كتب بديع يونس في جسور:
عانت المملكة من آفة الفساد الضخمة. فأتت حملة مكافحة الفساد لتتجاوب مع مطالب الشعب السعودي.
حظيت أجندة الأمير محمد بن سلمان الإصلاحية الطموحة بشعبية كبيرة من الشباب السعوديين وإن واجهت مقاومة من بعض الحرس القديم ممن يؤمنون بالتغيير التدريجي والحكم بتوافق الآراء.
نجح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بوضع العائلة المالكة تحت سلطة القانون. ورأى أن التطهير من الفساد جزء من حركته باتجاه الإصلاح. حتى أنّ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عبر عن دعمه لهذه التحركات، مغرداً "لدي ثقة كبيرة في الملك سلمان وولي عهد السعودية، إنهم يعلمون بدقة ما يفعلونه... وإن بعض من يتعاملون معهم بقسوة الآن كانوا "يعصرون" بلادهم لسنوات."
بدوره، أعلن ولي العهد أنه "لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد أيًّا كان.. سواءً كان وزيرًا، أو أميرًا، أو أيًّا من كان .. أي أحد تتوفر عليه الأدلة الكافية سوف يُحاسب ".
لقد تحولت مشكلة الفساد إلى عائق اقتصادي يحد من النمو ويقضي على نوعية وجودة الأعمال. ففي كل ميزانية، هناك نسبة عالية تذهب للفاسدين. فلو استمر الفساد لم يكن باستطاعة المملكة أن يكون لديها نمو بنسبة 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، ولن يكون لديها زيادة 50% من الاستثمار الأجنبي في السعودية بـ 2021.
كيف كان يمكن دفع عجلة اقتصاد المملكة، وكيف يمكن تعزيز أمنها، وتعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية، والتأكد من أنها دولة آمنة، تنمو، ولديها المزيد من فرص الاستثمار والتجارة ، لو لم تتبع أجندة محاربة الفساد؟!
فالسعودية عضو في مجموعة العشرين، وبإمكان كل شخص رؤية ترتيبها قبل 5 سنوات حيث كانت قريبة من المرتبة 20، أما اليوم فهي على وشك الوصول إلى المرتبة 17 بين دول المجموعة، وتطمح للوصول إلى مرتبة أعلى من المرتبة 15 بحلول 2030. فعلى سبيل المثال، في العام 2021 كان هدف قيادة المملكة نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.9% ، فحققت نسبة 5.6% مما وضعها بين أسرع الدول نموًّا في العالم، وفي العام 2022، سينمو الاقتصاد بأكمله بنسبة تقارب 7%.
لدى المملكة اثنان من أكبر عشرة صناديق في العالم، وتمتلك واحدة من أكبر الاحتياطيات بالعملة الأجنبية عالميا، ولديها القدرة على تلبية 12% من الطلب على البترول في العالم وثاني أكبر احتياطيات نفطية مثبتة في العالم. فالمملكة تقع بين ثلاثة مضائق بحرية: مضيق السويس ومضيق باب المندب ومضيق هرمز، وتطل على البحر الأحمر والخليج العربي ، ويمر من خلالها 27% تقريبًا من التجارة العالمية، وإجمالي الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة يصل إلى 800 مليار دولار. وفي الصين وحتى العام 2022، استثمرت أقل من 100 مليار دولار. كما أن لدى الشركات الأميركية تركيزا كبيرا على السعودية إذ لديها أكثر من 300 ألف أميركي في السعودية، بعضهم يحمل كِلا الجنسيتين، ويقيم فيها، والعدد يزداد كل يوم. إذا فالمصالح واضحة !
تنفذ المملكة مشاريع ضخمة منها ما تتجاوز مبالغه مليارات الدولارات بحيث لا تحتمل الهدر والفساد خلال التنفيذ أو قبله أو عند وضع الخطط اللازمة لتنفيذها. فالمملكة لا تقدم مشاريع منسوخة من أماكن أخرى، بل تريد أن تضيف شيئًا جديدًا للعالم. الكثير من المشاريع التي تقام في المملكة تعد فريدة من نوعها، إنها مشاريع ذات طابع سعودي. فإذا أخذنا العلا على سبيل المثال، لا يوجد أي نموذج يشبهها على الكوكب. وإذا أخذنا أيضًا على سبيل المثال مشروع الدرعية، فهو أكبر مشروع ثقافي في العالم، ويعد فريدًا من نوعه. يعد مشروعًا تراثيًّا ثقافيًّا بطابع نجدي. وإذا نظرنا إلى مشروع جدة القديمة، فهو مشروع تطويري قائم على التراث الحجازي. أما نيوم فقد تم إنشاؤه وصنعه بواسطة السعودية غير منسوخ عن أي مشروع آخر. وتطول اللائحة...
فهذه المشاريع العمرانية الضخمة تستخدم الأموال التي تملكها المملكة في صندوق الاستثمارات العامة، والأموال التي تحوزها في موازنات الحكومة، فهل يجوز للفساد ان يقتطع منها على حساب المواطن والاقتصاد الوطني ومالية الدولة؟!
في وقت متأخر من مساء السبت ، الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، صدرت أوامر باعتقال نحو 200 من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال البارزين وآخرين. لم تصدر بحق هؤلاء أي تهم، ولم يودعوا السجون، بل احتجزوا في فندق ريتز كارلتون الفخم في الرياض . أراحت اعتقالات فندق الريتز - كارلتون عالم المال والأعمال، كما المستثمرين الدوليين. حيث اتاحت لهؤلاء المستثمرين أن يعرفوا الجهات الرسمية الشرعية التي يمكن أن يتعاملوا معها. وسمحت بالجهود لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي بالابتعاد عن اعتماده على النفط وتحويل البلاد إلى مركز استثماري مهم يوفر الوظائف وفرص العمل للملايين من السعوديين الشباب العاطلين عن العمل.
فالعملية كانت جزءا من حملة لمكافحة الفساد. فمن بين نحو الـ 33 مليون نسمة الذين يعيشون في السعودية، نحو 20 مليون سعودي ، يخبرون بجدوى حملة محاربة الفساد. لذا، ومن الناحية الاجتماعية تسير المملكة في الطريق الصحيح.