وسط ضبابية تلف الاستحقاقات المنتظرة، دخل لبنان منعطفا سيحدد الكثير من ملامح المشهد السياسي لمستقبله، وذلك مع انطلاق المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للبلاد، خلفا للرئيس ميشال عون الذي تنتهي ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
وفي وقت تترقّب مختلف الكتل السياسية وتحديدا المسيحية هذا الاستحقاق، الذي شهد تاريخيا صراعا محموما بلغ درجة الاقتتال، يواجه زعماء القوى المارونية التقليدية مصاعب داخلية وخارجية بالتسويق لترشيحهم للرئاسة، وعلى رأسهم رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل ورئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع وزعيم تيار المردة سليمان فرنجية.
مواصفات الرئيس
وبحسب المعطيات، لم تحسم الأطراف اللبنانية بمعظمها خياراتها بعد، ولم تطرح الملف بشكل جدّي، وفي هذا الإطار، كشفت مصادر مطلعة لـ "جسور" عن أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يعُد يخفي استياءه من الطريقة التي يتعامل بها ميقاتي والتي تؤشر إلى عدم رغبته في تأليف حكومة، ووفقاً للمعلومات، فإنه بعد كلمة الرئيس بري في مهرجان الامام الصدر في مدينة صور (جنوبي لبنان)، ستتوضح آلية التحرك، على الرغم من بدء سريان المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وكان بري، حدّد عشية بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، المواصفات التي يريد توافرها في الرئيس المقبل، قائلا: "سنقترع للشخصية التي تؤمن بعروبة لبنان والتي تجمع وتوحّد ولا تقسّم والتي تمتلك حيثية وطنية ولا تكون هي التحدي"، مضيفا: "سنقترع للشخصية التي تؤمن بأنّ إسرائيل تمثل التهديد الأول للبنان"، كما دعا بري إلى "عقد لقاء عام يؤدي إلى اتفاق على الاستحقاقات المقبلة".
رفض الفراغ
وعن وجهة نظر تكتل لبنان القوي ، يرى عضو لجنة التربية النيابية النائب ادغار طرابلسي، أن الأهم ألا يحدث فراغ رئاسي، لا سيما في هذه المرحلة التي يمر بها لبنان، وفي ظل فراغ حكومي، قائلا: "نحن ككتلة بدأنا الحديث بالإستحقاق الدستوري ونرفض الفراغ كما نرفض ولادة حكومة فاقدة لدعم البرلمان."
وأضاف: "سنعمل كي لا يحصل تعطيل لجلسات البرلمان، ويتم انتخاب رئيس للجمهورية، لكن وفق ثوابت وضعناها في المرحلة السابقة، أهمها احترام إرادة الكتل النيابية المسيحية الكبرى بهذا الشأن".
وتابع: تكتل "لبنان القوي" لم يتبن أي مرشح للرئاسة حتى الآن، والتكتل يختلف حتى مع حلفائه على ملفات عديدة وهذا ينطبق على الملف الرئاسي، لذلك فإن النقاشات مفتوحة.
وعن مواصفات الرئيس المقبل، يرى طرابلسي في اتصال مع "جسور"، أنه تكون شخصيته قوية ويتحلى بالروح الوطنية، خصوصا أن لبنان ينتظر استحقاقات مصيرية مقبلة كمسألة ترسيم الحدود.
شخص سيادي
من جهته، أكد عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب غسان حاصباني، في تصريح لـ "جسور"، أن "الرئيس المقبل يجب أن يتمتع بشخصية سيادية ولا يعطي غطاء لأي وجود مسلّح خارج الشرعية اللبنانية، وأن يتمكن من وضع خطة التعافي الإقتصادي ومتابعة تنفيذها مع السلطة التنفيذية، وأن يجمع كل المسائل الإصلاحية للبنان ليتمكّن من تنفيذ الإصلاحات المطلوبة والأهم أن يكون حامياً للدستور".
وتابع حاصباني: "نتشاور مع جميع الجهات التي نعتبرها معارضة إلى حد كبير للسلطة القائمة، خصوصا المستقلين والجهات التغييرية والسيادية، وهذه الانتخابات ستفرز المجلس النيابي بين الذين يؤيدون حصرية القرار العسكري والحربي والسلمي بيد السلطة العسكرية وبين الذين يريدون تغطية أعمال خارج هذه الشرعية".
وأضاف: "حزب القوات وضع خطة طريق لاختيار المرشح الأنسب لرئاسة الجمهورية من خلال معايير، بينها أن يعتمد سياسة الحياد عن صراع المحاور وينتشل لبنان من العزلة العربية والدولية".
وأكد حاصباني، أن "استمرار النهج الحالي سيأخذ لبنان إلى الزوال".
