لا يزال التوتر بين بغداد وأنقرة على أشده في أعقاب اتهام العراق لتركيا قبل ايام بقصف منتجع سياحي ادى الى مقتل 9 مدنيين وجرح 23 آخرين. وجديد هذا التوتر تمثل ليل الثلاثاء - الأربعاء بهجوم بأربعة صواريخ استهدف محيط القنصلية التركية في مدينة الموصل في شمال العراق، حسبما أفاد مصدر أمني ونائب وكالة فرانس برس، مسفراً عن أضرار مادية في الحي من دون أن يوقع قتلى أو جرحى. فمن هي الجهات المستفيدة من التوتر بين بغداد وأنقرة وما الأهداف التي يراد تحقيقها؟
الكاتب والصحافي، أحمد الحمداني، يرى أنّ "التعديات المتكررة من قبل تركيا تجاه العراق لها تداعيات مباشرة على العلاقة بين البلدين"، كاشفا عن "إجراءات دبلوماسية ستتخذها الحكومة العراقية بإشراف الأمم المتحدة".
وفي اتصال مع "جسور"، دعا الحمداني "الجانب التركي إلى الإعتذار من المدنيين"، مؤكدا "على حق العراق في الرد دبلوماسيا وعسكريا"، وفيما بيّن أن سياسة بغداد واضحة في حفظ السلام بين دول المنطقة فضلا عن احترام حقوقها وعدم تجاوزها، رفض أن تكون أراضي العراق نقطة انطلاق للعداء تجاه أي دولة كانت.
وفي السياق، قال الحمداني إنّ "العلاقة ما بين الشعبين يشوبها القلق وهناك انزعاج واضح من قبل العراقيين تجاه ما وصل إليه هذا الملف مع تركيا التي تبقى جارة للعراق وتجمعها به مصالح مشتركة"، مسلطا الضوء على "ملفات مهمّة نجحت فيها الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، منها ملف العلاقات الدولية التي يولي لها الكاظمي أهمية كبرى.
من جهته، رأى رئيس مركز آسيا للدراسات الاستراتيجية، الدكتور قاسم بلشان التميمي في تصريح لـ"جسور"، أنّ "خطوات الجيش التركي الأخيرة تعبّر بشكل واضح وصريح عن الهمجية التركية ومدى التوغل والعدوان التركي تجاه دولة مجاورة لها"، مشددا على "ضرورة أنّ تكون هناك تحركات قوية وخطوات كبيرة وواضحة بخصوص الملف التركي والقصف ليعلم الجميع أن الدم العراقي غالٍ".
وحذّر التميمي، من استمرار السلوك العدواني للجيش التركي الذي قد يدفع الأمور الى ما لا يحمد عقباه، وسط حال من الغضب الشعبي العارم الذي يجتاح العراق من الجنوب الى الشمال في كردستان العراق".
خلط أوراق
وعن المستفيد من هذا التوتر والأهداف المرجوّة، يقول رئيس مركز الرفد للإعلام والدراسات الاستراتيجية، الدكتور عباس الجبوري، إن "ما يتعرض له العراق هو المشكلة وليس هناك من أهداف بقدر ما توجد اعتداءات متمثلة بـ 2700 خرق أمني حصل في العراق خلال الفترة الأخيرة، وتم رفع أكثر من 300 مذكّرة احتجاج إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن والجامعة العربية من قبل بغداد".
وأضاف الجبوري في حديثه لـ"جسور"، أنّ "القوات التركية قامت بتهجير أكثر من 13 قرية حدودية بعد أن أحرقت منازل وبساتين يملكها عدد لا بأس به من العراقيين، من أجل مطاردة حزب العمال الكردستاني الذي يتحمل مسؤولية ما يحصل فضلا عن الأعمال الفظيعة التي يرتكبها داخل الأراضي العراقية والتركية".
وفي الإطار، لفت رئيس مركز الرفد للإعلام والدراسات الاستراتيجية، إلى أنّ "العراق لا زال يستخدم طرق الدبلوماسية، وعلى تركيا أن تحترم حقوق الدول المجاورة وتعطي العراق حقوقه المائية"، مؤكدا أن المستفيد من هذا التوتر هو حزب العمال الكردستاني لأنه حزب إرهابي يحاول خلط الأوراق عبر خلقه المشاكل".
رأي آخر عبّر عنه الكاتب والمحلل السياسي، علي البيدر، في اتصال مع "جسور"، قائلا: "هناك دور إيراني واضح في هذه المسألة عبر محاولة شيطنة تركيا وخفض نفوذها في بغداد، وهذه الخطوة قد توفّر لإيران الهيمنة على السوق العراقية وعلى الدور السياسي في البلاد"، وكل هذه الأمور بحسب البيدر ممكن أن تساهم في استحواذ إيران على الواقع العراقي، وبالتالي إبعاد النفوذ التركي عن البلاد وفرض الهيمنة الإيرانية بشكل مطلق وتحييد الجانب التركي الذي مني بخسائر كبيرة.
"محاسبة تركيا"
ومع تأكيد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الأربعاء الماضي، أن العراق يحتفظ بحقه الكامل بالرد على الاعتداءات التركية، مشيراً إلى أنه سيقوم بكل الإجراءات اللازمة لحماية شعبه، يرى الخبير القانوني العراقي علي التميمي في حديث لـ"جسور"، أنّ "هذا الاعتداء التركي يشكّل خرقا لسيادة العراق ومبادئ القانون الدولي وحسن الجوار المتعلقة بالاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة كما رسمها الميثاق".
ويضيف: "لا يمكن لتركيا أن تتذرع بالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة إلا بشروط، أولها إعلام مجلس الأمن الدولي بذلك أولا، وهو ما لم يحدث مطلقا. "وتابع التميمي أن "العراق يمكنه اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لمقاضاة تركيا لما تقوم به قواتها داخل أراضيه، فضلا عن إمكانية طلبه المساعدة من الولايات المتحدة وفق المادة 27 من الاتفاقية الثنائية بين بغداد وواشنطن لعام 2008، مع إشعار تركيا بإلغاء العراق جميع مذكرات التفاهم السابقة والمحاضر لإسقاط حجة الأتراك بالتدخل فيه."
وانطلاقا من المسؤولية الوطنية والإنسانية والمهنية، يقول التميمي، إن المكتب الدولي للمحاماة على أتمّ الجهوزية لمقاضاة الجانب التركي على هذا الاعتداء المسلح انطلاقا من مبادئ القانون الجنائي الدولي والمبادئ والاتفاقيات الدولية بشأن حقوق الإنسان.
يشار إلى أن المناطق الحدودية العراقية مع تركيا تشهد توترا متكررا، ففي منتصف أبريل/نيسان الماضي أعلنت تركيا تنفيذ عملية جديدة ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني، وجاءت العملية التي أطلق عليها اسم "قفل المخلب" بعد عمليتي "مخلب النمر" و"مخلب النسر" اللتين أطلقهما الجيش التركي في شمال العراق عام 2020.
ويخوض حزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون منظمة "إرهابية" تمردا ضد تركيا منذ عام 1984، ويتمركز في مناطق جبلية نائية بالعراق.