لا تعد زيارة مستشار الأمن الوطني في الإمارات، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، الى طهران تفصيلاً إقليميا بل زيارة محورية وأساسية تمهد لمرحلة جديدة من العلاقات الاقليمية في المنطقة، خصوصا أنها تأتي على وقع محادثات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران ومحاولات لإعادة إحياء الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع الدول الكبرى عام 2015 قبل أن تخلط الاوراق في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
وبينما تصر طهران على أن الملف النووي هو شأن إيراني مع قوى دولية وليس مع دول المنطقة والخليج، يرى البعض أن الإمارات قد تكون قادرة على لعب دور دبلوماسي في الملف، يساهم في تعزيز الإستقرار الإقليمي.
فقد وصل مستشار الأمن الوطني بالإمارات، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، إلى طهران، تلبيةً لدعوة رسمية من نظيره الإيراني. وتعد زيارة طحنون وهو الأخ غير الشقيق لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، الأولى من نوعها لمسؤول إماراتي رفيع الى إيران منذ العام 2016.
استقبل الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، والوفد المرافق له، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، وعقد المسؤول الإماراتي ونظيره الإيراني، مباحثات تناولت القضايا التي تهم البلدين.
وبحسب وكالة الأنباء الإماراتية "وام"، بحث الطرفان العلاقات بين الإمارات وإيران، مع تأكيد الجانبين أهمية تعزيزها على أساس حسن الجوار والإحترام المتبادل إضافةً إلى التطورات الإقليمية والدولية.
وتأتي هذه الزيارة في إطار المصالح المشتركة والعمل على تحقيق المزيد من الاإستقرار والإزدهار في المنطقة وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
وجاء التقارب الاماراتي التركي الايراني بعد الاعلان عن تفعيل الممر التجاري الجديد الذي يربط ميناء الشارقة بميناء مرسين التركي عبر باب المندب في ايران ويختصر وصول البضائع الإماراتية عبره لما بين 6 و8 أيام، الأمر الذي سيجعله مفضلا على المسار القائم حاليا عبر قناة السويس والبحر الاحمر الذي يحتاج وصول البضائع عبره إلى 20 يوما بالمعدل.
مقاربة ودية
لم تخفِ دول مجلس التعاون الخليجي هواجسها من توسّع رقعة نفوذ إيران في المنطقة ومنظومتها البالستية وطموحها النووي، إلا أن البعض يرى أن مواجهة الأنشطة الإيرانية في المنطقة "ليست السبيل للمضي قدماً".
في السياق، أكد المحلل السياسي الدكتور الناصر دريد، أن التوجس الخليجي من دور إيران ليس سراً لكن على ما يبدو أن الإمارت خصوصاً ودول الخليج عموماً أخذوا خيار المقاربة السلمية والودية بدل المقاربة العدائية لإيران.
وأشار دريد في حديث لـ "جسور"، الى أن "دول الخليج باتت تعي أن الولايات المتحدة لا تنوي الضغط على إيران مما يجعل الأمور في الدول العربية مشحونة ومتوترة بصورة دائمة" والمسعى الإماراتي اليوم هو جزء من البحث عن الحلول الديبلوماسية قبل إنسداد الافق بشكل تام.
وبحسب دريد، " قد تتجه إسرائيل في حال فشل المساعي الإماراتية إلى الخيار العسكري لمواجهة إيران، لذلك نشهد اليوم حراكاً إماراتياً ديبلوماسياً مدفوعاً بتهديد ظني على أمل أن تقتنع إيران وتنفتح على الحلول لتفادي المواجهة".
طبخة خليجية
توازياً، تحدث دريد عن "طبخة خليجية وإمارتية تحاك الان بعيداً من الاضواء قد تكون مرتبطة بتعثر المفاوضات النووية في فيينا، أو قد إستباقاً لمفاوضات الاستانة بما يخص الشأن السوري كما لم يستبعد أن تكون متعلقة بالمحادثات غير المباشرة بين الرياض وطهران بما يخص الملف اليمني".
ورجح دريد أن يكون لسوريا دور فعال بالحراك الإماراتي الأخير في ظل ما أسماه "توجهات كبح التوسع الإيراني في سوريا الذي بات يزعج المجتمع الدولي وحتى حلفاء إيران".
واعتبر دريد أن نجاح المساعي من عدمها مرتبط بمدى إنفتاح إيران وقدرتها على الاستجابة للضغوط بضوء التشدد الحالي من قبل الادارة الايرانية بقيادة رئيس الجمهورية ابرهيم رئيسي، ويقول: "هذه لحظات الحسم والحل إما تنجح أو تفشل".
الملف السوري
وتتقاطع زيارة طحنون الى طهران، مع وصول وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى ايران على رأس وفد رسمي سوري في زيارة تستمر ليومين.
وفي وقت سابق، زار وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان، دمشق في 9 سبتمر/ أيلول الماضي والتقى الرئيس السوري، بشار الأسد، في أول زيارة لمسؤول إماراتي رفيع منذ بدء الأزمة السورية قبل أكثر من 10 سنوات.
ويؤى كثيرون في حراك الامارات الأخير بعد سنوات الجفاء تمهيدا لعودة سوريا إلى الحضن العربي. ورحبت إيران، التي تعد أبرز داعمي الرئيس السوري بشار الأسد، وقتها بالخطوة الإماراتية على لسان وزير خارجيتها، حسين أمير عبد اللهيان. كما علق الأمين العام لحزب الله اللبناني، السيد حسن نصر الله، على الزيارة أنها تساوي "الاعتراف" بانتصار الرئيس بشار الأسد على المعارضة المسلحة التي كانت تمولها دول خليجية.
وكانت الإمارات قد أعادت فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق وأعلنت عودة بعثتها الدبلوماسية للعمل، في ديسمبر/كانون الأول 2018، مما يجعل وجود وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في طهران بالتزامن مع وجود الشيخ طحنون محطّ اهتمام.