في عام 2012 بدأ الانتشار التدريجي لعناصر حزب الله في سوريا، بذريعة حماية القرى الشيعية الحدودية شمال شرق لبنان، وحماية المراقد الدينية بالقرب دمشق. إلا أن عودة أولئك من سوريا، دونها عقبات وانعكاسات كبرى.
مع التحولات الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط، يطرح البعض تساؤلات حول حتمية بقاء عناصر حزب الله أو انسحابهم من المناطق التي سيطروا عليها في سوريا. لكنّ الإجابة مرتبطة بمستقبل النفوذ الإيراني في "الميادين" العربية. خصوصاً وأن تموضع الحزب، كما باقي الفصائل الموالية لإيران، يخضع لاستراتيجية الحرس الثوري يسعى منذ سنوات إلى السيطرة على الممر البري الذي يربط طهران بالسواحل الشرقية للمتوسط، أي عبر العراق وسوريا ولبنان.
من هنا تكمن أهمية الانتشار الميداني للحزب، بدءاً من الحدود اللبنانية السورية وريف دمشق والقلمون الشرقي، وصولاً الى البوكمال على الحدود السورية العراقية، ومروراً ببادية الشام.
فالاستراتيجية الإيرانية تقوم على إضعاف حكومات "دول الهلال"، لتأمين مصالح الأحزاب والفصائل المموّلة من إيران والموالية لها.
يُضاف إلى ذلك، تغيير ديموغرافي شهدته مناطق شاسعة في العراق وسوريا ولبنان، يؤمل منه أن يُحاكي الأهداف السياسية ويُطيح بأي حالة اعتراض شعبية.
ينفي حزب الله بطبيعة الحال، الاتهامات الموجهة اليه بأنه جزء من استراتيجية إيران الإقليمية. مبرراً علاقته بالحرس الثوري، بأنها تقع ضمن إطار دعم حركات المقاومة والتحرر في العالم. فيما يضع دوره في سوريا في سياق حماية لبنان من "التكفيريين" بحسب توصيفه، إضافة الى حماية النظام السوري كونه جزء من محور "ممانعة" إسرائيل الإقليمي الذي تدعمه إيران.
انسحاب تدريجي لحزب الله
في هذا السياق اعتبر رئيس مركز الاستشارية للدراسات الاستراتيجية، عماد رزق، ان "خارطة التوازنات الإقليمية تتغير بشكل واضح، خصوصاً وان التقارب الأميركي الروسي يُضعف النفوذ الإيراني في المنطقة، الامر الذي سيحتم سحب عناصر حزب الله من سوريا بشكل تدريجي وعودتهم الى لبنان". كاشفاً "أنه خلال العامين الأخيرين، قام حزب الله بتفكيك العديد من مواقعه في العمق السوري وسحب عناصره الى لبنان".
وأشار رزق الى ان "تموضع الحزب الرئيسي أصبح في منطقة القصير بشكل أساسي، وصولاً الى حمص، إضافة الى منطقة القلمون الشرقي وريف دمشق؛ باعتبار ان الحزب يرى في هذه المناطق امتداداً استراتيجياً له مرتبطاً بالعمق اللبناني، ولا سيما مدينتا بعلبك والهرمل (محافظة بعلبك-الهرمل، شرقي لبنان) اللتان تعتبران الخزان العسكري لعديده القتالي".
عقبة السلاح الاستراتيجي
في حين يرى مصدر من الميدان السوري، ان "الازمة المقبلة والتي قد تتجاوز ازمة العناصر هي قضية السلاح الثقيل، كاشفاً ان الحرس الثوري الإيراني جهّز مقاتلي حزب الله بأسلحة نوعية وآليات ودبابات وقواعد مدفعية ضخمة"، موضحاً انه "في حال سحب هذه الآليات الكبيرة الى لبنان، ستكون مكشوفة امام الضربات الإسرائيلية، إضافة الى ان النظام السوري قد يرى لاحقاً في هذا السلاح شوكة في خاصرته بحيث سيكون سلاح استراتيجي إيراني على حدوده للناحية الجنوبية".
وكشف عن تفاقم التناقضات في الفترة الأخيرة، بين الفرقة الرابعة في الجيش السوري مع عناصر حزب الله، حيث وقع أكثر من اشتباك مسلح بين الطرفين على خلفية تقاسم موارد التهريب على الحدود مع لبنان. وشدّد على ان الشرطة الروسية تحاول ان تقيم لها مراكز ثابتة قرب الحدود، وان الجانب الروسي طلب أكثر من مرة من القيادة السورية ضبط الحدود امام عصابات التهريب.
تموضع عسكري مطلوب
في المقابل يرى المحلل السياسي فادي أبو ديا، المقرّب من حزب الله، ان "الوجود العسكري للحزب في سوريا مرتبط بالتفاهم مع القيادة السورية، وهو شرعي كونه بطلب من الحكومة هناك"، مؤكداً "استمرار التموضع العسكري للحزب في مناطق قرب الحدود وحتى في العمق السوري، وان تواجد عناصر الحزب في أماكن استراتيجية مرتبط بضرورات المعركة".
وبرأي أبو ديا، فإن روسيا تنسّق مع حزب الله في الميدان العسكري، مشيراً الى ان الجيش الروسي يستفيد من قوة الحزب الميدانية لفرض الاستقرار ضمن مناطق شاسعة، خصوصاً وان القوة الروسية محصورة داخل معسكرات معظمها على الساحل السوري، في وقت تقتصر القوة القتالية للروس على سلاح الجو بشكل أساسي.
وشدد أبو ديا على التعاون القائم بين الجيش اللبناني وحزب الله، لناحية نقل العتاد والمقاتلين والقطع العسكرية، مشيراً الى ان الحزب باستطاعته سحب آلياته وادخالها الى سوريا ساعة يشاء وعلى مرأى من الجيش اللبناني، على حدّ قوله.
بيع الاسلحة الثقيلة
وفي السياق نفسه، يؤكد مصدر في المعارضة السورية، معلومات عن قيام حزب الله ببيع عدد من القطع العسكرية الثقيلة، كان استحصل عليها من إيران، لصالح الجيش السوري. باعتبار ان حدة المعارك تراجعت ولم تعد هناك حاجة لها، وذلك، في وقت يمر لبنان بأزمة اقتصادية خانقة بالتزامن مع تراجع واردات الحزب من إيران.
ولفت المصدر الى ان الحزب يريد التخلص من حجم ترسانته، لارتفاع تكاليف صيانتها وتجهيزاتها المستمرة من جهة، وإمكانية استهدافها من قبل إسرائيل من جهة ثانية، وذلك توازياً مع تزايد التحديات الاقتصادية ضمن بيئته وحاضنته الشعبية.