على وقع الإضطرابات الإقتصادية والسياسية العالمية، تشهد إيران أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة نتيجة العقوبات الأميركية التي عكست تراجعا ملحوظا في سعر صرف العملة وزيادة في التضخم، وقدّر البنك الدولي معدل التضخم في طهران بنحو 43 بالمئة عام 2021، إضافة إلى ارتفاع الأسعار بشكل مخيف، الأمر الذي أثّر سلبا على حياة الإيرانيين اليومية وبالتالي أدى إلى ارتفاع في معدلات الفقر والبطالة في البلاد.
وبحسب ما ذكرته نقابة عمال البناء الإيرانية، فإن الأسعار في البلاد ارتفعت من 5 إلى 10 أضعاف منذ 2018، مما أدى إلى إفقار عشرات الملايين واتساع فجوات الدخل، ومثالا على ذلك أعلن الرئيس الوطني لنقابات عمال البناء، أكبر شوكت، أن التضخم التراكمي في صناعة البناء بلغ 700 في المئة، بينما ارتفعت أجور العمال بمقدار الضعف".
وأضاف أنه "في حين أن كل متر مربع من تشييد المباني كان يكلف 10 ملايين ريال قبل 3 سنوات، فإن التكلفة الآن تتراوح بين 70 و80 مليونا".
الأمر نفسه ينطبق على عمال المواد الغذائية حيث كان شراء كيلو اللحوم الحمراء يكلّف 250000 ريال عام 2018 بينما وصل سعره الآن إلى 1.6 مليون ريال".
ويقول خبراء اقتصاد، إن هذه الأمثلة تُظهر بوضوح تأثير عقوبات "الضغط الأقصى" التي فرضتها الولايات المتحدة بعد انسحاب الرئيس الأميركي الأسبق، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي الإيراني في مايو/ أيار 2018.
إقتصاد هشّ!
وتعليقا على موجعة الغلاء الفاحش في إيران وما آلت إليه الأوضاع الإقتصادية، أوضح المستشار في المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية، الدكتور الناصر دريد، في حديث لـ"جسور"، أنّ الإقتصاد الإيراني يعتبر من الإقتصادات الهشّة، لأنه من مجموعة الإقتصادات الريعية، مبينا أنه على الرغم من امتلاك طهران إقتصادا متنوعا إلى حد ما وبشكل كبير أفضل بأشواط من العراق أو دول الخليج الأخرى نظرا لموقعها الجغرافي والسكاني والجيوبوليتيكي، فإن الإتجاه السياسي للبلاد أثّر على انغلاق الأسواق العالمية بوجه الإقتصاد الإيراني الذي كان من المتوقع أن يكون من الإقتصادات الرائدة في المنطقة وفي العالم.
وفي السياق، شرح دريد، أنه بسبب الإتجاهات السياسية وانغلاق الأسواق العالمية أمام البضائع الإيرانية تركّزت مع مرور الزمن فكرة تصدير النفط والإعتماد عليه كمنتج وحيد لمعالجة الإحتياجات الإقتصادية في طهران وبالتالي تَحوّل الإقتصاد الإيراني إلى ريعي ما أثّر سلبا على الحياة المعيشية.
وحاليا، يقول دريد إنّ الأزمة الروسية - الأوكرانية التي أرخت بثقلها على اقتصادات العالم انعكست على شكل غلاء واسع في مجمل السلع العالمية، ونظرا للعقوبات الإقتصادية المؤلمة على إيران إرتفعت فيها الأسعار بشكل مخيف.
تضخم خطير
وفي الوقت الذي انعكست فيه العقوبات الأميركية على العملة الإيرانية في عام 2018، استغرق الأمر شهورًا حتى يرتفع التضخم السنوي إلى أكثر من 30 ثم 40 في المائة. وانخفضت العملة، الريال، من 33 ألف ريال للدولار إلى أدنى مستوى لها حاليًا عند 260 ألفًا، أو ما يقرب من 8 أضعاف.
ويستند الادعاء هنا بحسب دريد الى أن أصحاب رؤوس الأموال يزدادون ثراءً إلى حقيقة أن أصحاب الأعمال يرفعون الأسعار مع انخفاض قيمة العملة الإيرانية، ويحافظون على هامش دخل أعلى من أصحاب الأجور الذين تتغير رواتبهم مرة واحدة سنويًا بقرار حكومي بشأن الحد الأدنى للأجور.
ومع أحدث زيادة في الحد الأدنى للأجور، سيأخذ العامل العادي إلى المنزل حوالي 200 دولار شهريًا، بينما تقول مجموعات العمل إن الحد الأدنى المطلوب لأسرة مكونة من 3.3 أفراد هو 450 دولارًا في الشهر.
ويتمتع الأشخاص الذين يمتلكون عقارات أو أعمالًا تجارية مربحة أو عملات أجنبية بالحصانة بشكل عام من مخاطر انخفاض العملة والتضخم، لأن قيمة رأس مالهم تظل في الغالب كما هي.
وفي هذا السياق، يؤكد دريد لـ"جسور" أنه من دون رفع العقوبات الأميركية، لا يمكن للاقتصاد أن يتحسن، خصوصا أن الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في كثير من الحالات، عيّن مديرين كبارا ليسوا خبراء في مجالاتهم.
ازدياد الفقر
وحذر العضو في الغرفة التجارية الإيرانية، خسرو فروغان كران سايه، من زيادة الفقر المدقع في إيران، وقال: "بالطريقة التي يتم العمل بها، لن يتم القضاء على الفقر المدقع مطلقا بل إنه سيزداد"، وذلك خلافا لما أمر به الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي قال في وقت سابق: "لا ينبغي أن يكون هناك المزيد من الفقر المدقع".
وأوضح أن القرارات الاقتصادية والسياسات التضخمية وسعر الصرف كلها أسباب تسبب في ارتفاع معدل الفقر، مبينا أنه في العام الشمسي الجديد (بدأ في 21 مارس/آذار)، "ستواجه الفئات ذات الدخل المنخفض المزيد من المشاكل وسترتفع الأسعار بشكل حاد".
وشهدت إيران منذ أشهر تظاهر الآلاف من المعلمين ضد التطبيق البطيء لإصلاح رواتبهم، الأمر الذي يربك النظام الإيراني المحاصر بأزمة اقتصادية خانقة لا يمكن تجاوزها في المستقبل المنظور.
وعمّت التظاهرات في أكثر من 100 مدينة إيرانية، خلال الأشهر الفائتة، وأطلق المتظاهرون هتافات مثل "إذا تراجع الاختلاس تُحل مشكلاتنا" و "لم نسمع سوى الوعود، لم نر عدالة".