إلى جانب أزمات الجامعة اللبنانية، وفي ظل أزمة مالية خانقة وانهيار العملة المحلية في لبنان، يواجه طلّاب الجامعات الخاصة خطر الحرمان من فرصة إكمال تعليمهم بعد اتخاذ إدارة عدد من الجامعات قراراً جديداً يجبرهم على دفع الأقساط بالدولار الأميركي "الفريش" فقط، مما يهدد مصير الطلّاب ومستقبلهم. الأزمة المالية في البلاد يبدو أنها ستهدّد الأمن التعليمي لآلاف الطلاب في القطاعين العام والخاص.
بعدما كانت مسألة نسبيّة "يُمكن احتمالها"، باتت دولرة الأقساط في الجامعات الخاصة اللبنانية أمراً واقعاً، فبين ليلة وضحاها، صحا الطلاب على قرار تسعير الأقساط الجامعية لكل الاختصاصات على الدولار الأميركي بالكامل، بدءاً من فصل خريف 2022.
مقابل انهيار الليرة وبلوغ سعر الدولار الواحد في السوق السوداء أكثر من 29 ألف ليرة لبنانية، وهو مرشّح إلى مزيد من الصعود وسط غياب السياسات الإصلاحية؛ أثار قرار "الدولرة" حفيظة عدد كبير من الطلاب. القرار تبرّره إدارة الجامعات بأنّه محاولة للحفاظ على مكانتها الأكاديميّة وعلى أساتذتها، وسط الأزمة الاقتصاديّة الخانقة التي يشهدها لبنان منذ عام 2019، في وقت يؤكد فيه الطلاب عبر "جسور" أن مصيرهم التعليمي مهدد بالانهيار!
صرخة موجعة!
هل أصبح العلم في لبنان ايضاً "مستورداً من الخارج" مثل الدواء والغذاء والمحروقات؟ سؤال طرحه الطالب فادي عيسى في حديث لـ "جسور"، معبرا عن امتعاضه من زيادة الأقساط الجامعية ودولرتها، مبينا أنّ معظم الجامعات الخاصة تزفّ خبر دولرة الأقساط واحدة تلوَ الأخرى، وكانت تعديلات متفاوتة قد طرأت على الأقساط مرات عدة، منذ بدء الأزمة إلى اليوم. فماذا يفعل الطالب المحروم من الدخل بالدولار؟ هل يلجأ إلى الجامعة اللبنانية المنهارة والتي يعصف بها مستقبل مجهول؟
ويضيف عيسى "من المفترض أن أحصل على إجازتي في إدارة الأعمال هذا العام لكن لعدم تمكني من تأمين كامل القسط سيتعذر علي الحصول على شهادتي التي أعمل ليلا نهارا لنيلها"، قائلا: "للأسف لم يعد للعلم في لبنان أي قيمة!".
الطالبة سارة خوري سنة ثانية في اختصاص التمريض، تقول بدورها في اتصال مع "جسور"، إن قرار رفع الأقساط الذي يتفاجأ به الطلاب تباعا طيلة العام الجامعي "ظلمها" فهي تتكل على المنحة الدراسية، وبالكاد تسدّد ما تبقّى من الأقساط، فكيف الحال مع هذه الزيادة الكبيرة؟
وأكدت سارة "بغصة" أنها تبحث عن جامعة أخرى، ولا تدري إن كانت ستخسر ما حصدته من تعليم طيلة السنتين الماضيتين، قائلة: صحيح أنّ الجامعة اللبنانية لا تكلّف مبالغ طائلة إلا أنها تكلّف الطالب ضغوطات نفسية صعبة.
وفي محاولة لمنع "دولرة" الأقساط، تشير سارة إلى أن الطلاب ينظمون بين الحين والآخر العديد من الوقفات الاحتجاجية في عدد من الجامعات الخاصة بهدف الضغط على إدارة جامعاتهم، وكي يعبرّوا عن صعوبة تأمينهم للأقساط بالدولار "الفريش".
"عملة حماية"
وعلى وقع تزايد وتيرة غضب الطلاب، يصبح البحث عن حلول متاحة أمراً ملحاً، ففي حديث لـ"جسور"، رأت الباحثة في الاقتصاد النقدي، الدكتورة ليال منصور، أنّ "الحديث عن دولرة أقساط الجامعات الخاصة يأتي بعد سنتين ونصف تقريبا من أزمة إقتصادية خانقة ضربت لبنان على المستويات كافة من دون معالجة مسبباتها حتى اللحظة، وبالتالي في بلد مثل لبنان متاح فيه الدولار فمن الطبيعي أن يُعتمد على الدولار "كعملة حماية" مع تواصل انهيار الليرة اللبنانية وعدم إيجاد أي حل سياسي جدي للحفاظ عليها".
