في مؤشر مقلق على تردي البنية التحتية لقطاع التعليم في العراق، أثارت صور متداولة لتلامذة يفترشون الأرض خلال أدائهم للامتحانات غضب العراقيين على منصات التواصل الاجتماعي، ما دفع وزارة التربية إلى اتخاذ قرار بالتحرك بشكل عاجل تجاه المدرسة، ومعالجة معاناة تلامذتها.
وتداول عراقيون على المنصات صورا تظهر تلامذة يجلسون على الأرض في مدرسة "أم النخيل الابتدائية" بقرية "أبو الأطرش" في محافظة ذي قار (جنوبي العراق)، خلال أداء الامتحانات وسط أجواء برد شديد.
أزمة التعليم
وينبّه مراقبون وخبراء تربويون عراقيون من تعدد وتفاقم مظاهر أزمة قطاع التعليم في البلاد، من قبيل نقص كوادر التدريس، وتفشي ظواهر التسرب بين الطلاب والعنف المدرسي، وغيرها، وهي أمور تستدعي معالجات عاجلة لأن التدهور التعليمي بات واقعا.
وللوقوف على أبعاد هذه الأزمة التي تهدد المستقبل الدراسي لأجيال من العراقيين، يقول رئيس قسم الصحافة في جامعة أهل البيت، الدكتور غالب الدعمي، في اتصال مع "جسور"، إنّ ما حصل في "أم النخيل الابتدائية" في ذي قار، يؤكد أنّ وزارة التربية العراقية فاشلة في إدارة الملف التعليمي كونها لم تستطع أن توفر البنى التحتية اللازمة ولا بناء المدارس ولا المختبرات، كما لم تستطع أيضا تقديم المحتوى الإيجابي الجيّد الذي يجعل التلميذ متميزا أو قادرا على استيعاب الدراسة بالشكل الصحيح.
واستغرب الدعمي ما حصل قائلا: "ليس من المعقول وجود حوالي ألف مدرسة في العراق طينية، وأخرى مبنيّة من كرفانات معرضّة للحريق وخالية من أبسط معايير التدريس، فضلا عن وجودها في الصحراء وبعيدة من المدن".
بدوره، أكد المحلل السياسي، الدكتور قاسم التميمي، أن التربية العراقية فشلت فشلا ذريعا شأنها شأن الوزارات الأخرى التي سيطرت على مقدّرات وإدارة شؤون المواطنين، كما فشلت في مناهجها التعليمية التي خلت تماما من المنطق العلمي والأدبي والمنطق الحقيقي الذي من المفترض أن يقوم بدوره بشكل كبير ويعطي المعلومة المفيدة للطالب، مضيفا في حديث لـ"جسور"، أنّ ما شهدناه على مواقع التواصل الاجتماعي ليس غريبا علينا، فالعراق اعتاد على مثل هذه المشاهد سنويا، مطالبا بإيجاد حلول فورية لهذه المعضلة التي تشكل خطرا حقيقا على الطلبة.
تحقيق حكومي
ودفعت موجة الانتقادات الشديدة وزارة التربية إلى تشكيل لجنة للتحقيق في إجراء الامتحانات في مدرسة أم النخيل وإحالة المقصرين إلى القضاء.
وذكرت التربية عقب انتشار صور الطلبة ومدرستهم المتهالكة في مواقع التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم أن الوزير علي حميد الدليمي وجّه بتشكيل لجنة تحقيقية عاجلة مع مدير المدرسة حول بعض الإجراءات المتبعة أثناء الامتحانات.
وأمر الوزير بإعلان نتائج التحقيق خلال ثلاثة أيام، مشدداً على عدم التهاون في محاسبة من يعرض الطلبة للخطورة أو يجعلهم في مواقف لا تليق بمكانة الطالب العراقي المتميزة.
خارج مؤشر دافوس
وفي مطلع العام الحالي، عُد العراق خارج مؤشر دافوس لجودة التعليم، إذ جاء هذا الإبعاد نتيجة السياسات الخاطئة التي اتبعتها الحكومات العراقية في إهمال التعليم وعدم التركيز على تطويره.
وقد اعتبر المؤشر كلا من ليبيا والسودان وسوريا والعراق واليمن والصومال دولا غير مصنفة في المؤشر لسوء النظام التعليمي فيها، إذ ﻻ تتوفر فيها أبسط معايير الجودة في التعليم بحسب المؤشر.
ويستند ترتيب الدول في تقرير التنافسية العالمية الذي حدّده منتدى دافوس على احتساب درجات المؤشر عن طريق جمع البيانات العامة والخاصة المتعلقة بنحو 12 معيارا أساسيا، تضم المؤسسات، والابتكار، وبيئة الاقتصاد الكلي، والصحة والتعليم الأساسي، وأيضا التعليم الجامعي والتدريب، وكفاءة أسواق السلع، وكفاءة سوق العمل، وكذلك تطوير سوق المال، والجاهزية التكنولوجية، وحجم السوق، فضلا عن تطور الأعمال والابتكار.
وفقد نحو ثلاثة ملايين تلميذ إمكانية التعليم بعد دمار حل بمدارسهم خلال الحرب على تنظيم داعش، وأكثر من 150 منشأة تعليمية تعرضت للدمار الكامل، فضلا عن حاجة نصف مدارس العراق بشكل عام إلى إعادة تأهيل وفق تقديرات الأمم المتحدة.
2000 مدرسة طينية
وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) في مايو/أيار 2019، أنّ 50% من المدارس بحاجة إلى التأهيل والترميم، وأشارت إلى أن نقص المدارس والكوادر التربوية والتعليمية في العراق أسفر عن ازدحام الصفوف المدرسية بالتلامذة، ويعاني الأطفال من أجل التعليم، حتى اضطر العديد منهم إلى ترك الدراسة.
وبحسب المعلومات فان عدد المدارس الطينية في العراق تجاوز 2000 منتشرة في المناطق الجنوبية، يدرس فيها أكثر من 20 ألف طالباً، ويخصص العراق سنوياً مبالغ طائلة للقطاع التربوي من الموازنة العامة للبلاد، عدا عن التخصيصات الأخرى التي يقدمها برنامج تنمية الأقاليم لتطوير القطاع التربوي والتعليمي، ففي ميزانية عام 2019 بلغت التخصيصات لوزارة التربية نحو مليار و512 مليون دولار.