لم يسلم أحد من الازمة الاقتصادية الآخذة في التمدد في لبنان ويوماً بعد يوم، تتكشّف معاناة إضافية ليس آخر فصولها ما يعيشه اللاجئون الفلسطينيون.
منذ العام 2005 ، بلغت معدلات هجرة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مستويات قياسية، وتضاعفت بشكل كبير بين عامي 2020 و2021 .
ووفق "لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني" فإن عدد الفلسطينيين في لبنان يناهز 175 ألفاً، في حين تصل القوى العاملة الفلسطينية إلى نحو 70 ألف شخص.
وفيما تشير الإحصائيات إلى أنه غادر في العام 2020 بين 6 آلاف و8 آلاف فلسطيني من لبنان من غير عودة، فإن الإحصائيات نفسها تفيد أيضا بأنه غادر لبنان في العام 2021 ولغاية نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر، 12 ألف فلسطيني لم يعودوا إلى لبنان، وهو رقم قياسي مقارنة بالسنوات الماضية.
بداية الهجرة
وعن واقع الهجرة الفلسطينية من لبنان، يتحدث الباحث في المركز العربي للأبحاث والدراسة السياسات في بيروت، صقر ابو فخر، في اتصال مع "جسور"، وبداباتها تعود الى العام ١٩٧٦ مع تدمير مخيمات تل "الزعتر وضبية وجسر الباشا"، وقبلها مخيم "النبطية" عام ١٩٧٤، ومن جراء الهجرة المتدرجة الى ألمانيا في البداية، ثم إلى الدول الأسكندينافية لاحقا.
ويقول فخر إنّ عدد الفلسطينيين إنخفض في لبنان إلى نحو ٢٢٠ ألفا مع إحتساب من نال منهم الجنسية اللبنانية في فترات متعاقبة وهؤلاء بلغوا أكثر من مئة ألف، بينما وصل عدد المسجلين في الدوائر الرسمية اللبنانية وفي سجلات الأونروا أكثر من ٥٠٠ ألف .
وأضاف فخر أنه أثناء الحرب الأهلية إكتشف الفلسطينيون الدرب نحو الهجرة، فكانوا يحجزون على متن الطائرات المتوجهة نحو كوبا، حيث إمكانية الحصول على فيزا سهلة، وأثناء توقف الطائرة في إسبانيا أو فرنسا يحطّون في المطار ويطلبون اللجوء ولا تستطيع السلطات في هذه الحالة إعادتهم الى لبنان لأنهم مصنفونnon state .
أعداد مرتفعة
وحاليا ، يقول فخر: يحاولون بشتى الطرق الوصول إلى أي محطة أوروبية عن طريق البرازيل مثلا، وهناك يحطون في المطار ويطلبون اللجوء، ومنذ بداية الإنهيار اللبناني في العام ٢٠١٩ إزدادت أعداد المهاجرين الفلسطينيين من لبنان، وشملت معها الفلسطينيين النازحين من سوريا فهاجر ما لا يقل عن خمسين ألفا من الفلسطينيين السوريين (هجرة رسمية، لم شمل ...إلخ) بطرق شتى بما في ذلك التهريب عبر البحر او الحدود أحياناً.
وبحسب فخر، يقدّر عدد الفلسطينيين اللبنانيين الذين غادروا منذ العام ٢٠١٧ بـ٢٥ ألفا، وتتولّى شركات لبنانية عمليات التهريب التي تبلغ كلفة الفرد فيها نحو عشرة الآف دولار وتنخفض إلى ما دون ذلك للعائلة، وتغطية المبالغ المطلوبة تكون عادة من قبل الأقارب في الخارج أو بيع كل ما يملكه الراغب في الهجرة.
وفي السياق، يؤكد فخر أنّ السلطات اللبنانية لا تفعل شيئا للحد من هذه الظاهرة التي تصب في خانة تقليل عدد الفلسطينيين في لبنان.
٤٨٠ ألف عاطل عن العمل!
في المقابل، كشف الباحث في الشركة الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين، عن إرتفاع معدلات البطالة في الفترة الأخيرة، لافتا إلى أنها تجاوزت نسبة ٣٥ % أي نحو ٤٨٠ ألف عاطل عن العمل.
وفي حديث خاص لـ"جسور"، أكد شمس الدين، أنّه في حال استمرار الوضع الحالي كما هو عليه من دون أي خطوات عملية للحد من تدهور الأزمات في البلاد، فإن هذه النسبة ستشهد مزيدا من الإرتفاع، وقد ساهمت هجرة نحو ٧٠ ألفا خلال العام ٢٠٢١ في ارتفاع هذه النسبة .
وعن إستمرار تصاعد الدولار بشكل جنوني ووصوله الى ٣٠ ألف ليرة لبنانية، أكد شمس الدين أنّ الأسعار إرتفعت بنسبة ٤٠٠% خلال العام ٢٠٢١ وبنسبة ٧٠٠% منذ بداية الأزمة في نهاية ٢٠١٩.
أما فيما خصّ اليد العاملة الأجنبية، فيقول الباحث في الشركة الدولية للمعلومات، إنها تراجعت بشكل كبير وهي لا تشكل منافسة كبيرة لليد العاملة اللبنانية، ومن دونها قد تنحفض نسبة البطالة بمعدل ٣ % لا أكثر كون العمالة الأجنبية تنخرط في مهن لا يمارسها اللبنانيون.
الأونروا تستغيث!
وكان المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) فيليب لازاريني زار لبنان في كانون الأول/ديسمبر الماضي والتقى بموظفي الأونروا واللاجئين في مخيم برج البراجنة في بيروت.
وقال لازاريني: "اللاجئون الذين قابلتهم يعانون من اليأس الشديد ويعانون من أجل تغطية احتياجاتهم الأساسية ".
ودعا لازاريني المجتمع الدولي إلى ضمان الدعم الكافي للأونروا للإستمرار في توفير خدماتها للاجئين الذين هم بأمس الحاجة إليها والى العيش الكريم.
عجز في الموازنة
وتواجه الأونروا طلبا متزايدا على خدماتها بسبب زيادة عدد لاجئي فلسطين المسجلين ودرجة هشاشة الأوضاع التي يعيشونها وفقرهم المدقع، ويتم تمويل الأونروا بشكل كامل تقريبا من خلال التبرعات الطوعية فيما لم يقم الدعم المالي بمواكبة مستوى النمو في الاحتياجات.
ونتيجة لذلك فإن الموازنة المبرمجة للأونروا، تعاني من عجز كبير وتدعو الأونروا الدول الأعضاء الى العمل بشكل جماعي وبذل الجهود الممكنة لتمويل موازنة الوكالة بالكامل.