فيما وصفت السلطات في إيران غالبية الاحتجاجات بأنها "أعمال شغب"، تحوّلت الانتفاضة الشعبية التي أثارتها وفاة مهسا أميني ،التي أوقفتها شرطة الأخلاق في طهران، إلى أكبرَ تحدٍ يواجه السلطات منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
وولدت احتجاجات الشعب الإيراني من رحم أحزان طهران وشقت طريقها من معاناة جيل ليس لديه أمل ولا ما يخسره في ظل الأزمات المالية والاجتماعية والثقافية التي تعصف بالبلاد، في وقت كثرت فصول محاولات السلطات الإيرانية لإطفاء شعلة التظاهرات، وليس آخرها اللجوء الى عقوبة الإعدام لقمع الحركة الشعبية وترهيب المحتجين في إيران.
وبينما صوّت 227 من أصل 290 نائب إيراني لصالح إجراء يحض على استخدام عقوبة الإعدام بحق المدانين على صلة بالتظاهرات، ثبّت القضاء حتى الآن ستة أحكام منها، وذكرت منظمة العفو الدولية بأنه بناء على تقارير رسمية، تمت محاكمة 21 شخصا على الأقل بتهم مرتبطة بجرائم قد تفضي إلى إعدامهم، علما بأن إيران أعدمت 314 شخصا على الأقل في عام 2021 وحده بينما تشير منظمة حقوق الإنسان في إيران إلى أن عدد الإعدامات هذه السنة بات أعلى بكثير إذ بلغ 482 شخصا.
عقوبة الاعدام
وفنّد خبير في الشؤون الإيرانية (رفض الكشف عن هويته) في حديث لـ"جسور" الالتباس الذي يحيط بعقوبة الإعدام، مشيرا الى أن على "الصعيد الإنساني لا يجوز السماح بعقوبة الإعدام، ذلك أنه لا يحق لأي انسان أن ينهي حياة شخص آخر.
أما على الصعيد القانوني، فيجب تطبيق القوانين والتشريعات في كل بلد لأنها نتيجة عملية ديمقراطية مرتبطة بالمؤسسات الدستورية وبالعملية التشريعية المنبثقة عن إرادة الشعب.
وعلى الصعيد الثالث والأخير، دينيا وبالتحديد إسلاميا تم تشريع عقوبة الإعدام في حالات معينة، وبالتالي قانونيا ودينيا عقوبة الإعدام مسموح بها رغم أنه على الصعيد الإنساني يعتبر الامر جريمة كبرى."
ردع المتظاهرين
وأشار الخبير الى أن السلطات الإيرانية بعيدة كل البعد من نشر حال من الذعر بين المحتجين عبر استخدام عقوبة الإعدام بغية إطفاء شعلة الاحتجاجات لافتا الى أن "التظاهر يعد حقًا دستوريًا والبلاد تسمح للجميع بالتعبير عن رأيه بحرية مطلقة وضمن الإطار القانوني.
ولكن، اذا قام شخص بجرائمَ تستحق عقوبة الاعدام فستطبق العقوبة، وذلك لن يؤدي الى فوضى عارمة لأن الجميع تحت سقف القانون.
وللأسف، قُتل أكثر من 70 شخصا من قوات الشرطة والمدنيين خلال حوادث الشغب الأخيرة وبالتالي بات ضروريا مواجهة هذه الأعمال بعقوبات صارمة."
المجموعات الحقوقية تندد!
في المقابل، تطالب المجموعات الحقوقية المجتمع الدولي بالتحرّك بشكل منسّق لمنع تنفيذ عمليات الإعدام، فيما لاحظ الناشطون بالفعل زيادة مقلقة في عمليات الإعدام هذه السنة، حتى قبل انطلاق الحركة الاحتجاجية، إذ عاودت إيران إعدام أعداد كبيرة من المدانين بتهم تتعلّق بالمخدرات، رغم الخطوات الأخيرة للحد من هذا النوع من عمليات الإعدام.
كما تشتكي مجموعات حقوقية من أن أعدادا كبيرة بشكل غير متناسب من أفراد الأقليات العرقية في إيران يتم إعدامهم، بما في ذلك الأكراد، لكن خصوصا البلوش المتحدرّين من جنوب شرق البلاد الذي يعاني من الفقر.
ويقول مدير منظمة حقوق الإنسان في إيران محمود أميري مقدّم أمام المؤتمر العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام في برلين "ما لم يبعث المجتمع الدولي رسالة قوية إلى سلطات الجمهورية الإسلامية، فسنواجه عمليات إعدام واسعة النطاق".
وتابع "ليس عن الإعدامات السياسية فحسب، بل تلك التي تؤثر على من ليست لهم صفة سياسية، خصوصا بتهم تتعلّق بالمخدرات".
بالموازاة، ترى منظمة العفو أن استخدام السلطات عقوبة الإعدام "مصمم لترهيب المشاركين في الانتفاضة الشعبية، وردع آخرين من الانضمام للحراك"، بينما دانت "التصعيد المثير للذعر في استخدام عقوبة الإعدام أداة للقمع السياسي والانتهاك الممنهج لحقوق المحاكمة العادلة في إيران".