مع بدء العد العكسي للانتخابات النيابية اللبنانية المخصّصة للمغتربين في دول الانتشار لا تزال الفضائح في عملية توزيع أصوات الناخبين تتوالى وتنتقل من بلد إلى آخر، رغم جهود بعض الأطراف اللبنانية لكشفها أمام الرأي العام والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن الخلل المتعمد، وفقًا لها، لما يشكله الاقتراع الاغترابي من خطر على السلطة الحاكمة، في تغيير نتائح الانتخابات لصالح منافسيها وبعد عجزها عن تطيير الاستحقاق في الخارج سابقًا.
تشير معظم المعلومات إلى أن التلاعب في تسجيل الأسماء يتم حيث الجالية اللبنانية التي تصب أصواتها ضد السلطة.
فرنسا تاليًا
فبعد أستراليا وأميركا، ارتفعت الأصوات المنددة بعملية توزيع الناخبين، وكان حزب القوات اللبنانية اتهم وزارة الخارجية ومن ورائها التيار الوطني الحر في عملية تشتيت أصوات المغتربين عبر فصل أفراد العائلة الواحدة في مراكز اقتراع تبعد ساعات عن بعضها، ليأتي رد التيار على الاتهامات بتحميل المسؤولية لماكينات القوات اللبنانية الحزبية.
إنما ومن الولايات المتحدة، أطلق راعي أبرشية لوس أنجلس، وهو مرجعية دينية، التحذير ذاته وطالب وزارة الخارجية اللبنانية عبر رسالة وجهها إليها بتصحيح الخلل في توزيع أصوات الأسرة الواحدة.
وكشفت فضيحة فرنسا أخيرًا عن فصل زوجين يقطنان في باريس سجلا اسميهما دون اللجوء إلى مساعدة أي حزب، لعدم انتمائهما لأي من الأحزاب اللبنانية، حيث وجد الزوج اسمه في مركز قريب من المنزل أما الزوجة فاكتشفت أنه يتوجّب عليها السفر لأكثر من سبع ساعات للإدلاء بصوتها في مركز يقع على الحدود السويسرية.
كذلك تواصلت "جسور" مع عائلة لبنانية تقيم في مدينة نانت الفرنسية ومحسوبة على حزب القوات اللبنانية، وفضلت عدم ذكر اسمها، حيث أكدت أن ثلاثة من أفرادها جاءت أسماؤهم في مركز يبعد ساعة ونصف عن مكان إقامتهم في حين أن الوالدة عليها الاقتراع في باريس التي تبعد ثلاث ساعات عن نانت. أما اللافت في الموضوع، بحسب العائلة "أن وزارة الخارجية عمدت إلى تسجيل جارتنا المحسوبة على التيار الوطني الحر في مركز يبعد 40 دقيقة فقط عن منزلها".
أيام معدودة تفصلنا إذًا عن انتخابات المغتربين المقرر إجراؤها في السادس والثامن من شهر أيار/مايو المقبل وفي هذا الصدد تواصلت "جسور" مع المسؤول الإعلامي في حزب القوات اللبنانية الصحافي شارل جبور الذي أكد أن "التحضيرات في ما خص اقتراع المغتربين وصلت إلى مرحلة متقدمة جدًا" معلنًا عن "حالة تعبئة استثنائية وغير مسبوقة" في دول الاغتراب "تعبئة أكثر بمرتين أو ثلات مرات عن انتخابات 2018" حين جرت انتخابات المغتربين لأول مرة.
ثلاثة أسباب أساسية وراء رفع مستوى التعبئة يقول جبور "السبب الأول، الانهيار الذي يعاني منه لبنان وما لمسه الاغتراب من أهمية لدوره في تشكيل رافعة للبلد خشية على الهوية والكيان اللذان باتا في خطر".
