يقف لبنان على بعد أيام قليلة من انتهاء العهد الثالث عشر، عهد رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، الذي طُبع بأحداث "ستخلّده" في التاريخ، ولا شك أن أبرز هذه الأحداث كان انفجار مرفأ بيروت، وهو ثاني أضخم الانفجارات غير النووية على مر التاريخ. أضف إلى ذلك ثورة 17 تشرين والانهيار المالي والاقتصادي غير المسبوق، وتدهور قيمة العملة اللبنانية.
اليوم الصفر، 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، إنه موعد انتهاء ولاية الرئيس اللبناني الحالي، وانطلاقاً من هذا السياق، تستعرض "جسور" في هذه السطور عهود رؤساء لبنان الـ13 وأبرز الأحداث التي طبعتها.
بشارة الخوري 1943 – 1952
الرئيس الأول لجمهورية الاستقلال، هو الرئيس بشارة الخوري الذي انتخب في 21 سبتمبر/ أيلول من العام 1943، ترأس حكومته الرئيس رياض الصلح الذي تحول بيانه الى "ميثاق وطني" غير مكتوب. وفي عهده أُلغيت البنود التي تشير إلى الإنتداب في الدستور، وأدى نشرها في الجريدة الرسمية إلى إصدار المفوض السامي قرارًا بإبطال مفعول تعديل الدستور، واعتقال الخوري والصلح والوزراء كميل شمعون وسليم تقلا وعادل عسيران، وبعض النواب وسجنهم في قلعة راشيا. كما حلّ المجلس النيابي، وكلّف اميل إده رئاسة الدولة والحكومة معا. وأدى الاعتقال الى ثورة شعبية بوجه الإنتداب الفرنسي للمطالبة بالإستقلال والإفراج عن المعتقلين، وحصل ذلك في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 1943، واعترفت فرنسا باستقلال لبنان. وتميّز عهده، إضافة إلى الإستقلال، بتوطيد علاقاته مع بعض الدول العربية. كما تأسس في عهده الجيش اللبناني بقيادة اللواء فؤاد شهاب، وبدأت الدولة بتنظيم شؤون المواطنين وتحقيق نهضة عمرانية في البلاد، وجدّد لنفسه ولاية جديدة، لم تدم طويلا فأُسقط في الشارع في 18 سبتمبر/ أيلول 1952.
كميل شمعون 1952 – 1958
خلف كميل شمعون بشارة الخوري، على إثر الإتفاق الذي عُقد بين الأول وكمال جنبلاط، وقضى بسعي الأخير لإيصال شمعون إلى سدّة الرئاسة. كان شمعون رجل دولة، فعمل لصالح المؤسسات ودعم الاقتصاد الوطني حتى باتت الليرة اللبنانية قوية، وصارت البلاد مقصداً للمتموّلين والسيّاح، كما شهد عهده انفتاحاً كبيراً على الغرب وقيمه. لكن ترافق عهده مع صعود جمال عبد الناصر والقومية العربية التي كان كمال جنبلاط أبرز المؤمنين بها، والحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والغرب، فاتخذ شمعون طرفاً إلى جانب الحلف الغربي (حلف بغداد الذي ضم بريطانيا، إيران، باكستان، العراق وتركيا) بمواجهة عبد الناصر، مما أدّى إلى دخول لبنان في الصراع، وكان ساحة لمواجهات عسكرية تمثّلت بما سمي ثورة الـ 58 التي قادها كمال جنبلاط أيضاً، فاندلعت مواجهات في العديد من المناطق، وأنزل الأميركيون جيشهم على الشواطئ اللبنانية.
فؤاد شهاب 1958 – 1964
بعد كميل شمعون، وصل فؤاد شهاب إلى الرئاسة، وهو أول رجل عسكري يصل الى قصر بعبدا. كان شهاب رجل دولة ومؤسسات بامتياز، وفي عهده تأسست العديد من الإدارات وتطوّر عمل الدولة بشكل كبير حتى بات لبنان بلداً متقدماً في الشرق الأوسط نسبةً لانتظام المؤسسات في عهد شهاب. سياسياً، اعتمد على مبدأ الحياد، لا شرق ولا غرب، لعدم رغبته في إقحام لبنان بصراعات إقليمية ودولية تفادياً لسيناريوهات سابقة حصلت في عهد شمعون. تقدّم شهاب باستقالته قبل انتهاء عهده، رغبةً منه في إفساح المجال لشخصيات جديدة للوصول إلى رأس السلطة، إلّا أنه ما لبث أن عاد عنها بعد إصرار سياسي وشعبي على استمراره في الحكم، لكنه رفض التمديد.
