ليس جديداً على لبنان أن يركب أبناؤه قطار الهجرة بحثا عن حياة كريمة، ومع اشتداد وطأة الانهيار التاريخي، يحاول معظم اللبنانيين البحث عن فرص جديدة، وكأنهم يقفزون هربًا من غرق السفينة.
قد تكون الهجرة الكثيفة التي يُقدم عليها اللبنانيون هذه الفترة أخطر حلقات المرحلة الصعبة، والأرقام التي أوردها رئيس جمعية لابورا (Labora) المعنية برصد مشكلة الفقر والبطالة، الأب طوني خضرا، تبعث على القلق فـ230 ألف لبناني هاجروا من البلاد في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي و60% منهم من الطائفة المسيحية.
هجرة ربع مليون لبناني في 5 أشهر فقط!
وأوضح خضرا أن 90% من اللبنانيين الحاملين لجنسيات أجنبية غادروا البلاد بين سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، خصوصا قبل بدء العام الدراسي الجديد، بينهم مجموعة كبيرة من رجال الأعمال الذين نقلوا أعمالهم إلى الخارج، لافتا إلى أنّ العامل الطائفي يقف في صدارة أسباب تصاعد هجرة اللبنانيين.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت في دراسة بحثية -صدرت في سبتمبر/أيلول الماضي أن 74% من سكان لبنان يعانون من الفقر في 2021، في حين لا توجد إحصاءات رسمية حول نسبة الهجرة في لبنان.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت في دراسة بحثية -صدرت في سبتمبر/أيلول الماضي أن 74% من سكان لبنان يعانون من الفقر في 2021، في حين لا توجد إحصاءات رسمية حول نسبة الهجرة في لبنان.
تسونامي هجرة الشباب... يهدّد الكيان اللبناني
وتنعكس هذه الموجة بالأرقام والنسب على مختلف المؤسسات والقطاعات، وتظهر علناً على شكل طوابير انتظار طويلة لآلاف المواطنين، يتنقلون بين مراكز الحصول على جوازات سفر، وأماكن تخليص الأوراق والمعاملات، كذلك الأمر أمام السفارات التي باتت المواعيد في بعضها مؤجلة إلى العام 2022 بسبب حجم الطلبات، وصولا إلى المطار الذي يغص بالمغادرين يوميا.
فجوازات السفر التي أصدرها الأمن العام منذ مطلع السنة حتى نهاية شهر أغسطس/آب 2021 بلغت 260 ألف جواز، بزيادة 82% عن ذات الفترة من العام 2020، بينما طوابير طالبي الحصول على هذه الجوازات أمام مراكز الأمن العام تتزايد، وقد تجاوز عدد الطلبات 8000 يوميا، بينما القدرة القصوى لإنتاج الدوائر المختصة لا تتجاوز 3000 جواز سفر يوميا، ومدير الأمن العام أعلن عن إجراء مناقصة جديدة لطباعة مليون جواز سفر جديد لتلبية الطلبات الكثيفة.
وحذّر باحثون من تداعيات عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في لبنان على موجات هجرة الشباب، التي قد تهدد بدورها مستقبل بلد يضم نحو 4 ملايين ويعيش خارجه نحو 16 مليونًا.
فجوازات السفر التي أصدرها الأمن العام منذ مطلع السنة حتى نهاية شهر أغسطس/آب 2021 بلغت 260 ألف جواز، بزيادة 82% عن ذات الفترة من العام 2020، بينما طوابير طالبي الحصول على هذه الجوازات أمام مراكز الأمن العام تتزايد، وقد تجاوز عدد الطلبات 8000 يوميا، بينما القدرة القصوى لإنتاج الدوائر المختصة لا تتجاوز 3000 جواز سفر يوميا، ومدير الأمن العام أعلن عن إجراء مناقصة جديدة لطباعة مليون جواز سفر جديد لتلبية الطلبات الكثيفة.
