ثمانية أيام فقط تفصل اللبنانيين عن الانتخابات النيابية، استحقاق ينتظره كثيرون بفارغ الصبر بهدف محاسبة مرتكبي المجازر الاقتصادية والمالية والاجتماعية بحق مجتمع بأكمله.
ففي أول استحقاق بعد انفجار مرفأ بيروت، إنتخابات 15 من مايو \أيار تتزامن مع أزمة اقتصادية تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين، سبق للبنك الدولي أن صنّفها ضمن أشد عشر أزمات لا بل من بين أشد ثلاث أزمات، على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وفي ظل واقع معدوم على مختلف المستويات، كانت دراسة لمركز الدراسات اللبنانية تحت عنوان "تأثير الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان على تفضيلات الناخبين وخياراتهم في الانتخابات النيابية للعام2022" تبحث في تداعيات الأزمة الاقتصادية علـى خيارات الناخبيـن.
انتخابات مفصلية
تستند الدراسة إلى مسح عبر الانترنت أجراه 6819 مشاركا موزعين على 26 منطقة اقتراع.
وتظهـر بيانات الدراسة الى تغيير ملحوظ فـي نسـبة الناخبين المؤيديـن للاحـزاب السياسـية الحالية، اذ انخفضت من 53% عام 2018 الى 30% عام 2022. وبالتالي بحسب الدراسة، فان 57 ٪فقط من المجيبين الذين صوتوا للاحزاب السياسـية الحاليـة في انتخابات 2018 يخططون للتصويـت ً لصالحها مجـددا فـي انتخابات 2022، في حين 23 ٪ مـن المجيبيـن لن يصوتوا لصالح الاحزاب السياسـية الحاليـة بـل يسعون للتصويـت لصالـح المجموعات المعارضة المسـتقلة.
ويشير الباحث الأول ومدير مشروع في مركز الدراسات اللبنانية محمد حمود في حديث لـ"جسور" الى أن "ثمة تغييرات كبيرة في خيارات التصويت، ويبدو أن خسـارة مؤيدي الاحزاب السياسية الحالية أكبر من خسارة مؤيـدي الاحزاب السياسية المعارضة لان الاخيرة تعوض خسائرها مـن خلال كسب المؤيديـن الجـدد، خصوصا مـن الناخبين السابقين الذين صوتوا بورقـة بيضاء".
تراجع مؤيدي الأحزاب
وكشفت الدراسة التي قام بها مركز الدراسات اللبنانية عن أن مؤيدي الأحزاب السياسـية الحاليـة انخفضوا بشــكل ملحوظ لدى المجيبين الذيـن تتراوح أعمارهـم بيـن 61-70 عاما.
وفي السياق، يشير حمود الى أن "ذلك سببه الأزمة الاقتصادية في لبنان التي أثرت بشدة على هذه الفئة العمرية خصوصا بعدما فقدت مدخراتها التقاعدية".
على صعيد متصل، كشفت الدراسة عن أن مؤيدي المجموعات المعارضة المستقلة زادوا بشـكل ملحـوظ، فيما انخفض عدد مؤيدي الأحزاب السياسية لدى كل الفئات في لبنان، لكن سجل انخفاض بارز في عدد مؤيدي الاحزاب السياسية الذين يواجهون دائما صعوبـة في دفع فواتيرهم، اذ 25 ٪ فقط من المجيبين الذين يواجهون دائما صعوبة في دفع فواتيرهم أفادوا بأنهم سـيصوتون لصالـح الأحـزاب السياسـية الحاليـة، بانخفـاض 30 ٪ً مقارنـة بانتخابات 2018.
كذلك، تكشـف نتائج الدراسة عن أن مؤيدي الاحـزاب السياسية الحاليـة قد تراجعوا بشـكل ملحوظ بين جميع المجيبين المتعلميـن بغـض النظـر عن تحصيلهــم العلمي، بينما ارتفع دعم الأحزاب السياسية الحالية في أوسـاط المجيبيـن غيـر المتعلميـن بنسـبة 10 ٪فـي انتخابات 2022 مقارنـة بانتخابـات 2018.
وسط هذه الاجواء، اضاف حمود أن "نسـبة المؤيديـن للأحـزاب السياسـية الحاليـة انخفضت بشكل ملحوظ على مسـتوى كل الطوائف الدينيـة، اذ انخفض عـدد مؤيـدي الأحـزاب السياسية الحالية بشكل أكبر بين العلويين (انخفـاض بنسـبة 43٪) والأرمـن الأرثوذكـس (انخفـاض بنسـبة 40٪) والـدروز (انخفـاض بنسـبة 39٪) والأرمـن الكاثوليـك (انخفـاض بنسـبة 38٪) والسـنة (انخفـاض بنسـبة 35٪)".
وبحسب حمود، انخفض"عدد مؤيـدي الأحـزاب السياسية الحالية بشكل ملحوظ فـي المناطق اللبنانية كافة، فقد تراجع عـدد مؤيـدي الأحـزاب السياسـية الحالية بشكل أكبر فـي راشـيا (انخفاض بنسبة 42٪)، والمنية الضنية (انخفاض بنسبة 37٪)، وحاصبيـا (انخفـاض بنسـبة 35٪)، والكورة (انخفاض بنسبة 34٪)، وطرابلس (انخفاض بنسبة 33٪)، والبقاع الغربي (انخفاض بنسبة 33٪)".
واوضح ان "مقابل خسارة مؤيدي الأحزاب السياسية الحالية هناك زيـادة بشكل أساسي فـي عـدد مؤيدي المجموعـات المعارـة المستقلة فـي كل مناطق الاقتراع."
تغيرات جذرية
وفي قراءة تحليلية لنتائج هذه الدراسة، اشار حمود الى أن " الأزمة الاقتصادية الراهنة أثرت بشكل كبير على خيارات اللبنانيين، وأظهرت الدراسة أن الاحزاب السياسية التقلدية التي حكمت البـلاد لما يقـرب مـن ثلاثـة عقـود تفقـد شـعبيتها، اذ يتهم المجتمع المدني الاحزاب السياسية بالفسـاد وسـوء ادارة البلاد.
وختم قائلا" لا تهـدف هـذه الدراسـة إلـى التنبـؤ بنتائـج الانتخابات، بقـدر مـا تهـدف إلـى مراقبـة مـا إذا كانـت الانتخابات سـتحدث أي تغييـرات فـي الهيكليـة السياسـية الجامـدة فـي لبنـان، والتعويل على المجموعات المعارضـة المستقلة التي بمقدورها ان تحقق مكاسب انتخابية في حال توحدت بوجه الأحـزاب السياسية التقليدية."