في مشهد مشابه لأجواء الضفة الغربية المحتلّة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، تتسارع التطوّرات وتزداد حدّة الإشتباكات، لا سيما في مدينة جنين ومخيمها، وسط تضاعف عمليات إطلاق النار في الريف.
فبعد قتل فلسطيني في إسرائيل لأنه طعن شرطيا إسرائيليّاً في مدينة عسقلان الساحلية الواقعة في جنوب الدولة العبرية، تجددت المواجهات صباح الثلاثاء في شمال الضفة بين القوات الإسرائيلية وسكان فلسطينيين في جنين.
وقالت الشرطة الإسرائيلية في رسالة "خلال عملية في عسقلان، تعرّف شرطيّ على مشتبه فيه وبدأ يتحقق من هويّته، لكن الرجل أخرج سكينًا وهاجم الشرطي الذي ردّ بسرعة فاتحا النار عليه"، موضحة أن "المهاجم من سكان مدينة الخليل في جنوب الضفة الغربية".
وتأتي هذه العمليات في شمال الضفة الغربية بعد 4 هجمات نفذها فلسطينيون وعرب إسرائيليون ضد أهداف إسرائيلية منذ شهر مارس/ آذار.
وتعليقاً على المشهد المستجد، أكد الكاتب والباحث الفلسطيني صقر أبو فخر، في حديث لـ"جسور"، أن "ما يحصل اليوم في فلسطين ليس جديداً، فمن المعروف أن الضفة الغربية أنجزت إنتفاضة 1987 التي تسمّى بإنتفاضة الحجارة، كما أنجزت انتفاضة الـ2000 المسلّحة التي دُفعت فيها أثمان غالية، والإنتفاضات الفلسطينية، سواء اتخذت شكلاً جماعيّاً، أو إفراديّاً كما يحصل في هذه الأيام، إلّا أنها مسألة منطقية، والمسؤول عنها ليس اليأس الفلسطيني كما يدعي البعض، إنما الاحتلال الإسرائيلي".
دولة مستقلة
وقال أبو فخر، "بطبيعة الحال هناك إحساس لدى الفلسطينيين في الداخل أن القضية الفلسطينية مهملة في هذه الأيام وتمّ تهميشها، خصوصا بعد الحرب الروسية - الأوكرانية، والوعود الأميركية تبخرت ولم تنفذ بالكامل، وتحديداً موضوع العودة إلى المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية برعاية دولية، وبالتالي الهجمات المتكررة التي ينفذها الفلسطينيون دوافعها واضحة".
ولفت إلى أنه "بالنسبة للفلسطينيين، هناك معركة إثبات وجود، كما انه لا يمكن لإسرائيل أن تنعم بالأمان إن لم ينعم الشعب الفلسطيني به، وذلك لن يحصل قبل إعطائه دولة مستقلة عاصمتها القدس، وطبعا هذا المطلب لا زال بعيد المنال، أما بالنسبة للإسرائيليين، فهم يراهنون على قدرتهم في قمع الشعب الفلسطيني وردعه، لكن في نهاية المطاف الهجمات الفلسطينية ستتكرر ولن تتوقف".
وتابع: "من جهة أخرى هناك أمر مثير للجدل، فعدد كبير من الإسرائيليين باتوا يقولون انه لا بد من التجاوب مع المطالب الفلسطينية، وإلّا فلن تتوقف الهجمات وستستمر بإيقاع قتلى إسرائيليين هنا وهناك، خصوصا من المستوطنين، والحل الوحيد هو الذهاب إلى مفاوضات والتجاوب بالحد الأدنى مع المطالب الفلسطينية، لكن برأيي هذا الأمر لن يصبح رأياً مجمعاً عليه في الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، لأن الأولوية لدى الحكومة الإسرائيلية الحالية أو حتى تلك التي ستعقبها، هو المشروع النووي الإيراني، حيثُ ستحاول منع إيران من الوصول إلى نقطة تتمكن فيها من تهديد أمنها، إضافة إلى التطبيع مع العالم العربي".
ختاماً، اختصر أبو فخر ما يحصل بالقول إن "الإسرائيليين يراهنون على قمع الفلسطينيين وحصارهم والإنتقام منهم من جانب، بينما يراهن الفلسطينيون على تصعيد العمليات العسكرية لإجبار إسرائيل على أخذ مطالبهم بعين الاعتبار من جانب آخر".
هجمات فلسطينية
ونفذ فلسطينيون وعرب إسرائيليون 4 هجمات ضد أهداف إسرائيلية منذ 22 مارس/ آذار.
وقام بتنفيذ أول هجومين عرب إسرائيليون مرتبطون بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وآخر هجومين فلسطينيون من جنين.
وأدت هذه الهجمات إلى مقتل 14 شخصا في مناطق متفرقة داخل الدولة العبرية.
وفي الفترة عينها، قتل 15 فلسطينيا في حوادث منفصلة بمن فيهم عدد من منفذي هجمات.
وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت مساء الإثنين في شارع ديزنغوف، في وسط تل أبيب حيث نفذ فلسطيني من مخيم جنين هجوما قبل أربعة أيام قتل فيه ثلاثة إسرائيليين "لن ندع عدونا يضع حدا لحياتنا".
وقال بينيت "سنواصل عيش حياتنا وفي نفس الوقت سنقاتل حيث هم".
من جهته، قال المتحدث بإسم الامين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن أنطونيو غوتيريش "يتابع بقلق بالغ تصاعد العنف". وأضاف أن "الأمين العام يشعر بالفزع من العدد الكبير والمتزايد للضحايا"، ويدعو الجيش الإسرائيلي إلى "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس واستخدام القوة المميتة فقط كملاذ أخير".
تأجيج التصعيد
وقتلت قوات الأمن الاسرائيلية الأحد فلسطينية طعنت شرطيا وسط مدينة الخليل حيث يعيش نحو ألف مستوطن يهودي تحت حماية عسكرية مشددة بين 200 ألف فلسطيني.
وقالت الشرطة في بيان مقتضب إن فلسطينية "قصدت نقطة تفتيش لشرطة الحدود حيث طعنت شرطيا أصيب بجروح طفيفة".
وفي اليوم نفسه، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية مقتل امرأة فلسطينية أخرى هي أرملة وأم لستة أطفال، برصاص قوات إسرائيلية، في حوسان قرب بيت لحم جنوب الضفة الغربية المحتلة.
وأكد الجيش الإسرائيلي انه أطلق النار على "مشتبه بها" لكن في نهاية المطاف لم يكن بحوزة المرأة أي سكين.
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، في كلمة في بداية اجتماع الحكومة الاثنين، إن "عدوان إسرائيل على شعبنا من جنين الى الخليل وفي القدس خاصة، واقتحامات الأقصى المتكررة، واعتداءات المستوطنين ودعوات المسؤولين الإسرائيليين جمهورهم للتسلح، تأجيج للتصعيد ودعوة للقتل".
وأضاف أن إسرائيل تمارس سياسة "أطلق النار لتقتل"، مشيرا إلى أن "هذه السياسة وما يرافقها من تكثيف للاستيطان واستكمال بناء الجدار" تستخدم أساسا للحملات الانتخابية.
وختم قائلاً: "هذا الأمر وما يرافقه من انسداد في الأفق السياسي وغضب الفلسطينيين من ازدواجية المعايير الدولية إنما نذير جدي بأن الأمور إلى تصعيد، وعليه مطلوب من المجتمع الدولي لجم العدوان الإسرائيلي ووقف سياسة القتل".