وحذّر باحثون من تداعيات عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في لبنان على موجات هجرة الشباب، التي قد تهدد بدورها مستقبل بلد يضم نحو 4 ملايين ويعيش خارجه نحو 16 مليونًا.
مؤشرات الانهيار
في المقابل، صنّف البنك الدولي ما يعيشه لبنان حاليا بأسوأ 3 أزمات مرت بالعالم بعد تشيلي وإسبانيا، وفي حين احتاجت تشيلي إلى 16 عاما للتعافي من انهيارها عام 1926، وإسبانيا بعد حربها الأهلية (1936-1939) استغرق تعافيها 26 عاما، قدر البنك أن لبنان قد يستغرق من 12 إلى 19 عاما للتعافي.
ويقدر البنك الدولي أن شخصاً من كل خمسة أشخاص فقد وظيفته في لبنان منذ خريف 2019. وأن 61 في المئة من الشركات في لبنان قلصت موظفيها الثابتين بمعدل 43 في المئة.
ويقدر البنك الدولي أن شخصاً من كل خمسة أشخاص فقد وظيفته في لبنان منذ خريف 2019. وأن 61 في المئة من الشركات في لبنان قلصت موظفيها الثابتين بمعدل 43 في المئة.
أسباب الهجرة
ولا يتفاجئ الخبير الاقتصادي اللبناني، لويس حبيقة، بارتفاع ظاهرة هجرة الشبان من لبنان: "فلطالما كانت السياسة الاقتصادية في لبنان قائمة على أساس طرد الطاقات الشابة. ومع اشتداد الأزمة من المنطقي خروج هذه الطاقات"، يقول حبيقة.
ويضيف في حديث لـ "جسور" أن: "غياب فرص العمل، إضافة إلى تكاثر عمليات تسريح الموظفين من القطاع الخاص، ساهما في إقبال الشباب على الهجرة، ومن المرجح استمرارها في الحقبة المقبلة، حتى ولو تحسنت الأوضاع السياسية، فالاقتصاد اللبناني يحتاج إلى أكثر من 10 سنوات لاستعادة ما كان عليه قبل العام 2019".
وبحسب حبيقة، فإن هجرة الكفاءات المهنية الكثيفة قد يكون لها التأثير الأكثر ضرراً، سواء لناحية تغيير التركيبة الديموغرافية للبنان، أو لناحية صعوبة استعادته النشاط الاقتصادي مستقبلاً.
ويؤكد أن أسباب الهجرة هذه المرة لا تقتصر على الاحتياجات المعيشية فقط، بل يقف وراء جزء منها حالة اليأس التي يعيشها الشباب.
ويضيف في حديث لـ "جسور" أن: "غياب فرص العمل، إضافة إلى تكاثر عمليات تسريح الموظفين من القطاع الخاص، ساهما في إقبال الشباب على الهجرة، ومن المرجح استمرارها في الحقبة المقبلة، حتى ولو تحسنت الأوضاع السياسية، فالاقتصاد اللبناني يحتاج إلى أكثر من 10 سنوات لاستعادة ما كان عليه قبل العام 2019".
وبحسب حبيقة، فإن هجرة الكفاءات المهنية الكثيفة قد يكون لها التأثير الأكثر ضرراً، سواء لناحية تغيير التركيبة الديموغرافية للبنان، أو لناحية صعوبة استعادته النشاط الاقتصادي مستقبلاً.
ويؤكد أن أسباب الهجرة هذه المرة لا تقتصر على الاحتياجات المعيشية فقط، بل يقف وراء جزء منها حالة اليأس التي يعيشها الشباب.
