البيان اليتيم الذي خرج به وزير الخارجية اللبنانية في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بو حبيب عقب لقائه الرئيس المكلف تشكيل الحكومة في لبنان نجيب ميقاتي، كسر الصمت الرسمي إزاء إطلاق حزب الله ثلاث مسيرات غير مسلحة باتجاه المنطقة البحرية المتنازع عليها عند "حقل كاريش". ارتدادات الموقف الحكومي في الشارع اللبناني تباينت، وأظهرت جلياً عدم ارتقائه لمستوى تطلعات شريحة كبيرة من اللبنانيين، أضف إلى ما حصده من أصداء سلبية لدى حزب الله رغم التزام قيادته عدم الرد المباشر عليه.
واعتبرت الحكومة اللبنانية الإثنين في بيان تلاه بو حبيب بعد لقائه ميقاتي، أن إطلاق حزب الله طائرات مسيّرة باتجاه حقل كاريش النفطي، جرى خارج مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي معلنة رفضها لأي عمل يعرض لبنان لمخاطر، فيما حمّل وزير الخارجية، في معرض تصريحه أمام وسائل الإعلام الجانب الأسرائيلي جزءاً من المسؤولية، نتيجة استفزازات تقوم بها طائراته إن عبر تحليقها فوق لبنان أو من خلال تنفيذها ضربات عسكرية في سوريا.
ومنذ استئناف المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية مطلع العام الحالي، بوساطة أميركية، نأى حزب الله بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله بنفسه عن التدخل في مسارها، معلناً وقوفه خلف قرار الدولة اللبنانية، إلا أن التطور الأخير على الحدود البحرية وفوق حقل كاريش حيث ترسو سفينتان لانتاج الغاز استقدمتهما إسرائيل في شهر يونيو/حزيران الماضي، نسف وعوده السابقة وأظهر هشاشة الموقف اللبناني الرسمي أمامه.
حفظ ماء الوجه
إرسال المسيرات الثلاث لم يكن تفصيلاً عابراً في ملف الترسيم البحري في نظر الصحافي اللبناني أسعد بشارة، حيث رأى فيه "استفراداً لحزب الله في عملية التفاوض كمن يقول الأمر لي" وإذ اعتبر الموقف الأخير لرئاسة الحكومة والذي تلاه وزير الخارجية عبدالله بو حبيب من القصر الحكومي "بداية جيدة، لإنقاذ ماء الوجه" عاد وأوضح مباشرة أنه "غير كافٍ لأن ما حصل وضع كافة المسؤولين اللبنانيين في خانة المتفرج، من رئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة إلى الوزراء وصولاً إلى مجلس النواب".
وغمز بشارة من قناة الدور الإيراني الذي يرخي بظلاله على السياسة اللبنانية عبر حزب الله "إن مصلحة الدولة اللبنانية تقوم على التفاوض وفقاً للعرض الذي تقدمت به بعيداً من أجندات تبدأ في الناقورة ولا تنتهي في مفاوضات إيران وأميركا حول الملف النووي"، وأشار إلى أن "إيران تقول اليوم إنها أصبحت فوق المتوسط وبأن ورقة ترسيم الحدود البحرية اللبنانية باتت في يدها ولها وحدها يعود القرار في استخدامها إلى أقصى الدرجات وإن على حساب المصلحة اللبنانية".
في المقابل طالب بشارة رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي "بتثبيت قرار التفاوض في يد لبنان ولمصلحة لبنان كي لا يكون ما أعلنه وزير الخارجية اللبنانية من باب حفظ ماء الوجه فقط ورد الاعتبار لأن ذلك غير كافٍ".
لا أحد يجرؤ
من جهته، لم يستغرب المحلل السياسي والأستاذ في القانوني أمين بشير في اتصال مع "جسور" أن يلوذ حزب الله بالصمت رغم مهاجمة البيان الحكومي له "حزب الله يعلم أن أحداً لا يمكنه الوقوف في وجهه أو مساءلته بعد إطلاقه للمسيرات، لأن منظومة السلطة تسبح في فلكه ما يمنعها من إصدار أي قرار من شأنه أن يعكر الاستراتجية التي يتبعها أو الخط الذي يسير فيه".
من هنا جاء موقف وزير الخارجية المتناقض كما يوضح بشير معللاً السبب الأساسي لذلك "في بيانه لم ينكر بو حبيب أن دوره كدبلوماسي يحتم عليه إصدار بيانٍ جد دبلوماسي يدفعه لذلك أنه ماروني أي مرشح محتمل لرئاسة الجمهورية، بالتالي، يقدم أوراق اعتماده لحزب الله كونه يعلم أن الأخير يمسك بقرار انتخاب رئيس الجمهورية وفي الوقت عينه يرضي الأميركيين والمجتمع الدولي".
استياء شديد
في المقابل، وإن كان يفترض بالبيان الحكومي أن يستدعي رداً مباشراً من قبل حزب الله، إلا أن امتناعه عن ذلك لا يعني بتاتاً أنه غير منزعج مما حصل كما أكد المحلل السياسي فيصل عبد الساتر في اتصال مع "جسور" شارحاً أن "حزب الله منزعج للغاية مما أقدم عليه رئيس الحكومة ووزير الخارجية وعبّر عن استيائه الشديد من خلال مقدمة نشرة أخبار المنار التابعة له".
ويرى حزب الله، وفقاً لعبد الساتر أن ميقاتي وبو حبيب "رضخا للمطالب والشروط الأميركية وسارعا إلى تلبية رغبات السفيرة الأميركية المعتمدة في بيروت دوروثي شيا ما يوحي بارتهان الحكومة اللبنانية لها" كما يعتبر أنهما "لا يعيران أهمية لما يشكله حزب الله من ورقة قوة ضاغطة في المفاوضات حول الحدود البحرية".
ويربط عبد الساتر قرار حزب الله عدم إصدار أي بيان يدين فيه موقف الحكومة في رغبته بانتظار تبلور الصورة الرسمية أكثر "لم يصدر حتى الأن أي موقف مماثل عن باقي المسؤولين اللبنانيين ولا يبدو أنهم يعارضون" على أنه لم يستبعد قيام حزب الله بالرد في المستقبل.
وتمنى عبد الساتر لو أن للبنان موقفاً موحداً من "المقاومة التي دحرت إسرائيل بدل ارتهان البعض للخارج".
“فرنسا تساهم”
وفي موازاة هذه التطورات، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد لباريس إلى "تجنب أي عمل" من شأنه أن يهدد العملية الجارية بين لبنان واسرائيل بشأن قضية الغاز الشائكة.
وقال الرئيس الفرنسي للصحافيين في ساحة الإليزيه إلى جانب لبيد "أود أن أتحدث عن المفاوضات حول الحدود البحرية مع إسرائيل. للبلدين مصلحة في التوصل إلى اتفاق يسمح باستغلال الطاقة لصالح الشعبين".
وأضاف من دون مزيد من التفاصيل أن "فرنسا تساهم بالفعل في ذلك وهي مستعدة للمساهمة بالمزيد".