يُحيي العراقيون الذكرى الثانية للتظاهرات الشعبية التي تفجّرت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019 في بغداد، والتي سرعان ما تمددت إلى مدن ومحافظات في جنوب البلاد ووسطها وانخرط فيها عشرات آلاف العراقيين غالبيتهم من فئة الشباب مطالبين بالإصلاحات وإنهاء الفساد وحالة الفشل السياسي في الدولة.
وبعد عامين على الانتفاضة وعلى بُعد أيام من الإستحقاق النيابي المنتظر، تُجدّد ثورة تشرين في العراق عنفوانها والزخم الجماهيري الداعم لها والثبات على مبادئها وأهدافها.
وعلى عكس ادعاءات وتمنيات المحبطين من الحراك بأنه فقد زخمه شعبيا، خرج مئات الآلاف من المتظاهرين إلى الساحات، لتأكيد استمرار حماستهم وإصرارهم على مواصلة الحراك حتى تحقيق أهدافه مجددين رفع الشعارات المطالبة بالإصلاحات والدعوة لمحاكمة قتلة المتظاهرين.
التحرر من سلطة الرموز
الأكيد أن انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول شكّلت إنعطافة في الواقع العراقي بشكل عام، سواء على الصعيد الاجتماعي، أو في سياق التفاعل مع الحراك السياسي.
ولعل التحرر من "سلطة الرمز الديني والسياسي"، بحسب رئيس مركز المورد للدراسات والإعلام، نجم القصاب، لـ "جسور" ، كان المثال الأبرز على التحولات التي أحدثتها الانتفاضة في الوعي العراقي بشكل عام.
وعن الأداء السياسي، فيرى القصاب أن مخاوف الكتل السياسية من تجاوز مطالب المحتجين، وتعديل الخطاب الرسمي للدولة على المستوى الإعلامي والسياسي، فيهما دلالة واضحة على ما أحدثته تحركات الشارع من تغييرات".
ماذا تغيّر؟
ويرى القصاب، أن "انتفاضة تشرين حققت إنجازات كبيرة صدمت الكتل السياسية، كان في مقدمتها الدفع برئيس الحكومة الأسبق عادل عبد المهدي إلى تقديم الاستقالة، والشروع بوضع اليد على الكثير من القوانين والتشريعات التي وفرت بيئة آمنة لتواجد رموز اللادولة" وإقرار جملة من القرارات بينها الذهاب إلى انتخابات مبكرة بقانون جديد هو الأول من نوعه في البلاد.
ويقول القصاب لـ"جسور": لقد قادت الانتفاضة الى تأسيس مرحلة جديدة في تاريخ العراق السياسي وخلق جيل واع من رحم المعاناة الجماهيرية، ويشير إلى أن "غالبية الكتل والأحزاب الكبيرة تعيش حالة من القلق وعدم الاستقرار من جراء المتغيرات التي أفرزتها انتفاضة تشرين وهم يتجهون مرغمين إلى سن القوانين والتشريعات التي تلبي تطلعات الجماهير، ولو على حساب مستقبلهم السياسي، فالإرادة الشعبية تتخطى قدرتهم وإمكانياتهم في صدها أو الوقوف في مسارها".
ماذا بقي من شرارة تشرين؟
ويؤكد رئيس مركز المورد للدراسات والإعلام، لـ "جسور" أن ثورة تشرين الأول، كانت وستبقى، مؤشرا على إرادة الشعب العراقي وعدم استسلام القوى الشعبية الصاعدة فيه، أمام فساد وجبروت الأحزاب والفصائل الولائية، واستعداد جيل الشباب الثائر لتقديم أغلى التضحيات من أجل تحقيق أهدافه بإنقاذ الوطن من براثن ديكتاتورية الأحزاب والمشاريع الإقليمية المشبوهة، ولبناء مستقبل مغاير للوضع المتدهور الحالي.
ولعل من روائع هذه الثورة أنها تخطت حواجز الطائفية بامتياز وقفزت فوق المسلمات التقليدية التي أرادت الطبقة السياسية فرضها على المجتمع العراقي.
وهذه الثورة بكل معانيها، شكلت صدمة كبيرة للحكومة العراقية، بحسب القصاب، الذي يؤكد أنّ الطبقة السياسية الحاكمة لا تزال متمسّكة بمواقعها وتحاول ترويض "الثورة" وابتزاز ناشطيها أو الاستمرار في تصفيتهم.
التشرينيون والمعركة الانتخابية
وبعد الجدل الكبير الذي أحدثته قوى احتجاجات تشرين بشأن مشاركتها الإنتخابات من عدمها، أوضح عضو مجلس المفوضية في هيئة الاعلام والاتصالات في حديث لـ "جسور" أن معظم الحركات التشرينية قررت مقاطعة الانتخابات نهائياً من دون عودة كما فعلت أحزاب أخرى، مشيراً إلى أن الهوة اتسعت فيما بين "التشرينيين".
فالاحتجاجات التي بدأت مع الحزب الشيوعي انبثقت عنها تيارات شبابية بلغ مجموعها 4 تقريباً أبرزها حركة "وعي" وحركة "امتداد"، وترفض هذه التيارات خوض غمار الانتخابات النيابية لإدراكها المسبق من الخسارة بواقع تشتتها".