شارل حلو 1964 - 1970
مع إصرار الرئيس شهاب على عدم التمديد لنفسه، انتخب شارل حلو رئيسا للجمهورية في 18 أغسطس/ آب من العام 1964 واعتبر عهده تتمة للعهد الشهابي الذي شكل دعم مؤسّسه الرئيس شهاب الرافعة الاساسية لوصوله الى سدة الرئاسة. سعى في عهده إلى مواصلة العمل الإصلاحي الذي بدأه شهاب، لكنه فشل. وأُصيب عهده بانتكاسات عدة. وخلال عهده وضع اتفاق القاهرة في العام 1969 الذي شرعن السلاح الفلسطيني ضد إسرائيل على الاراضي اللبنانية، بعد تدخل الرئيس عبد الناصر لوضع حد للصدامات بين الطرفين اللبناني والفلسطيني.
سليمان فرنجية 1970 – 1976
كان فرنجية ركناً من أركان الجبهة الوطنية اللبنانية التي ضمّت أبرز القادة المسيحيين، بيار الجميل وكميل شمعون. يُطبع عهده بالحرب الأهلية التي بدأت في العام 1975، قبل سنة واحدة من انتهاء فترة ولايته. لم يفلح فرنجية في أي من مساعيه لوقف الحرب، لا سيما وأنه كان طرفاً فيها إلى جانب الجبهة اللبنانية وليس حكماً، فطالبته الحركة الوطنية آنذاك بالاستقالة، لكنه رفض وأصر على إكمال ولايته حتى اليوم الأخير. إلّا أن ضغوط الحرب دفعته للموافقة على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، على أن يستمر في الحكم حتى نهاية العهد، ويتسلّم الرئيس الجديد في الموعد المحدد له، وليس بوقت أبكر، وهذا ما حصل مع انتخاب الياس سركيس.
الياس سركيس 1976 – 1982
في ترشحه الثاني، انتخب الياس سركيس رئيسا للجمهورية في العام 1976، شهد عهده حربا ضروسا بين ميليشيات الأطراف اللبنانية والمجموعات الفلسطينية والجيوش الأجنبية التي انخرطت في الحرب اللبنانية. عمل على إدارة الأزمة التي تخبط بها عهده ساعيا إلى إنجاح عدد من المبادرات لتسوية النزاع المسلح، لكنه فشل. لم يغادر القصر الجمهوري حتى بعد وصول الجيش الاسرائيلي إلى بيروت خلال الإجتياح الذي حصل وأدّى في نهاية المطاف الى إخراج المسلحين الفلسطينيين من لبنان في شهري أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول 1982.
بشير الجميل 1982
بعد خوضه معارك تحرير لبنان من الوجود الفلسطيني المسلّح، انتخب بشير الجميّل رئيسا للجمهورية في 23 آب/ اغسطس 1982، لكنه اغتيل في 14 سبتمبر/ أيلول قبل أن يتسلم الحكم. واعتبر أصغر رئيس جمهورية شهده لبنان منذ الاستقلال.
أمين الجميل 1982 – 1988
مع اغتيال شقيقه بشير، جرى التواصل مع أمين الجميل لتولّيه سدّة الرئاسة بعد أخيه، وكان ذلك ما حصل، وطُبع عهده باتفاق 17 أيار 1983 مع إسرائيل، الذي أسقطه الحزب التقدمي الإشتراكي وحركة أمل بعد معارك شرسة مع القوات الإسرائيلية التي وصلت إلى بيروت وجبل لبنان بعد اجتياح عام 1982.
رينه معوض 1989
انضم رينه معوض الى قافلة القيادات اللبنانية التي اغتيلت بسبب مواقفها الوطنية، بعدما انتخب رئيسا للجمهورية في 5 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1989. هو الرئيس الاول لجمهورية اتفاق الطائف، وكلّف الرئيس سليم الحص تشكيل الحكومة الأولى. حاول التفاوض مع رئيس الحكومة الانتقالية العماد ميشال عون لإنهاء الأزمة اللبنانية، إلا أنه لم يتمكن من قطف ثمار ذلك، فاغتيل صباح عيد الإستقلال في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، ليكون الرئيس الثاني بعد بشير الجميل يُغتال بعد انتخابه بفترة قصيرة.
