه سياسي بتغيير مسار التحالفات المستندة على التغانم والتحاصص.
ومطلع يوليو/ تموز، أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مشاركة 3 آلاف و243 مرشحا يمثلون 44 تحالفًا و267 حزبًا، إلى جانب المستقلين، وذلك للتنافس على 329 مقعدا في البرلمان.
وكانت المتحدثة باسم المفوضية جمانة الغلاي، ذكرت سابقا أن 21 تحالفا سيشارك في الانتخابات، فيما بلغ عدد الأحزاب المشاركة 167 منها 58 ضمن التحالفات.
وأضافت الغلاي، أن عدد المرشحين في الانتخابات يبلغ 3249 بينهم 951 امرأة. وبينت أن 789 مرشحاً يخوضون سباق الانتخابات كمستقلين، و959 مرشحاً ضمن التحالفات، و1501 ضمن قوائم الأحزاب.
ومن أبرز التحالفات الشيعية الانتخابية التي تصدرت منصات التواصل الاجتماعي ائتلاف "سائرون" بقيادة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر العائد بقوة للانتخابات بعد مقاطعة لم تستمر طويلا، و"تحالف الفتح" الذي يضم مجموعة من الفصائل المنضوية في هيئة الحشد الشعبي ويتزعمه هادي العامري، وائتلاف دولة القانون برئاسة حزب الدعوة-جناح نوري المالكي، وقوى الدولة الوطنية بزعامة عمار الحكيم وحيدر العبادي.
ومن أبرز التحالفات السنيّة، تحالف "العزم" برئاسة رئيس المشروع العربي خميس الخنجر، ومشاركة شخصيات وازنة، مثل سليم الجبوري، وخالد العبيدي، في حين يخوض رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الانتخابات من خلال تحالف "تقدم"،
ويبرز التحالف الثالث تحت مسمى "جبهة الإنقاذ"، برئاسة أسامة النجيفي، وكذلك تحالف المشروع الوطني العراقي بزعامة جمال الضاري.
كما يتنافس في هذه الانتخابات عدد من الأحزاب الكردية على 58 مقعدا مخصصة لهم في البرلمان.
تقارب النتائج
لطالما تردد شعار "قوى الدولة" في مواجهة قوى "اللادولة" والسلاح المتفلت خلال الأشهر الماضية. الأمر الذي يزيد التساؤلات بشأن إمكانية أن يؤدي هذان الاتجاهان إلى صراع ما بعد الانتخابات المقبلة، وحول هذا الموضوع يقول القصاب لـ "جسور" إن التوقعات بتقارب نسب تمثيل الكتل المختلفة بعد الانتخابات يقوض إمكانية نشوء صراع مع ما يطلق عليه "قوى اللادولة" أو الكتل ذات التمثيل المسلح، لتحل محلها التسويات السياسية والمحاصصة كعنوان دائم للنظام السياسي في العراق.
وتتباين التوقعات بشأن نسب التمثيل السياسي للكتل المختلفة ما بعد الانتخابات المقبلة، إلا أن عوامل عدة تجعل التنبؤ بنسب تمثيل المكونات المختلفة أمراً صعباً، خصوصاً مع تقسيم البلاد إلى 83 دائرة انتخابية.
وعلى الرغم من صعوبة توقع أعداد المقاعد التي ستحظى بها الكتل المتنافسة، فإن مراقبين يرون أن نتائج الانتخابات لن تشهد اختلافاً كبيراً عما كانت عليه خلال الانتخابات السابقة عام 2018.
ويرى رئيس مركز المورد للدراسات والإعلام، نجم القصاب لـ "جسور" أن التنبؤ بنتائج الانتخابات "يكاد يكون مستحيلاً بسبب القانون الجديد الذي جعل من البلاد 83 دائرة انتخابية"، مستدركاً أن كل ما تتحدث عنه الكتل السياسية من محاولات قياس لنتائجها مجرد "دعاية انتخابية"، ويشير القصاب إلى أن نتائج الانتخابات المقبلة "لن تكون أفضل مما جرى خلال انتخابات عام 2018".
عزوف انتخابي
كثيرة هي الجهود التي تبذلها الحكومة العراقية ومفوضية الانتخابات في حث الناس على المشاركة في الانتخابات بعد أن كشفت الانتخابات السابقة عن نسبة مشاركة رسمية لا تتجاوز 44%.
وفي هذا الشأن، يقول القصاب لـ"جسور" إن نسبة مشاركة العراقيين في الإنتخابات المقبلة لا تختلف عن الإنتخابات السابقة بسبب يأس الناخب العراقي من المنظومة السياسية الحاكمة، ويشير إلى أنّ نسبة إقبال الناخبين ستكون متساوية أو حتى أقل مقارنة مع انتخابات العام 2018 مبيناً أن الجمهور الذي سيشارك "يمثل بشكل عام جمهور الموالين للأحزاب، مما يعطي مؤشراً قوياً على أن الانتخابات لن تخرج بجديد وستستمر سيطرة القوى التقليدية".
ويعتقد رئيس مركز المورد للدراسات والإعلام أن جميع المؤشرات والاستطلاعات تشير إلى أن أغلبية الذين رشحوا من قوى احتجاجات تشرين لن يتمكنوا من الوصول إلى قبة البرلمان.
وعزا القصاب ذلك إلى انخفاض الرغبة الشعبية في المشاركة بالانتخابات المقبلة، لافتا إلى أن ذلك سيرتد بشكل عكسي على الكتل السياسية التقليدية التي ستستفيد من المقاطعة وتصويت جماهيرها لها.
أما عن الأحزاب السنية فيؤكد أن تحالفي تقدم برئاسة الحلبوسي والعزم برئاسة الخنجر يعدان أقوى المنافسين في المحافظات الشمالية والغربية، معلقا "رغم أن هذين التحالفين يشهدان منافسة شرسة فإن المعطيات تشير إلى احتمالية كبيرة في تحالفهما مستقبلا".
وبالذهاب إلى الأحزاب التقليدية الشيعية،
ترى مصادر متابعة أن هذه الأحزاب لديها نفوذ في جميع المحافظات العراقية باستثناء إقليم كردستان، وأن هذه الكتل استطاعت إيجاد نفوذ محدود لها في محافظتي نينوى وصلاح الدين من خلال ترشيح شخصيات سنية ضمن هذه التحالفات الشيعية.
وعن التيار الصدري، تؤكد أن لديه نفوذا في بغداد والناصرية والبصرة، وهو حال بقية الأحزاب كتيار الحكمة وحزب الدعوة الإسلامية، مما يعني أن التنافس في الانتخابات المقبلة سيكون كبيرا على مستوى الأحزاب التقليدية في مناطقها.
وعن نسبة التغيير التي قد تحصل في البرلمان المقبل، يشير خبراء إلى أنّ 90% من الأحزاب التقليدية ستعود للبرلمان لكن قد يكون ذلك بشخصيات أخرى، مقابل حصول قوى احتجاجات تشرين على نسبة 10-15% من مقاعد البرلمان بأفضل الأحوال.