أظهرت وثائق باندورا أن العراق حلّ ثالثاً في عدد شركات الـ"أوف شور" التي أسستها شركة "ترايدنت تراست" بـ85 شركة، وذلك بعد لبنان الذي حلّ أولاً بـ346 شركة، وبريطانيا الثانية بـ151 شركة. وكشفت الوثائق نفسها تورّط السياسي ورجل الأعمال العراقي خميس الخنجر، الذي سيخوض الإنتخابات النيابية العراقية، في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول، داعماً وممولاً تحالف "العزم"، في إنشاء شركات وتسجيلها في جزر العذراء البريطانية.
رغم أنّ تأسيس شركات "أوف شور" هو عمل قانوني، إلّا أنّه كثيراً ما يكون مخرجاً إمّا للتهرّب الضريبي أو لأعمال "مشبوهة"، إذ إنّ جزر العذراء البريطانية BVI تعتمد معايير عالية للسريّة.وفي السياق، يعتبر الخبير الأمني والسياسي العراقي فاضل أبو رغيف، في حديث لـ"جسور"، أن "مصادر التمويل المشبوهة موجودة لدى كل الأحزاب بسبب عدم إقرار "قانون الأحزاب" من قبل البرلمان العراقي".
وقال أبو رغيف: "هذا القانون يُحاسب الأحزاب السياسية على مصادر تمويلها، لذلك تعمدت عدم إقراره حتى تعمل "على راحتها" بعيداً من المحاسبة والمراقبة، في وقت نجد فيه مالاً سياسياً فاسداً ومالاً مستورداً وآخر عليه شبهات فساد".
وأكد أن "كل الأحزاب تعتمد على الضخ المالي الخارجي من خلال الدول التي ترعاها، والتمويل الداخلي من خلال الوزارات التي تهيمن عليها".
إحتيال وسرقة؟!
من جهته، شكك الخبير القانوني العراقي أمير الدعمي، في حديث لـ"جسور"، في تورّط الخنجر بملفات فساد، باعتبار انه "لا يملك سلطة تنفيذية"، مؤكداً أنه "معاقب دوليّاً لاتهامه بتمويل إرهابيين، وتمّ حجز أمواله خارج العراق، لكن الحكومة العراقية لم تعترف 100% في ذلك". وأشار إلى أن "الناخب العراقي أكثر ما يتأثر فيه من تلك الأخبار هو الرشاوى التي يعرضها عليه من يريد أن يستغل حاجته، في ظل غياب الوعي عند البعض".ولفت الدعمي إلى أنه "من المتوقع أن تكون ملفات الفساد مرتبطة بملف مدارس النازحين، التي بُنيت ولا زالت حبراً على ورق، لكن حتى هذا الموضوع لم يُحسم بعد".
وكان الكاتب الصحافي وليد الطائي، كتب في موقع "المسلة" العراقي: "مدارس الرصافي شيّدها المشروع العربي بتمويل قطري – إماراتي، الهدف منه إيجاد مناخ تعليمي لأبناء المهجرين والنازحين في كردستان. هذا المشروع كان هدية من دولتي الإمارات وقطر إلى هؤلاء النازحين، لكن المشروع العربي سرق تمويلاتها واحتال على الإماراتيين والقطريين والعراقيين في آن واحد".
وتابع: "استولى القائمون على المشروع على التمويلات المرصودة له بعشرات ملايين الدولارات سنويّاً، لتتحوّل إلى الرصيد الشخصي لأمين عام المشروع خميس الخنجر، ثمّ لتقدم فواتير مزورة إلى جهة التمويل، من أجل تبرير تلك السرقات الضخمة".
من هو خميس الخنجر؟
برز إسم خميس الخنجر، الذي تربطه علاقة مميزة بعائلة صدام حسين، في تسعينيات القرن الماضي. وكان الموزع الرئيسي لماركة سجائر تدعى "ميامي" تصنّعها شركة "الاتحاد للسجائر" ومقرها دبي. وغادر العراق عام 1996 ووسّع أعماله بعد سقوط النظام البعثي عام 2003، لتشمل أنشطة في مجالات التصنيع والمصارف والخدمات المالية والعقارات التجارية والسكنية، في أماكن مختلفة من الشرق الأوسط وأوروبا وشمال أفريقيا.اتُّهم بالتعاطف مع مقاتلي داعش، قبل أن يتراجع عن مواقفه في هذا الخصوص. وعمل على تمويل ثلاثة آلاف مقاتل من الطائفة السنّية الذين تدرّبوا في تركيا، وذلك لمحاربة تنظيم "داعش". ونادى في تلك الفترة، بإقامة منطقة حكم ذاتي سنّي في العراق، على غرار كردستان. وهو على علاقة جيدة بإيران وقطر.
عام 2015، أصدرت محكمة عراقية أمرا بالقبض عليه، بعد اتهامه بدعم الإرهاب، وحُجزت في حينه أمواله المنقولة وغير المنقولة.
تهريب السجائر؟
شركة "الإتحاد للسجائر"، التي تصنّع ماركة السجائر التي يقوم الخنجر بتوزيعها، هي شركة "أوف شور"، مسجّلة في جزر العذراء البريطانية، بحسب ما تظهره الوثائق. وكان يديرها الخنجر مع ولده سرمد، وشريكين آخرين هما فيصل السلفيتي وخالد يوسف أحمد الشخاتري حتى عام 2010. وهذه الشركة التي أسسها مع مديرين آخرين، أحدهما هو رجل الأعمال الأردني الراحل رجائي السلفيتي (توفي عام 2013)، والد فيصل، تعزز بحسب وسائل الإعلام، الفرضيات الشائعة حول جمع الخنجر لثروته من تهريب السجائر.وكانت قد خضعت منذ تأسست في عام 2004، لنقل أسهم أكثر من مرة إلى شركات أخرى أنشئت في جزر العذراء البريطانية، إذ تظهر الوثائق، في مراسلة يعود تاريخها إلى يناير /كانون الثاني 2010، مستندات لنقل أسهم في الشركة من شركاء إلى آخرين، وتحديداً من أشخاص إلى شركات مسجلة في جزر النعيم الضريبي، بينهم شركة Family union investment limited، والتي يتبين أنها مملوكة من آل السلفيتي، وشركة Aldar investment limited، والتي يتبين انها مملوكة من خميس الخنجر وابنه سرمد. وفي مراسلة تعود إلى يونيو/حزيران 2017، يتبين انه تم نقل أسهم الشركة من ملكية شركة Family union، وهي كانت شريكاً أساسياً في شركة الاتحاد للسجائر مع شركاء آخرين بينهم شركة Aldar investment limited، إلى ملكية شركة في جزر الكايان تدعى RS OVERSEAS، ليتبين أنها مملوكة بشكل أساسي من أولاد رجائي السلفيتي، طارق، فيصل وزيد.
وتُظهر الوثائق أن الشركة انتهت بامتلاكها بالكامل من RS OVERSEAS أي من أولاد السلفيتي الأردنيين، ولم يُعرف مصير الشراكة بين خميس الخنجر وآل السلفيتي بعد عام 2017، مع إشارة لا بدّ منها إلى أن ابن خميس الخنجر، سرمد، يحمل جواز سفر أردنياً.