بعد الضجة التي أثارها فيلم "أصحاب ولا أعز"، وتلك التي أثارها فيلم "أميرة" وأدّت إلى وقف عرضه في بعض الدول، يتعرّض فيلم "صالون هدى" (2021) للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، لضجة أكبر وأوسع، وذلك بعد تداول مقطع فيديو مجتزأ منه على مواقع التواصل الاجتماعي.
تدور حوادث
الفيلم، الذي يُشارك في بطولته علي سليمان ومنال عوض وميساء عبد الهادي وغيرهم؛ في محلّ لتصفيف الشعر في بيت لحم، تمتلكه سيدة تُدعى "هدى"، تقوم بتخدير وتصوير زبونة شابة تدعى "ريم" وهي أم لطفلة، بأوضاع مخلّة، بعدما جاءت إلى الصالون لتغير تسريحة شعرها. تتعامل هدى مع الاحتلال الإسرائيلي وتحاول ابتزاز ريم لتقوم بما هو ضدّ مبادئها.
لم يعرض
الفيلم في السينما حتى الآن، لكن تم تسريب مقاطع مقرصنة منه عبر الانترنت. والجدير ذكره، أن صنّاع
الفيلم قاموا بإزالة المشاهد المثيرة للجدل من النسخة المخصّصة للعالم العربي.
لكن بالرغم من ذلك، انهالت التعليقات والانتقادات والاتهامات القاسية على المخرج والممثلين، خصوصاً من المشاهدين الفلسطينيين، الذين اعتبر بعضهم أن
الفيلم لا يُشبههم، ووصفوا مشاهده بـ"الإباحية"، واتهموا معديه بمحاولة تشويه نضالات المرأة الفلسطينية، وطالبوا بعدم عرضه.
دعاوى قانونية
وتقدم محامون فلسطينيون بدعوى قانونية ضد مخرج وممثلي
الفيلم، بتهمة المس الشخصي بهم وبعائلاتهم وبمجتمعهم وبتشويه صورة المقاومين.
وجاء في بيان وزارة الثقافة الفلسطينية، أن "لا علاقة لها بالفيلم"، مؤكدة رفضها في وقت سابق لتمثيله دولة فلسطين في مسابقة الأوسكار الدولية.
وقالت الوزارة، إن "فريق
الفيلم قدم نسخة وقتئذ تخلو من المشاهد المخلّة بالأخلاق إلى اللجنة التي شكلها الوزير لاختيار
الفيلم الذي سيمثل فلسطين، إلا أن اللجنة أشارت إلى ضعف بنيته وعدم مقدرته على تقديم صورة صادقة أو قابلة للتصديق في شخصياته الرئيسة وفي تقديم صورة المقاومة والعملاء والعلاقة مع الاحتلال".
وبحسب الوزارة، فإن "المشاهد التي احتواها
الفيلم تمس صورة الشعب الفلسطيني وقيمه وأخلاقه، وتمس صورة السينما الفلسطينية التي كان لها سبق الريادة في إطلاق السينما العربية".
إدانة وإستنكار
كما استنكرت مؤسسات فلسطينية بينها رابطة الفنانين الفلسطينيين والاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين،
الفيلم، وطالبت الجهات القانونية المختصة بوقف نشره ومنعه من العرض نهائيا، ومحاسبة العاملين في إنتاجه وإخراجه والتمثيل فيه ومساءلتهم قانونيا.
من جهتها، أصدرت رابطة الفنانين الفلسطينيين، بياناً طالبت فيه بمنع عرض
الفيلم وقالت: "ببالغ الخطورة تلقت رابطة الفنانين الفلسطينيين نبأ نشر
الفيلم الفلسطيني
صالون هدى، الذي لاقى غضباً شديداً من قبل أبناء الشعب الفلسطيني عامة والوسط الفني الفلسطيني خاصة، لما فيه من مشاهد عارية مخلة بالقيم الاجتماعية والدينية في مجتمعنا الفلسطيني المحافظ".
