بعدما كثرت فصول التظاهرات الساعية الى عودة الحكم المدني وإنهاء الانقلاب العسكري في السودان، دقت ساعة الصفر واليوم المنتظر جاء ووقع الجيش السوداني "الاتفاق السياسي الإطاري" مع تحالف الحرية والتغيير، أكبر كتلة مدنية معارضة في البلاد، بغية خوض غمار مرحلة انتقالية سياسية يقودها مدنيون لمدة عامين وتنتهي بإجراء انتخابات، وذلك بعدما غرق السودان في بحر الأزمات السياسية والاقتصادية منذ الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 من أكتوبر /تشرين الأول عام 2021 .
ويتضمن الاتفاق 27 بندا أبرزها تسليم السلطة الانتقالية إلى سلطة مدنية كاملة تتكون من ثلاثة مستويات من دون مشاركة القوات النظامية التي منحت تمثيلا في مجلس للأمن والدفاع يرأسه رئيس الوزراء المدني. كما نص على النأي بالجيش عن السياسة وعن ممارسة الانشطة الاقتصادية والتجارية الاستثمارية، ودمج قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة في الجيش.
ومن بين بنود الاتفاق، إصلاح الأجهزة العدلية بما يحقق استقلاليتها ونزاهتها، وإطلاق عملية شاملة تحقق العدالة وتضمن عدم الإفلات من العقاب، إضافة الى إصلاح جهازي الشرطة والمخابرات ووضعهما تحت رئاسة رئيس مجلس الوزراء، وحصر مهام جهاز المخابرات على جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات المختصة وتجريده من سلطة الاعتقال أو الاحتجاز.
مرحلة انتقالية
والاتفاق هو الشق الأول من عملية سياسية على مرحلتين ترتكز على مسودة الدستور التي أعدتها نقابة المحامين السودانيين. أما الشق الثاني من الاتفاق ويشمل قضايا عدة من بينها العدالة الانتقالية واصلاح الجيش فينتظر ان يتم الانتهاء منه "في غضون أسابيع.
وفي السياق، أشار الصحفي والمحلل السياسي السوداني خالد الفكي في حديث لـ"جسور" أن "الاتفاق يُعّد خطوة مهمة في مرحلة استكمال ما تبقى من الفترة الانتقالية، وبادرة لانهاء الأزمة السياسية في البلاد. وهو يعيد الحكم المدني للدولة السودانية بمفاهيم جديدة بغية ابعاد الحكم العسكري عن نظام البلاد، ناهيك عن أن الاتفاق صُمِمَ على استيعاب أكبر قدرٍ من القوى السياسية لتشارك في تأسيس المرحلة المقبلة، وبالتالي يضع أسسا جديدة للعلاقة بين القوى المدنية والعسكرية، ساعيا للوصول الى دولة مدنية متجانسة مع مبادئ القانون الدولي".
الاعتراض على الاتفاق
ودعا الناشطون المنادون بالديمقراطية ويرفضون "أي تفاوض وأي شراكة" مع الجيش الى تظاهرات، احتجاجا على الاتفاق.
واعترض على الاتفاق كذلك قادة حركات التمرد السابقون الذين وقعوا عام 2020 اتفاقا مع الجيش ودعموه عقب انقلاب العام الماضي.
وفي السياق، لفت الفكي الى أن "هدف هؤلاء يكمن في اسقاط "الاتفاق السياسي الإطاري"، ولكن من المفترض الانصياع اليه لأن البلاد لا تملك ترف الوقت وتعاني من أزمات شتى وبالتالي للنهوض بالسودان مجددا ينبغي توحيد القوى كافة بهدف التغلب على صعوبات المرحلة المقبلة."
هذا وقال ممثل الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرذيس إن توقيع الاتفاق هو "نتاج جهود متواصلة قامت بها الأطراف السودانية على مدى العام المنقضي لايجاد حل للأزمة السياسية والعودة الى النظام الدستوري".
اطلاق المعتقلين
وأطلقت السلطات قيادات في "لجنة تصفية نظام البشير" ومعتقلين سياسيين آخرين، تزامنا مع التوقيع على الاتفاق الإطاري، وذلك لتهيئة الأجواء للمرحلة السياسية المقبلة.
ومن أبرز المعتقلين الذين أطلقوا مقرر اللجنة والقيادي في تحالف الحرية والتغيير وجدي صالح، وعضوا اللجنة عبد الله سليمان وأحمد مضوي.
وهنا اعتبر الفكي أن "اطلاق سياسيين يسعى الى تلطيف الأجواء بين الجيش والقوى المدنية من أجل الوضع البلاد على سكة الخلاص"، متوقعا أن "تكون هناك قرارات جديدة
تصب في خانة تصحيح مسار العلاقات بين الأطراف كافة في البلاد بغية حلحلة الأزمة السياسية الراهنة وإعادة السودان الى مكانته على الصعيد الدولي."
اتفاق تاريخي
وأقيمت مراسم التوقيع في القصر الرئاسي في الخرطوم بحضور الأطراف من قادة الجيش والمدنيين للتوقيع رسمياً على الاتفاق، وتضم منصة الاحتفال رئيس مجلس السيادة قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو حميدتي وبقية المكون العسكري في مجلس السيادة، بجانب قادة الأحزاب في تحالف الحرية والتغيير.
وشاركت أيضاً في التوقيع أحزابٌ سياسية أخرى لكنَّها اتخذت موقفا داعما لعملية الانتقال المدني الديمقراطي في البلاد.
كما شاركت في مراسم التوقيع أيضاً "الآلية الثلاثية" الدولية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة "إيقاد"، بجانب "الآلية الرباعية" التي تضم السعودية والولايات المتحدة ودولة الإمارات وبريطانيا، بالإضافة إلى ممثلين عن دول الاتحاد الأوروبي والبعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى الخرطوم