وتضيف منصور أن دولرة أقساط الجامعات "أمر متوقع في بلد مثل لبنان"، ,وبرأيها فإن "الحل الأوحد في لبنان هو الدولرة الشاملة لأن زيادة القطاعات المدولرة ستزيد من المشاكل تباعاً، ولا يمكن معالجة كل مشاكل هذه الدولرة من دون تنظيمها واعتمادها كعملة وطنية"، مشيرة في الوقت نفسه، إلى أن " بلداً مثل لبنان كان طوال السنوات المنصرمة، أي على مدى 40 و50 عاما مدولراً، لا يمكن أن يُمنع فيه استعمال الدولار، فهذا الأمر غير واقعي". والحل بحسب ما أكدت منصور لـ"جسور" هو "اعتماد الدولار كعملة وطنية حقيقية تحت عنوان "الدولرة الشاملة" أو لأسباب سيادية للحفاظ على صورة لبنان".
تعديلات كبيرة على الأقساط
الجامعتان اللبنانية الأميركية، والجامعة الأميركية في بيروت، بادرتا الى رفع أقساط فصل الربيع للعام 2021، بداية على سعر صرف 3900 ليرة للدولار الواحد، ومن ثم على سعر صرف 8000 ليرة للدولار الواحد. وبينما بقية الجامعات تدرس قراراتها النهائية، اختارت الجامعة اللبنانية الأميركية الدولرة بالكامل لكل الرسوم الجامعية بدءاً من خريف 2022 وذلك بسبب اتّساع الفجوة بين ما تتقاضاه وما تسدّده من رسوم تشغيلية، وهجرة الأساتذة والموارد البشرية الكفوءة، كما برّرت الجامعة.
وكذلك فإن الجامعة الأميركية في بيروت اتجهت نحو الدولرة الكاملة التدريجية حيث أن 60 بالمئة من القسط سيُدفع بالدولار في بداية العام الجامعي 2022-2023، لترتفع النسبة إلى 80 بالمئة في العام الذي يليه، وصولاً إلى تقاضي الأقساط 100 بالمئة بالدولار، ولكن مع تقديم المنح والمساعدات للطلاب وحسم بحدود الـ 40 بالمئة من الاقساط، وفق حللو طرحتها الجامعة.
إلى ذلك، فإن الجامعة اليسوعية كانت قد قررت زيادة 250 دولاراً (فريش) على القسط الفصلي لكل طالب والتي تقسم على دفعتين متساويتين (125 دولاراً لكل دفعة)، مع العلم أن الجامعة كانت قد وعدت طلابها عند التسجيل بأنها لن تعدل الأقساط بعدما حددت الدولار على أساس 2700 ليرة. وبررت الجامعة في بيان لها فرض هذا المبلغ بالدولار لكون "72 في المئة من النفقات تُدفع بالدولار، وللحفاظ على الكادر التعليمي الذي يغادر الجامعة لعدم قبض الرواتب بالدولار، إضافة الى النقص في التمويل الخارجي".
أما اليوم، فلا يوجد قرار نهائي بعد، ولكن تشير الأجواء الى أنه لا مهرب من الدولرة التي يفترض ألا تتجاوز 30 بالمئة في الجامعة اليسوعية بحسب رئيس رابطة جامعات لبنان سليم دكاش.
أين دور وزارة التربية؟
وسط غياب الجهات الرقابية في لبنان وانكفاء الوزارات عن أداء الدور المطلوب، كانت مصادر تربوية قد أشارت في وقت سابق إلى أن قانون تنظيم الجامعات الخاصة لا ينص على أي بند يتعلق بالأقساط أو بأي عملة يجب التعامل، وإن قانون النقد والتسليف وحده يتطرق الى التسديد بالعملة الوطنية، أو ما يُعرف بـ"السعر الانتقالي القانوني". فعندما وُضع قانون تنظيم التعليم العالي الخاص عام 2014 لم يكن لبنان يُعاني من مشكلة الدولار والليرة.
وتشير المصادر الى أن المرجع في حال حصول نزاع بين الطالب والجامعة هو قانون النقد والتسليف، وتجزم المصادر أن لا نص في قانون الجامعات يتناول الأقساط خلافا للمدارس الخاصة، حيث ينظّم القانون الرقم 515 الموازنات المدرسية. بل إن قانون الجامعات ينص فقط على أن تكون الجامعة متمولة وقادرة على الاستمرار ولا تنكسر في وسط الطريق وتشتت معها الطلاب المصادر لفتت أيضاً، الى أن وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي رفع الصوت وتحدث مع الجامعات التي اعتبرت في النهاية انها لا يمكن أن تستمر في ظل هذه الأزمة التي تتفاقم يوماً بعد يوم.
