على بعد أيام معدودة من انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، سجل لبنان نقطة تحول في تاريخه الحديث إثر دخول اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بينه وبين إسرائيل حيّز التنفيذ. الملف الشائك لم يخلُ من المدّ والجزر السياسي على مدى سنوات قبل أن تنجح المفاوضات غير المباشرة بوساطة أميركية، في تذليل كافة العقبات أمامه ووضع اللمسات الأخيرة عليه ليخرج بصيغة تناسب كلا الدولتين العدوتين المتجاورتين.
وشهدت منطقة الناقورة في جنوب لبنان، حيث مقرّ قوات الأمم المتحدة الموقتة، اليوم، في السابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول، عند حوالى الساعة الرابعة من بعد الظهر في التوقيت المحلي، على اللقاء التاريخي بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي برعاية الوسيط الأميركي آموس هوكستين.
وبعيداً من أي تغطية إعلامية، اجتمع وفدا البلدين في غرفة واحدة، لنحو ساعة من الوقت، وسلمّ كل منهما رسالة منفصلة تتضمن موافقة بلديهما على الإتفاق، إلى الوسيط الأميركي، من دون تسجيل تواصل مباشر بينهما كتعبير عن رفض الجانب اللبناني لأي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل. وحضرت اللقاء المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونِتسك التي بدورها تسلمت الإحداثيات الجغرافية الجديدة المتفق عليها، لتحل مكان تلك التي أرسلتها الدولتان إلى الأمم المتحدة في عام 2011.
وتخلل المشهد التاريخي تحديان إسرائيليان أحدهما من رئيس الحكومة الاسرائيلية يائير لابيد الذي صرّح بأن "لبنان اعترف بإسرائيل في الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية" ليقطع الرئيس اللبناني الطريق عليه عبر الإعلان أن "إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية عمل تقني ليست له أي أبعاد سياسية أو مفاعيل تتناقض مع السياسة الخارجية للبنان في علاقاته مع الدول".
التحدي الآخر أتى عبر البحر، إذ اخترقت زوارق إسرائيلية المياه اللبنانية وقوبلت برفض الوفد اللبناني الدخول الى مقر اليونيفيل في الناقورة إلا بعد انسحابها.
وكانت دوريات لقوات "اليونيفيل" البحرية وزوارق للجيش جابت الشاطىء من الناقورة حتى الحدود لجهة العلامات البحرية في رأس الناقورة تزامناً مع الحدث.
جولة هوكستين المكوكية
منذ الصباح الباكر، انطلق الوسيط الأميركي في جولة مكوكية، استهلها بلقاء مسؤولين لبنانيين قبل أن يحط رحاله عصراً في الناقورة ليغادرها متجهاً إلى اسرائيل.
وزار هوكستين أولاً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وسلّمه الرسالة الأميركية الرسمية لصيغة ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، في حضور السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا ونائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب ووزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب ومدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم إضافة إلى أعضاء الوفد المفاوض مع الجانب الأميركي.
وبعد توقيع الرئيس اللبناني ميشال عون رسمياً على الرسالة الأميركية، انتقل هوكستين إلى القصر الحكومي حيث التقى رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الذي قدّم له هدية تذكارية، قبل أن يتوجه إلى قصر عين التينة للقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
تصريحات محلية ودولية
تصريحات رسمية عدة أطلقت محلياً ودولياً، خلال النهار الطويل، إذ أعرب هوكستين من قصر بعبدا عن سعادته بالوصول إلى "هذا اليوم التاريخي في المنطقة.. وإلى اتفاق يخلق الأمل والفرص الاقتصادية والاستقرار لجانبي الحدود".
ومن الولايات المتحدة، هنأ الرئيس الأميركي جو بايدن لبنان وإسرائيل بإنجاز اتفاق الترسيم ورأى أنه "تاريخي يضمن مصالح الطرفين ويفتح المجال أمام منطقة أكثر استقراراً وازدهاراً".
أما نائب رئيس البرلمان اللبناني الياس بو صعب المكلّف ملف الحدود البحرية فأعلن عقب حضوره لقاء هوكستين وعون، أن رئيس الجمهورية وقّع على "رسالة تقول إن لبنان استلم الرسالة الأميركية ووافق على مضمونها"، مضيفاً أن الوفد اللبناني سيسلم الرسالة إلى الوسيط الأميركي لاحقاً في الناقورة، على أن تكون هناك رسالة أخرى موقعة من وزارة الخارجية في لبنان، ستوجّه إلى الأمم المتحدة" وتتضمن نسختين عن الرسائل المتبادلة بين لبنان والولايات المتحدة.
لبنان الرسمي يرى في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل فرصة ثمينة تنقل البلد إلى مصاف الدول النفطية وتنقذه من أزمة إقتصادية فتكت به منذ العام 2019، فيما اعتبرتها جهات داخلية مجحفة بحق لبنان لكونها حرمته من جزء كبير من ثروته النفطية.