الهجرة أسهل المخارج
بحزم وإصرار، قرر علي شمص إقفال مؤسسته التجارية التي أسسها عام 2000 والانتقال إلى تركيا ليبدأ بتأسيس عمل جديد، ويعمل شمص في مجال التجارة، ويمتلك متجرا يديره وأخوته في العاصمة بيروت، ويقول بحرقة قلب لـ"جسور": "لم أعد أتمكن من شراء البضائع للمتجر، فالخسائر زادت منذ بداية العام الحالي، فقررت إقفال المؤسسة، والبحث عن فرصة جديدة في مكان آخر".
ويشير شمص في سياق حديثه، إلى أنّ التهويل السياسي المدعم بلغة تهديدية أمنية، زادت من منسوب اليأس عند الشباب، وأعطت إشارات سلبية عن المستقبل، وهذا دليل كاف للهجرة والتأسيس بعيدا من هذا الجو المتأزم.
ويشير شمص في سياق حديثه، إلى أنّ التهويل السياسي المدعم بلغة تهديدية أمنية، زادت من منسوب اليأس عند الشباب، وأعطت إشارات سلبية عن المستقبل، وهذا دليل كاف للهجرة والتأسيس بعيدا من هذا الجو المتأزم.
لبنان - تركيا
ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية في لبنان، وانخفاض قيمة العملة الوطنية وفقدانها أكثر من 80 في المئة من قيمتها، لم يعد أمام اللبنانيين خيارات سوى الهجرة، والبدء بتأسيس أعمال في الخارج. وتعد تركيا وقبرص ودول الخليج، وحتى أفريقيا، من أكثر الوجهات استقطاباً للبنانيين، لكن تركيا قد تكون الخيار الأفضل لصغار التجار.
وبحسب دائرة الإحصاء التركية، فإن اللبنانيين دخلوا قائمة الجنسيات الأكثر شراء للعقارات بين العامين 2018 و 2019، وباتوا في المركز 16 في العام 2020، بعدما بلغ عدد العقارات التي سُجلت هناك بأسماء لبنانيين نحو 771 عقاراً.
وذكرت وزارة التجارة التركية أن عدد الشركات التي أسسها لبنانيون في العام 2020 بلغ 987 مؤسسة، وهذا مؤشر مهم يكشف حجم هجرة اللبنانيين الكثيفة إلى دول مجاورة مستقرة.
هذا ويئن لبنان تحت وطأة أزمة مالية طاحنة منذ أواخر 2019، ومنذ ذلك الحين، فقدت العملة المحلية نحو 80% من قيمتها وزادت نسبة الفقر وأصيب النظام المصرفي بحالة من الشلل.
ومنذ انزلاق البلاد إلى أزمة مالية كبيرة عام 2019، تبخرت العملة الصعبة في لبنان ولم يتمكن من يملكون حسابات بالدولار الأميركي إلا من إجراء عمليات سحب بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف يبلغ 3900 ليرة للدولار.
وبحسب دائرة الإحصاء التركية، فإن اللبنانيين دخلوا قائمة الجنسيات الأكثر شراء للعقارات بين العامين 2018 و 2019، وباتوا في المركز 16 في العام 2020، بعدما بلغ عدد العقارات التي سُجلت هناك بأسماء لبنانيين نحو 771 عقاراً.
وذكرت وزارة التجارة التركية أن عدد الشركات التي أسسها لبنانيون في العام 2020 بلغ 987 مؤسسة، وهذا مؤشر مهم يكشف حجم هجرة اللبنانيين الكثيفة إلى دول مجاورة مستقرة.
هذا ويئن لبنان تحت وطأة أزمة مالية طاحنة منذ أواخر 2019، ومنذ ذلك الحين، فقدت العملة المحلية نحو 80% من قيمتها وزادت نسبة الفقر وأصيب النظام المصرفي بحالة من الشلل.
ومنذ انزلاق البلاد إلى أزمة مالية كبيرة عام 2019، تبخرت العملة الصعبة في لبنان ولم يتمكن من يملكون حسابات بالدولار الأميركي إلا من إجراء عمليات سحب بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف يبلغ 3900 ليرة للدولار.