بعدما كانت مسألة نسبيّة "يُمكن احتمالها"، باتت دولرة الأقساط في الجامعات الخاصة اللبنانية أمراً واقعاً، فبين ليلة وضحاها، صحا الطلاب على قرار تسعير الأقساط الجامعية لكل الاختصاصات على الدولار الأميركي بالكامل، بدءاً من فصل خريف 2022.
مقابل انهيار الليرة وبلوغ سعر الدولار الواحد في السوق السوداء أكثر من 29 ألف ليرة لبنانية، وهو مرشّح إلى مزيد من الصعود وسط غياب السياسات الإصلاحية؛ أثار قرار "الدولرة" حفيظة عدد كبير من الطلاب. القرار تبرّره إدارة الجامعات بأنّه محاولة للحفاظ على مكانتها الأكاديميّة وعلى أساتذتها، وسط الأزمة الاقتصاديّة الخانقة التي يشهدها لبنان منذ عام 2019، في وقت يؤكد فيه الطلاب عبر "جسور" أن مصيرهم التعليمي مهدد بالانهيار!
صرخة موجعة!
هل أصبح العلم في لبنان ايضاً "مستورداً من الخارج" مثل الدواء والغذاء والمحروقات؟ سؤال طرحه الطالب فادي عيسى في حديث لـ "جسور"، معبرا عن امتعاضه من زيادة الأقساط الجامعية ودولرتها، مبينا أنّ معظم الجامعات الخاصة تزفّ خبر دولرة الأقساط واحدة تلوَ الأخرى، وكانت تعديلات متفاوتة قد طرأت على الأقساط مرات عدة، منذ بدء الأزمة إلى اليوم. فماذا يفعل الطالب المحروم من الدخل بالدولار؟ هل يلجأ إلى الجامعة اللبنانية المنهارة والتي يعصف بها مستقبل مجهول؟
ويضيف عيسى "من المفترض أن أحصل على إجازتي في إدارة الأعمال هذا العام لكن لعدم تمكني من تأمين كامل القسط سيتعذر علي الحصول على شهادتي التي أعمل ليلا نهارا لنيلها"، قائلا: "للأسف لم يعد للعلم في لبنان أي قيمة!".
الطالبة سارة خوري سنة ثانية في اختصاص التمريض، تقول بدورها في اتصال مع "جسور"، إن قرار رفع الأقساط الذي يتفاجأ به الطلاب تباعا طيلة العام الجامعي "ظلمها" فهي تتكل على المنحة الدراسية، وبالكاد تسدّد ما تبقّى من الأقساط، فكيف الحال مع هذه الزيادة الكبيرة؟
وأكدت سارة "بغصة" أنها تبحث عن جامعة أخرى، ولا تدري إن كانت ستخسر ما حصدته من تعليم طيلة السنتين الماضيتين، قائلة: صحيح أنّ الجامعة اللبنانية لا تكلّف مبالغ طائلة إلا أنها تكلّف الطالب ضغوطات نفسية صعبة.
وفي محاولة لمنع "دولرة" الأقساط، تشير سارة إلى أن الطلاب ينظمون بين الحين والآخر العديد من الوقفات الاحتجاجية في عدد من الجامعات الخاصة بهدف الضغط على إدارة جامعاتهم، وكي يعبرّوا عن صعوبة تأمينهم للأقساط بالدولار "الفريش".
"عملة حماية"
وعلى وقع تزايد وتيرة غضب الطلاب، يصبح البحث عن حلول متاحة أمراً ملحاً، ففي حديث لـ"جسور"، رأت الباحثة في الاقتصاد النقدي، الدكتورة ليال منصور، أنّ "الحديث عن دولرة أقساط الجامعات الخاصة يأتي بعد سنتين ونصف تقريبا من أزمة إقتصادية خانقة ضربت لبنان على المستويات كافة من دون معالجة مسبباتها حتى اللحظة، وبالتالي في بلد مثل لبنان متاح فيه الدولار فمن الطبيعي أن يُعتمد على الدولار "كعملة حماية" مع تواصل انهيار الليرة اللبنانية وعدم إيجاد أي حل سياسي جدي للحفاظ عليها".
