لا يخفى على أحد أن إيران تعدّ لاعباً استراتيجياً رئيسياً في العراق على الصعد كافة، لكنها اليوم ومع إقتراب موعد الإستحقاق الانتخابي، تجد نفسها مرغمةً على التعامل مع سخط كثيرين في بلد يشهد أصلاً انقساماً حاداً، بحسب خبراء.
ويتجسد الدور الحساس الذي تلعبه طهران في بغداد، بتحالفاتها مع كيانات سياسية رئيسية ودعمها لقوات الحشد الشعبي التي تضمّ فصائل موالية لها وباتت جزءاً من القوات الأمنية الحكومية.
ويُجمع محللون على أن الانتخابات في العراق، ستكشف انقسامات متزايدة خصوصا بين الأحزاب الشيعية.
جماعات متحالفة مع إيران
وفي هذا السياق، أوضح الكاتب والصحافي العراقي، أحمد الحمداني أنّ أكبر تجمع للأحزاب المتحالفة مع إيران والذي يقوده زعماء فصائل مسلحة هو تجمع ينضوي تحت لواء "تحالف الفتح" بقيادة الزعيم السياسي، هادي العامري، الذي جاءت كتلته في المرتبة الثانية في انتخابات عام 2018 وشغلت 48 مقعدا.ورأى الحمداني في حديث لـ "جسور" أنّ "تحالف الفتح" يشمل الجناح السياسي لجماعة "عصائب أهل الحق"، التي صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية ويمثل أيضا "منظمة بدر"، التي تربطها علاقات طويلة مع إيران والتي قاتلت إلى جانبها في الحرب العراقية الإيرانية من عام 1980 إلى عام 1988.
ولعب جميع البرلمانيين الشيعة دورا كبيرا في هزيمة تنظيم "داعش" الذي استولى على ثلث العراق بين عامي 2014 و2017.
ولفت الحمداني إلى أنّ بعض الأحزاب المتحالفة مع إيران تخوض الانتخابات خارج مظلة تحالف "الفتح"، ومن بينها حركة "حقوق" التي تشكلت حديثا عن أقوى فصيل موال لإيران وهو "كتائب حزب الله".
وكشفت معلومات متداولة عن أبرز توقعات العملية الإنتخابية، مشيرة إلى أن قائمتي "الفتح" وسائرون "التيار الصدري" ستكونان الأوفر حظاً للحصول على أعلى عدد من مقاعد البرلمان، وتالياً ستتمكن واحدة منهما من تشكيل الكُتلة البرلمانية الأكبر، المخولة بتشكيل الحكومة العراقية بحسب تفسير المحكمة الدستورية العليا للدستور العراقي.
تحالفات شيعية أخرى
ضم رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، وزعيم تيار الحكمة الوطني رجل الدين الشيعي، عمار الحكيم، الصفوف وأسسا تحالف قوى الدولة الوطنية.وحل تحالف العبادي في المرتبة الثالثة في انتخابات عام 2018 وشغل 42 مقعدا في البرلمان بعد أن قاد العراق إلى هزيمة تنظيم "داعش". وشغل تيار الحكمة الوطني 19 مقعدا.
ويرأس نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، واحداً من أقدم أحزاب العراق وهو حزب الدعوة الإسلامية (ائتلاف دولة القانون) الذي شغل 25 مقعدا في البرلمان في انتخابات عام 2018. والمالكي متهم على نطاق واسع بتمكين الفساد والطائفية المناوئة للسنة التي ساعدت تنظيم "داعش" في كسب أتباع، وفقا لتقارير صحافية.
طهران ولعبة التمثيل الحكومي
ويؤكد محللون أن إيران أسست رؤيتها من الإنتخابات المبكرة، عبر تخفيف حدة التنافسات الأخيرة، وتقديم دعم سياسي لها، من أجل أن تحقق نتائج إنتخابية جيدة تضمن لها أغلبية مريحة في مجلس النواب المقبل، وبالشكل الذي يؤسس لمفهوم "البرلمان الولائي في العراق"، لتمرير الكثير من السياسات الإيرانية في العراق.وفي بلد تتبدّل فيه التحالفات بعد الاستحقاق الانتخابي، تحمل المفاوضات الهادفة إلى تشكيل حكومة أهمية تفوق أهمية الانتخابات وتوزيع المقاعد في الحكومة. لذلك يخشى مراقبون ودبلوماسيون وقوع عنف في حال أرادت الفصائل الموالية لإيران مثلاً الضغط لضمان التمثيل الذي تطمح إليه في الحكومة.
ويرى متابعون لهذا الملف أن الفصائل الموالية لإيران "تحاول بشكل جاد وحقيقي تثبيت نفسها وغرز جذورها عميقا في رحم العملية السياسية وفي الحكومات المتعاقبة".
الدور الإيراني في العراق
وفي هذا الإطار، يقول مصدر مطلع لـ "جسور" إنه إذ تعوّل إيران كثيراً على تأثير الفصائل المسلحة الموالية لها في ترسيخ وإدامة نفوذها، وتالياً فإن الخلافات الإنتخابية المتصاعدة بين هذه الفصائل ستنعكس بصورة مباشرة على طبيعة الدور الإيراني في العراق، فالقوة التراكمية التي حققتها هذه الفصائل في مرحلة ما بعد "داعش"، على مستوى التأثير السياسي والإستحواذ الإقتصادي والسطوة الأمنية، جاءت بفعل المركزية التي امتازت بها خلال الفترة الماضية.وعليه فإن التنافس الإنتخابي الحالي بعيداً من المظلة الإيرانية سيقوض المركزية ما سيسهم في تراجع قوتها التراكمية، وتقوقع الكثير من الفصائل الصغيرة، حسب قربها وبعدها عن الفصائل الكبيرة المتنافسة.