قوى التغيير تستعد
توازيا، يتهيّأ تكتّل "قوى التغيير" لإطلاق مبادرته الرئاسية بالتزامن مع بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جمهورية جديد، يعرض فيها مقاربته للاستحقاق الرئاسي انطلاقاً من رؤيته لمواصفات الرئيس العتيد من دون أن يتطرّق على الأقل في المدى المنظور للمرشحين الذين تنطبق عليهم هذه المواصفات.
ويأتي إعلان التكتل عن مبادرته الرئاسية في مؤتمر صحافي يعقده السبت المقبل، وفي هذا السياق، تكشف مصادر "جسور"، عن أنّ الوثيقة التي ستصدر ستضمّ المواصفات التي يجب أن يتحلى بها الرئيس الجديد وعلى ضوئها تبدأ الإجتماعات والنقاشات بعد 3 سبتمبر/ أيلول الحالي داخل مجلس النواب كون قوى التغيير تصرّ على حصر لقاءاتها مع جميع الفرقاء في المجلس باعتبارهم أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري خاطف للمجلس منذ سنوات طويلة.
ويلفت المصدر إلى أن الإعلان عن مبادرته الرئاسية يُفترض أن يفتح الباب على مصراعيه أمام التواصل مع الكتل النيابية والنواب المستقلين من دون استثناء، للوقوف على وجهات نظرهم حيال رؤية التكتل للمواصفات التي رسمها لانتخاب رئيس جمهورية جديد، ويقول إن التكتل سيبادر للاتصال بدءاً من الاثنين المقبل بزملائه النواب للدخول في نقاش مستفيض حول مضامين مقاربتهم للاستحقاق الرئاسي وضرورة إنجازه في موعده الدستوري.
وفي حديث لـ "جسور"، شدّدت النائبة نجاة عون صليبا، على ضرورة التخلي عن المصالح الخاصة والضيّقة، كون لبنان لم يعد يحتمل هذا الكمّ الهائل من التدهور الذي يطال يوميا جميع قطاعاته الحيوية، لذا واجب على الجميع وخصوصا في هذه المرحلة الدقيقة التفكير في المصلحة الوطنية العليا لإنقاذ البلد.
وأكدت صليبا، أن قوى التغيير ستتواصل مع جميع الكتل من دون استثناء، وسَتعرُض عليهم الورقة السياسية كما المواصفات المطلوبة لتبادل مجمل الآراء بهدف الوصول إلى اتفاق.
مرشحون كثر للرئاسة
أسماء كثيرة
وتعجّ الساحة المحلية في لبنان بأسماء مطروحة للرئاسة، على الرغم من أنها لم تُعلن رسمياً بعد.
ويتقدّم هذه الأسماء رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، حليف "حزب الله" الأبرز، وخياره الحالي بعدما كان الحزب قد دعم وصول عون إلى سدة الرئاسة عام 2016 على حساب حليفه الآخر فرنجية، والأخير بدأ يتحضّر رئاسياً من البوابة الإعلامية، بعد دعوته أخيراً وفداً إعلامياً إلى مقرّه للحديث عن آخر التطورات السياسية.
من جهته، يعتبر رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع نفسه مرشحاً طبيعياً، لكنه يقول إنه منفتحٌ على الانسحاب لأي مرشح يلبي مواصفات حزبه. وهو سيناريو فعله يوم تراجع وأيّد عون التزاماً بتفاهم معراب (وُقّع بين القوات والتيار الوطني الحر في يناير/كانون الثاني 2016)، مع الإشارة إلى أن الظروف لا تسمح بوصول جعجع، لعدم حيازته التوافق السياسي المطلوب على اسمه، عدا عن أن "حزب الله" يضع فيتو عليه.
ما يبرز اسم جبران باسيل، على الرغم من تراجع حظوظه بعد خسارته الأكثرية البرلمانية، ولا سيما المسيحية، وتحميله جزءاً كبيراً من الأزمات التي شهدها عهد عون، ويُطرح أيضا في السباق الرئاسي، اسما النائبين ميشال معوض ونعمة افرام، المنضويين في دائرة المستقلين المعارضين، وهو ما يعوّلان عليه، إلى جانب علاقاتهما الخارجية الحسنة.
وكان لافتاً إعلان ترايسي شمعون، التي كانت مقرّبة من عون، ترشحها رسمياً لرئاسة الجمهورية، وهي ابنة زعيم حزب "الوطنيين الأحرار" الراحل داني شمعون وحفيدة الرئيس الراحل كميل شمعون. لكن حظوظها تُعتبر شبه معدومة، ولو أنها تعوّل على أصوات المستقلين والتغييريين بعد تغيير خطابها السياسي في الفترة الأخيرة.
ويتم انتخاب رئيس الجمهورية بغالبية ثلثي أعضاء البرلمان المؤلف من 128 عضوا، أي 86 نائبا في الدورة الأولى، وبالأغلبية المطلقة في الدورة الثانية أي 65 نائبا.