وتضيف منصور أن دولرة أقساط الجامعات "أمر متوقع في بلد مثل لبنان"، ,وبرأيها فإن "الحل الأوحد في لبنان هو الدولرة الشاملة لأن زيادة القطاعات المدولرة ستزيد من المشاكل تباعاً، ولا يمكن معالجة كل مشاكل هذه الدولرة من دون تنظيمها واعتمادها كعملة وطنية"، مشيرة في الوقت نفسه، إلى أن " بلداً مثل لبنان كان طوال السنوات المنصرمة، أي على مدى 40 و50 عاما مدولراً، لا يمكن أن يُمنع فيه استعمال الدولار، فهذا الأمر غير واقعي". والحل بحسب ما أكدت منصور لـ"جسور" هو "اعتماد الدولار كعملة وطنية حقيقية تحت عنوان "الدولرة الشاملة" أو لأسباب سيادية للحفاظ على صورة لبنان".
تعديلات كبيرة على الأقساط
الجامعتان اللبنانية الأميركية، والجامعة الأميركية في بيروت، بادرتا الى رفع أقساط فصل الربيع للعام 2021، بداية على سعر صرف 3900 ليرة للدولار الواحد، ومن ثم على سعر صرف 8000 ليرة للدولار الواحد. وبينما بقية الجامعات تدرس قراراتها النهائية، اختارت الجامعة اللبنانية الأميركية الدولرة بالكامل لكل الرسوم الجامعية بدءاً من خريف 2022 وذلك بسبب اتّساع الفجوة بين ما تتقاضاه وما تسدّده من رسوم تشغيلية، وهجرة الأساتذة والموارد البشرية الكفوءة، كما برّرت الجامعة.
وكذلك فإن الجامعة الأميركية في بيروت اتجهت نحو الدولرة الكاملة التدريجية حيث أن 60 بالمئة من القسط سيُدفع بالدولار في بداية العام الجامعي 2022-2023، لترتفع النسبة إلى 80 بالمئة في العام الذي يليه، وصولاً إلى تقاضي الأقساط 100 بالمئة بالدولار، ولكن مع تقديم المنح والمساعدات للطلاب وحسم بحدود الـ 40 بالمئة من الاقساط، وفق حللو طرحتها الجامعة.
إلى ذلك، فإن الجامعة اليسوعية كانت قد قررت زيادة 250 دولاراً (فريش) على القسط الفصلي لكل طالب والتي تقسم على دفعتين متساويتين (125 دولاراً لكل دفعة)، مع العلم أن الجامعة كانت قد وعدت طلابها عند التسجيل بأنها لن تعدل الأقساط بعدما حددت الدولار على أساس 2700 ليرة. وبررت الجامعة في بيان لها فرض هذا المبلغ بالدولار لكون "72 في المئة من النفقات تُدفع بالدولار، وللحفاظ على الكادر التعليمي الذي يغادر الجامعة لعدم قبض الرواتب بالدولار، إضافة الى النقص في التمويل الخارجي".
أما اليوم، فلا يوجد قرار نهائي بعد، ولكن تشير الأجواء الى أنه لا مهرب من الدولرة التي يفترض ألا تتجاوز 30 بالمئة في الجامعة اليسوعية بحسب رئيس رابطة جامعات لبنان سليم دكاش.
أين دور وزارة التربية؟
وسط غياب الجهات الرقابية في لبنان وانكفاء الوزارات عن أداء الدور المطلوب، كانت مصادر تربوية قد أشارت في وقت سابق إلى أن قانون تنظيم الجامعات الخاصة لا ينص على أي بند يتعلق بالأقساط أو بأي عملة يجب التعامل، وإن قانون النقد والتسليف وحده يتطرق الى التسديد بالعملة الوطنية، أو ما يُعرف بـ"السعر الانتقالي القانوني". فعندما وُضع قانون تنظيم التعليم العالي الخاص عام 2014 لم يكن لبنان يُعاني من مشكلة الدولار والليرة.
وتشير المصادر الى أن المرجع في حال حصول نزاع بين الطالب والجامعة هو قانون النقد والتسليف، وتجزم المصادر أن لا نص في قانون الجامعات يتناول الأقساط خلافا للمدارس الخاصة، حيث ينظّم القانون الرقم 515 الموازنات المدرسية. بل إن قانون الجامعات ينص فقط على أن تكون الجامعة متمولة وقادرة على الاستمرار ولا تنكسر في وسط الطريق وتشتت معها الطلاب المصادر لفتت أيضاً، الى أن وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي رفع الصوت وتحدث مع الجامعات التي اعتبرت في النهاية انها لا يمكن أن تستمر في ظل هذه الأزمة التي تتفاقم يوماً بعد يوم.