وأضاف البيان: "يتضمن
الفيلم قضية إسقاط الفتيات في صالونات التجميل من خلال تخديرهن وتصويرهن في أوضاع مخلة للآداب وابتزازهن من أجل إسقاطهن في العمالة والعمل لصالح الاحتلال".
وتابع: "بهذا الصدد إننا في رابطة الفنانين الفلسطينيين ندين ونستنكر هذا العمل المشين الذي يسيء للفن الفلسطيني الهادف الملتزم بالقيم الأخلاقية والمجتمعية".
أما الهيئة العامة للشباب والثقافة بقطاع غزة، فطالبت بمحاسبة القائمين على
الفيلم المثير للجدل، وضرورة وقف عرضه ونشره وتداوله بشكل فوري، مؤكدة أنه "يمثل إساءة للشعب الفلسطيني وتضحياته ونضاله البطولي"، على حد قولها.
أحداث حقيقية
في المقلب الآخر، رأى العديد من المشاهدين ولاسيما محبي أعمال المخرج الفلسطيني المشهور هاني أبو أسعد، معتبرين أن العمل مأخوذ عن أحداث حقيقية، ويتعمّق في مفاهيم الولاء والخيانة والحرية، وهذه المشاهد خدمَت
الفيلم بعيداً من الابتذال.
وأبو أسعد سبق ورُشح فيلمه "عمر" (2013) لأوسكار أفضل فيلم بلغة أجنبية عام 2014،
وهو يحمل في جعبته مجموعة من الأفلام التي تتناول القضية الفلسطينية ومنها فيلم "الجنة الآن" (2005).
وتساءل البعض "لماذا أثار هذا المشهد الذي لا يتجاوز الدقيقتين حفيظة الناس، بينما لم تهزّهم تجاوزات الاحتلال واستغلاله الفتيات؟".
بدوره، كتب الناقد السينمائي اللبناني هوفيك حبشيان، "في زمن وسائط التواصل، بات هذا النوع من الحملات على الأفلام مكرراً، خصوصاً عندما يتعلق الموضوع بمجتمعات محافظة وعقليات منغلقة تعتقد أنه يجب تقييم الأعمال الفنية من وجهة نظر أخلاقية ودينية، لا بل أحياناً من منظور عشائري، من خلال ممارسة وصاية على سلوكيات أي شخص يعيش في هذا المجتمع".
وأضاف حبشيان "الأصوليون في فلسطين استفزتهم إطلالة الممثلة ميساء عبد الهادي في
الفيلم كما خلقها الله، في لقطة جريئة بمعايير السينما العربية. حرّضوا عليها، واعتبروا فعلتها "تشويه سُمعة وانتهاكاً"، وأخرجوا من جُعبتهم كل المفردات البالية التي تعود في كل مرة يخرج فيها الفن عن "قيم المجتمع وآدابه". والهوس بالحفاظ على الشرف أفضى بالبعض إلى كتابة مقالات تقارن "
صالون هدى" بأفلام البورنو، وهذا أبعد ما يمكن عن الحقيقة"، بحسب الناقد السينمائي.
مواقع التواصل
في السياق، تصدر وسم "#صالون_هدى" مواقع التواصل الاجتماعي، وانهالت التغريدات المعارضة للفيلم باعتبار أنه يخدش الحياء.
يُذكر أن فيلم "
صالون هدى"، قد حصل على تنويه خاص من لجنة تحكيم "مهرجان بيروت الدولي لسينما المرأة" للعام 2022، وافتتح مهرجان PalestineReel السينمائي، كما حصل على عرضه العربي الأول في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، وتمكّن الجمهور من مشاهدته ضمن الدورة السادسة والأربعين من "مهرجان تورونتو السينمائي الدولي" في أيلول الماضي قسم "منصة".