الياس الهراوي 1989 - 1998
لم تكد دماء الرئيس معوض تجفّ، حتى انتخب الياس الهراوي رئيسا للجمهورية في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1989. إعتمد على الجيش السوري لعزل رئيس الحكومة الإنتقالية العماد ميشال عون، ونجح بذلك في 13 أكتوبر/ تشرين الاول 1990. تميّز عهده بالتدخل السوري المباشر في إدارة الوضع اللبناني على جميع المستويات خصوصا بعد توقيع معاهدة "الاخوة والتعاون والتنسيق" بين البلدين. كما تميزت فتره حكمه الذي مدد 3 سنوات، بزيارة تاريخية للبابا يوحنا بولس الثاني الذي وقّع في بيروت "الإرشاد الرسولي من اجل لبنان".
اميل لحود 1998 - 2007
بعد نجاح التمديد للرئيس الهراوي الذي عمل عليه الرئيس الراحل رفيق الحريري لمنع وصول العماد اميل لحود الى الرئاسة، إنتخب لحود رئيسا للجمهورية في 15 أكتوبر/ تشرين الاول 1998، بغالبية مطلقة في مجلس النواب بعد تعديل الدستور وإضافة فقرة تسمح بانتخاب كبار الموظفين لرئاسة الجمهورية وبصورة استثنائية. في بداية عهده قتل 4 قضاة داخل مبنى قصر العدل في صيدا، ولاحقًا إنسحب الجيش الإسرائيلي من الجنوب والبقاع عام 2000. شهد عهده خلافات حادة بينه وبين الرئيس رفيق الحريري الذي اغتيل في 14 فبراير/ شباط 2005 خلال الولاية الممددة للحود ووجهت المعارضة أصابع الإتهام الأولى إلى لحود والنظام السوري. وفي عهده، أدّت الضغوط الدولية التي مورست بعد اغتيال الحريري وتظاهرة 14 آذار إلى انسحاب الجيش السوري في 26 نيسان/ابريل 2005 من لبنان بعد أعوام من الإحتلال السوري، وعلى رغم محاولة المعارضة إسقاطه في الشارع إلا أنه ظل في منصبه حتى نهاية عهده.
ميشال سليمان 2008 - 2014
بعد أحداث 7 مايو / أيار 2008 التي قام بها "حزب الله" ومفاوضات الدوحة بين القيادات اللبنانية، انتخب العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية في 25 مايو/ أيار 2008. شهد عهده انفجار تداعيات التورط في الحرب السورية وأبرز ما ميزه إعلان بعبدا لتحييد لبنان عن هذه الحرب ولكنه لم ينفذ. لم يسلّم الرئاسة إلى رئيس منتخب بسبب الخلافات السياسية، التي أدخلت البلاد في شغور رئاسي طويل دام سنتين ونصف السنة تقريبا.
ميشال عون 2016 - 2022
بعد انتهاء ولاية ميشال سليمان الرئاسية في 2014، بدأت فترة الشغور الرئاسي بسبب عجز مجلس النواب عن انتخاب رئيس جديد. فرض عون نفسه مرشحًا للمنصب، ونجح في الحصول على دعم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والرئيس سعد الحريري، ما أدّى إلى انتخابه رئيسًا في الجلسة الانتخابية السادسة والأربعين. 6 سنوات حفلت بالكثير من المحطات على الطريق الذي أعلن عنه الرئيس عون، بتاريخ 21 سبتمبر/ أيلول 2020، بأن "لبنان ذاهب إلى جهنم"، فإذا به يسير بخطوات كارثية نحو الإنزلاق إلى هاوية جهنّم، فقد شهد هذا العهد أسوأ أزمة اقتصادية، صُنفت الثالثة عالمياً خلال 150 عاماً، والأكثر سوءاً مُنذ استقلال لبنان، وترافق هذا مع ارتفاع غير مسبوق لأسعار المواد الأساسية، وفقدان الكثير منها. إلى ذلك، استمرّ انقطاع التيار الكهربائي، على الرغم من إنفاق أكثر من 60 مليار دولار أميركي على هذا القطاع، وتميّز عهده بطوابير السيارات، التي اصطفت أمام محطات الوقود، جرّاء فقدان مادة البنزين، وما وقع من حوادث، أدت إلى سقوط ضحايا. وترافق عهد عون مع ارتفاع مُستوى الفساد والسمسرات والهدر والجريمة، ووصل الأمر أيضا، لحرمان الجيش اللبناني من اللحوم في وجباته الغذائية، كذلك انطلقت ثورة 17 تشرين الأول/ اكتوبر 2019، التي عمت احتجاجاتها مُختلف المناطق اللبنانية، بهدف نقل مطالب الشارع بعيداً من الخطابات. كما وقع زلزال انفجار مرفأ بيروت، بتاريخ 4 أغسطس/ آب 2020، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 220 شخصاً وجرح 7 آلاف وتشريد ما يفوق 300 ألف ودمار هائل في العاصمة بيروت.