بعد تعثر خمس جولات من المفاوضات بين لبنان وإسرائيل بشأن ترسيم الحدود، وبعد رسالة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى بيروت، الذي أعلن فيها أن "إسرائيل لا تنتظر لبنان وبدأت التنقيب في حقل كاريش"، عاد الحديث عن عودة الوساطة الأميركية بين الجانبين. وللعب دور الوسيط، عيّن الرئيس الأميركي جو بايدن، آموس هوشستين، وهو كبير مستشاري البيت الأبيض لأمن الطاقة، ومن أصول يهودية، وهو امر اثار حفيظة بعض اللبنانيين.
العميد اللبناني المتقاعد أمين حطيط يعتبر ، في حديث لـ"جسور"، أن "المفاوضات بين لبنان وإسرائيل توقفت، بسبب رصد الإسرائيليين والأميركيين للطرح اللبناني المتمسّك بالخط 29، وتمسّكهم بالأخطاء اللبنانية المرتكبة سابقاً سواء بالخط 1 أو بالخط 23".
واضاف حطيط: "هناك مسعى أميركيّ ربما للضغط على لبنان لحمله على التنازل عن مطالبه والعودة إلى خط السفير الأميركي السابِق فريدريك هوف، وهذا الأمر بغاية الخطورة وقد يؤدي إلى حصول مشاكل داخلية في لبنان".
في سياق آخر، اعتبر حطيط أن "أميركا فاجأت الجميع بتغيير رئيس وفدها لرعاية المفاوضات، وبتعيين آموس هوشستين، وهو سفير إسرائيلي يحمل الجنسية الأميركية ليتولّى هذه المهمة. بمعنى آخر، أميركا قالت للبنان: عليك أن تفاوض إسرائيل برعاية إسرائيلية... خصوصا أن هذا الشخص هو ضابط إحتياط في الجيش الإسرائيلي وخدم في لبنان بين عامي 1992 و1995 مع إسرائيل التي تجمعه علاقات وثيقة بها".
وتابع: "صحيح أنه يحمل الجنسية الأميركية، ولكنه إسرائيلي ومولود في تل أبيب، وكل هذه الأمور تجعل جو الإنطلاق بالمفاوضات ضبابيّاً بنسبة كبيرة، وبالتالي يهدد فكرة تحصيل لبنان لحقوقه، خصوصا في ظل تشرذم الموقف اللبناني".
ولفت حطيط إلى أن "جنسيته ليست كل المشكلة في الموضوع، لكن موقفه من الترسيم هو مشكلة أساسية أيضاً، إذ أن لديه نظرية مختلفة حول الإستثمار، ويقول: لا تبحثوا عن الخطوط، فهي لا تعطي نتيجة، بل إبحثوا عن الحقول فنحن نسعى لإستثمارها".
وكشف أن "لبنان لن يوافق في ظروفه الحالية على التطبيع الاقتصادي من بابه الواسع مع إسرائيل، وإسرائيل لا ترى حاجة لتقوم بمفاوضات أو تقدم تنازلات في ظل اضطراب الموقف اللبناني"، مؤكداً أن هناك قسماً من اللبنانيين يلهث وراء التطبيع".
المسؤولون اللبنانيون يعرفون هوشستين جيّداً!
من جهته، رفض العميد اللبناني المتقاعد خليل الحلو هذا الحديث الذي وصفه بـ"السطحي"، باعتبار أن هوشستين هو يهودي وُلد في إسرائيل، لكن جنسيّته أميركية ووكّلته الإدارة الأميركية بهذا الملف، وسينفّذ سياسة دولته وما يمليه عليه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي والده هو أيضاً يهودي، لكنه لا يعمل خارج قرارات الإدارة الأميركية".
وأشار، في حديث لـ"جسور"، إلى أن "اللبنانيين يعرفون هوشستين جيّداً، هو الذي أتى عشرات المرات إلى لبنان، وقابل عشرات المسؤولين وتمّ إستقباله من الباب العريض"، لافتاً إلى أنه "سبق والتقى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وقائد الجيش السابق جان قهوجي، ورئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة ورئيس مجلس النواب نبيه بري"، مؤكداً أن "الأميركيين اليهود الذين يتعاطون بالشأن اللبناني هم كُثُر".
على صعيد آخر، لم يرَ الحلو "تطوّراً كبيراً في ملف ترسيم الحدود، غير إحتمال عودة الوساطة الأميركية بين لبنان وإسرائيل"، مشيراً إلى أن "ذلك لا يعني ضرورة عودة المفاوضات بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، فالهدف من هذه الوساطة هو التهدئة، ومحاولة إقناع إسرائيل بالتفاوض على أساس الخرائط الجديدة التي قدمها لبنان، لكن هذا الأمر مستبعد لأسباب تقنية وقانونية، وكل هذا التأخير لا يصبّ في مصلحة لبنان".
وقال الحلو: "بدأنا العمل على مشروع ترسيم الحدود منذ عام 2006، وعندما طُلب من قبرص التفاوض مع إسرائيل باعتبارها دولة عدوّة لا يمكن الحديث معها، قرر القبرصيون الاتفاق مع الإسرائيليين مباشرة، الذين رسموا خريطة أخرى بحدود مختلفة. والمنطقة المتنازع عليها في حينه كانت مساحتها حوالي 850 كم2، ولكن بعد مفاوضات طويلة، اقترح السفير الأميركي السابِق، الذي كان يلعب دور الوساطة، فريدريك هوف، على لبنان وإسرائيل، أن يستلم الأول ثلثي المنطقة وأن يبقى الثلث الأخير من دون أن يُنقّب لبنان فيه، لكنه يبقى تحت سيادته. وكادت المفاوضات أن تثمر، خصوصا بعد موافقة الرئيس برّي الذي كان معارضاً في بادئ الأمر، لكن ما حصل هو أن اللجنة الجديدة العسكرية المدنية اللبنانية، وخلال مفاوضات الناقورة، اعتمدت طريقة أخرى لترسيم الحدود ليتبيّن أن لبنان يحق له بمساحة أكبر، الأمر الذي فاجأ الجانبين الأميركي والإسرائيلي لأن الدولة اللبنانية لم تتحدث عن ذلك مسبقاً، وكل ما حصل أدّى إلى توقف المفاوضات".