منذ أشهر وحتى اليوم، يعاني لبنان كمًا هائلاً من المشاكل والأزمات التي أتعبت كاهل المواطن حتى أفقدته أدنى مقوّمات الحياة والعيش الكريم. أزماتٌ، أرخت بظلالها ثقلاً على الشعب الذي بات يختار دروبًا محفوفة بالمخاطر، هربًا من الجحيم الذي ما عاد يُقفل بابه في وجه المواطن اللبناني.
عمليّة الاتجار بالبشر
وسط شتى الأزمات التي يُعانيها الشعب اللبناني، طافت إلى الواجهة مؤخرًا أخبار قوارب الهجرة غير الشرعيّة، سواء من خلال البيانات التي تصدرها السلطات اللبنانية أو من خلال تداول صور عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمهاجرين من مختلف الأعمار، منهم من وصل إلى وجهته، ومنهم من انتهت حياته في قعر المياه بعد غرق المركب.
والأسوأ في الأمر أن الأخبار اليومية المتناقلة عن غرق زوارق المهاجرين وتعطلها لم تمنع تجّار البشر من الاستمرار في تجارتهم المربحة، والتخطيط لاطلاق المزيد من مراكب الموت في البحر.
حتى أن أصوات الاستغاثة وحكايات الموت لم تقنع الكثير من العائلات التي باعت أملاكها وحزمت أمتعتها للانطلاق خارج لبنان، مستسلمة لاحدى أكبر عمليات الاتجار بالبشر.
وفي حديثٍ لجسور قال الباحث في الدوليّة للمعلومات محمد شمس الدين إنه "من الطبيعي في ظل الأوضاع الإقتصاديّة وارتفاع نسبة البطالة والفقر وانعدام سلطة الدولة والقانون، أن نشهد ارتفاعًا في جرائم الاتجار بالبشر. لا نستطيع معرفة حجم هذه الجرائم ولكن حكمًا هناك ارتفاع بالأرقام، خاصة مع وجود النازحين السوريين واللاجئين الفلسطنيين إلى جانب رحلة الفقر التي تعم أكثر من 55% من المجتمع اللبناني."
وتابع "هناك شبكات منظّمة تعِد الناس بالهجرة والوصول إلى الدول الأوروبيّة، تتراوح تكاليف الهجرة بين 3000$ و7000$ وهنا يأتي دور الدولة لكشف هذه الشبكات وتوقيفها."
غرق القوارب
قارب هجرة لبناني جديد غدره الحظ، انقطعت به السبل في عرض البحر، ما يزيد عن 50 راكبًا واجهوا مصيرًا مجهولا. بالدموع والأنين حاولت عائلاتهم إيصال صرخاتها إلى المسؤولين، علّهم يتحرّكون وينقذون أبناءهم قبل أن يلقوا حتفهم غرقا.
وتتنوع جنسيات الغرقى بين لبنانيين وسوريين وفلسطينيين، جمعهم حلم واحد وهو بداية جديدة في بلد يحترم وجودهم. ويجري التنسيق بين بيروت ودمشق وسفارة فلسطين في لبنان. وقد كلّف رئيس الحكومة اللبنانية الهيئة العليا للإغاثة بالتواصل مع أهالي الضحايا لإعادة جثامينهم إلى لبنان.
وفي كل مرة يعلن فيها عن قارب موت أو ركاب عالقين في المياه الإقليمية، تتأهب الدولة اللبنانية. وقد سبق هذه الكارثة الإنسانية قوارب كثيرة أبرزها مركب علق بين إيطاليا ومالطا واليونان، وآخر عُرف بزورق الموت في أبريل/نيسان الماضي.
ورفضت الحكومة اللبنانية يومها تحميلها المسؤولية منفردة، قائلة إن الوضع الاجتماعي وموجات الهجرة هي حصاد 30 عامًا من السياسات المالية المتعاقبة التي أدّت إلى إضعاف العملة.
نتيجة الوضع الاقتصادي
وتعقيبًا على حادث غرق مركب يحمل مهاجرين لبنانيين وسوريين انطلق من لبنان، اعتبر وزير الأشغال اللبناني علي حمية "ان الحالة الاجتماعية هي وليدة الحالة المالية في لبنان"، مشيرًا إلى أن هجرة اللبنانيين من الشمال اللبناني بطريقة غير شرعية أمر استجد في العامين الأخيرين.
أما وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين، فرأى أنّ "الأزمة الإقتصادية تعصف بكل لبنان، وتؤثر في أكثر المناطق فقرًا والتي تعاني إهمالاً".
وأشار إلى أنّ "عمليات تهريب البشر تقوم بها شبكات أصبح تحركها ملحوظًا في لبنان منذ السنة الماضية".
وشدد ياسين على "أننا ندعم دعوة رئيس الحكومة لتشديد حماية الحدود ولكن الحل الأمني وحده لا يكفي".
وفي السياق نفسه قال الباحث محمد شمس الدين إن "نسبة البطالة تصل إلى 38% مع عدم الثقة بمستقبل لبنان وعدم توفير الحد الأدنى من مستلزمات الحياة، تصبح الهجرة غير الشرعيّة هي الحل للهروب من هذا الواقع الأليم. فعدد المهاجريين بطرق غير شرعيّة سنويًا يبلغ حوالي 170 شخص وهذه الحالة ستستمر خصوصًا وأن اللبناني لم يعد يملك شئ سوا خيارين إمّا الهجرة للبحث عن حياة أفضل أو الموت بالبحر."
مراقبة الشاطئ
واعتبر شمس الدين أن الشاطئ اللبناني مراقَب من قِبل القوات الدوليّة من الشمال إلى الجنوب وبالتالي لا يمكن معرفة كيفيّة عبور تلك الزوارق البحار، معلقًا "هنا تزداد الشكوك حول دور القوى الأمنيّة في هذا النوع من العمليّات."