بعد سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) على مساحات واسعة من العراق، انضوت مجموعات شبه عسكرية تحت لواء ما يسمى بهيئة الحشد الشعبي عام 2014 وتحولت إلى قوات يتقاضى مقاتلوها رواتبهم من الحكومة العراقية للوقوف في وجه التنظيم الجديد.
منذ اليوم الأول لتأسيسها انقسمت الهيئة إلى ثلاثة أقسام لكل قسم ولاءاته. القسم الأول ضم الفصائل المسلحة الموالية لإيران وتدين بالولاء للمرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، وبالتالي إيران.
القسم الثاني، هو حشد العتبات أو الأضرحة، ولاؤه التام لآية الله العظمى علي السيستاني، ومهمته حمايته الأضرحة والمزارات الشيعية المقدسة في العراق. لا يقاتل خارج الحدود العراقية، ولا ينصاع لأوامر إيرانية.
القسم الثالث، يتألف من الجماعات شبه العسكرية التي تنتمي لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي أطلق عليها اسم "سرايا السلام".
اختلاف ايديولوجي عميق
تختلف الأيديولوجية السياسية والدينية للسيد السيستاني ومن يتبعه، عن الأيديولوجية الخاصة بالعراقيين الموالين للجمهورية الإسلامية.
الاختلاف في الايديولوجيات والانتماءات بين القوات المسلحة المختلفة داخل الهيئة لم يكن له أي تأثير سلبي على توحدها في السنوات الأولى لعملها ومواجهة داعش، لكن مع اشتعال الاحتجاجات المناهضة للحكومة العراقية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 ، بدأت ملامح هذا الصراع تتظهر لاسيما بعد تورط الفصائل الموالية لإيران بقتل واستهداف المتظاهرين والناشطين السياسيين من قادة حركة الاحتجاج.
واتهم حميد الياسري، رجل دين شيعي مقرب من السيستاني، الفصائل المسلحة الموالية لإيران داخل هيئة الحشد الشعبي، بقتل المتظاهرين العراقيين في احتجاجات نوفمبر/تشرين الثاني 2019، والخيانة لوطنهم العراق، وقال "إن من يوالي غير الوطن، فإنها خيانة عظمى، إنه دجل وخداع كبير، فهذه ليست عقيدة الحسين، نحن نرفض الانتماءات والولاءات لغير العراق، ونعلن بأعلى أصواتنا بلا خوف أو تردد، أن من يوالي غير الوطن فهو خائن".
تصريحات الياسري عكست وجهة نظر وآراء السيستاني، الذي يعتبر أنه منح الشرعية الدينية لهيئة الحشد الشعبي في البداية وأثناء القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
صراع على النفوذ
وبحسب مصدر أمني عراقي، الصراع يزداد يوماً بعد يوم بين الفصائل المسلحة الموالية لإيران، وحشد العتبات على المدن الشيعية الكبرى مثل النجف وكربلاء، لإثبات النفوذ، فيقول في حديث صحافي: "إن الفصائل الموالية لإيران، تحكم قبضتها الأمنية على محافظة كربلاء، وتأمين الحج جزء من الدعاية لها والتقرب من المواطنين العراقيين، ودخول حشد العتبات في هذه المنافسة مع الفصائل التابعة لإيران، سيخلف الكثير من الضرر على المدينة التي تعتبر الأكثر أماناً في العراق".
وفي هذا السياق يقول عماد الزيدي، قيادي في المجموعات التابعة لحشد العتبات: "منذ اليوم الأول لتأسيس مجموعات حشد العتبات، ومهمتنا الأساسية حماية العتبات والأضرحة المقدسة من الهجمات الإرهابية، وتأمين الحجاج جزء من هذه المهمة، نحن لا ننافس أحداً على النفوذ أو السلطة، فنحن نعمل ضمن الإطار القانوني والحكومي، ولا نريد تسييس مراسم الحج كالآخرين".
وتؤكد مصادر أخرى أن السيد السيستاني ومعاونيه يعملون على إعادة الأيديولوجية الدينية الشيعية والسياسية إلى مكانها الصحيح إنطلاقا من إيمان السيد السيستاني بالدولة المدنية، وحصر السياسية بالسياسيين فقط، ومن غير المقبول، الزج بالعقيدة الشيعية في الصراعات السياسية، واستخدامها لخدمة البلاد الأخرى".
في المقابل يؤمن الموالون لإيران داخل العراق وخارجها،بأن أحكام المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي فوق أي أحكام وقوانين مدنية للبلدان التي يعيشون بها.
لكن أحد المصادر الموالية للسيستاني يجزم بأنه مهما اتسعت فجوة الخلافات بين الفريقين فالسيد السيستاني لن يوافق على أن يقاتل العراقيون بعضهم البعض، مع ترجيح حصول ذلك في حالة وفاة السيستاني.