السبب الثاني يتابع جبور جاء "نتيجة ثورة 17 تشرين وما تركته من شعور لدى المواطنين من أن التغيير يمكن أن يحدث في حال وجود إرادة لذلك لأن المغترب لمس إمكانية إحداث فرق تصويته حيث أنه شكل عامل تأثير إضافي في المشهد السايسي اللبناني عام 2018 وبالتالي انطلاقاً من دوره بال2018 وجد أن دوره سيكون أفعل هذه السنة".
أما السبب الثالث وراء هذه التعبئة الاستثنائية، بحسب جبور، يعود إلى "المؤامرة التي حيكت ضد المغترب اللبناني من أجل سلبه حق التصويت، بدءًا من الدائرة 16 بهدف فصل المغترب اللبناني عن واقعه السياسي في لبنان وبيئته وأهله ونوابه ولم تنته فصولاً من خلال تغيير مراكز الاقتراع والتلاعب في لوائح الشطب ما دفع الناخب المغترب إلى قلب الطاولة على من عبثوا به وبحقّه في التعبير وبالتالي حاولوا ضرب الحرية والديمقراطية في لبنان".
وعن ذهاب القوات اللبنانية باتجاه التعبئة، يوضح جبور " لم يكن الأمر لاعتبارات قواتية بل انطلاقًا من حرصها على الصوت الاغترابي" وتابع قائلاً، "لقد عملت القوات على عدة محاور، الأول من خلال السفارات والمواقع الدبلوماسية ووضعت السفراء في صورة الانقلاب على الديمقراطية، ثانيًا من خلال هيئة الاشراف والشكوى، ثالثًا من خلال مجلس النواب وحجب الثقة عن وزير الخارجية ورابعًا من خلال تعبئة الجسم الاغترابي ضد المؤامرة الخبيثة".
وأكد جبور أن الجهوزية أصبحت عالية، فيما ارتفعت وتيرة إصرار الناخبين على الاقتراع وذلك "رغم عدم معالجة الخلل من قبل وزارة الخارجبة لاعتبارات سياسية كون تصويت المغتربين يصب ضد الفريق الحاكم."
وفي وقت تعاني الدول حيث أعداد الجالية اللبنانية كبيرة، أشارت المهندسة وداد مشلوط أوجاك من الجالية اللبنانية في تركيا أن الاقتراع يتم للمرة الأولى داخل تركيا "حاولنا كثيرًا عام 2018 لفتح قلم اقتراع إلا أن عدد المسجلين من الجالية اللبنانية لم يتجاوز ال200 وهو العدد المطلوب".
أما هذه السنة تتابع مشلوط "900 ناخب سجلوا أسماءهم، 600 منهم في اسطنبول حيث تتواجد معظم الجالية اللبنانية و300 في باقي المدن التركية ومنها أنقرة حيث تسجل حوالي 60 ناخبًا فقط، بالتالي لم يفتح سوى صندوق واحد في اسطنبول".
ولفتت إلى أن القنصلية اللبنانية في تركيا "تحث الناخبين على الاقتراع عبر تأكيد أهمية الاستحقاق وترشدهم على طريقة الاقتراع ".
وذكرت مشلوط أن المزاج الاغترابي تغيّر منذ التسجيل حتى اليوم "التعبئة دفعت عددًا كبيرًا من الناخبين إلى الندم لعدم تسجيل أسمائهم الكترونيًا، في حين أنه يتعذّر عليهم الذهاب إلى لبنان للإدلاء بأصواتهم بسبب ارتفاع تذكرة السفر".
وتحدثت عن عقبة كبيرة تواجه المقيمين في أنقرة اذ يصادف يوم الاقتراع مع العودة من عطلة عيد الفطر وهو ما يصعّب على الناخبين في أنقرة مسألة حجز تذكرة إلى اسطنبول".
أما المواطن اللبناني محمد المقيم في أنقرة فأكد لـ"جسور" إصراره على الاقتراع قائلاً، "أنا مستعد للذهاب مهما ابتعدت المسافات وتعقدت سبل الانتقال، فواجبي يحتّم علي التصويت ضد المنظومة الحاكمة لأجل التغيير في لبنان".