تجاهل رسمي وشعبي واضح قابلت به القاهرة دعوة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الخميس، كلاً من مصر والسودان إلى الحوار، إضافة إلى إعلانه بدء تشغيل التوربين الثاني في سد النهضة الذي تشيده بلاده على نهر النيل الأزرق.
التجاهل المصري ظهر جليا في المتابعة الفاترة من جانب وسائل الإعلام الرسمية لتصريحات آبي أحمد حول اكتمال تخزين 22 مليار متر مكعب من المياه ضمن عملية الملء الثالث للسد الإثيوبي، الذي يعد بعد اكتماله أكبر محطة كهرومائية لتوليد الكهرباء في أفريقيا وتعوّل عليه أديس أبابا في توفير الكهرباء لنحو 65 مليون إثيوبي محرومين منها بحسب إحصاءات رسمية.
وسجّلت مصر في خطاب إلى مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي، رفضها التام لاستمرار إثيوبيا في ملء سد النهضة من دون اتفاق مع دولتي المصب مصر والسودان حول ملء وتشغيل السد.
وجاء في الخطاب الموجه إلى مجلس الأمن "أن جمهورية مصر العربية تحتفظ بحقها الشرعي المكفول في ميثاق الأمم المتحدة باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان وحماية أمنها القومي، بما في ذلك إزاء أية مخاطر قد تتسبب بها مستقبلاً الإجراءات الأحادية الإثيوبية".
وتُواصل إثيوبيا للعام الثالث علي التوالي ملء خزان سد النهضة المخطط أن يتمكن من تخزين نحو 74 مليار متر مكعب من المياه لدى انتهاء المشروع، قرب حدود السودان مما يجعله بمثابة قنبلة مائية في حال تعرضه للانهيار.
وكانت الحكومة الإثيوبية قد أعلنت في فبراير/شباط الماضي تشغيل التوربين الأول بطاقة إنتاجية تصل إلى 375 ميغاواط من الكهرباء.
عامان حاسمان
أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور نادر نور الدين، تحدث في حوار مع "جسور"، عن أهمية تشغيل التوربين الثاني في سد النهضة.
وأشار إلى أن "السد مخطط له عند انتهائه أن يشغل ثلاثة عشر توربينا، وأن التوربينين الأول والثاني كلاهما يعملان عند منسوب منخفض قرب قاع بحيرة السد وكلاهما قادران فقط علي توليد 750 ميغاوات من الكهرباء بالكاد تكفي لإنارة بلدة صغيرة في أثيوبيا".
واعتبر نور الدين أنه "كان من المفترض أن يعمل التوربينان منذ عامين مضَيا لولا حدوث مشكلات فنية"، متوقعاً "تشغيل باقي التوربينات في العامين المقبلين".
مفاوضات "لا تنتهي"
إلى ذلك، دعا رئيس الوزراء الاثيوبي آبي أحمد، الخميس، كلاً من مصر والسودان إلى الحوار والتفاوض باعتبارهما الحل الأمثل للعمل في ما يفيد الأطراف كافة بشأن ملف سد النهضة. وفي هذا الشأن، قال الخبير المائي المصري نور الدين إن "سياسة اثيوبيا هي سياسة فرض الأمر الواقع، وهي تصدّر للعالم صورة أنها ترحب بالتفاوض لكنها مفاوضات لا تنتهي أبدا، بدليل دخول المفاوضات بين الدول الثلاث مصر والسودان من ناحية وإثيوبيا من ناحية ثانية في عامها الثاني عشر منذ بدئها في أبريل/نيسان عام 2011، من دون الوصول إلى اتفاق علي نظام الملء والتشغيل للسد الإثيوبي، إضافة إلى قيام أديس أبابا بالفعل بتنفيذ الملء للعام الثالث على التوالي بشكل منفرد".
سنوات الجفاف
وسبق لوزير الخارجية المصري سامح شكري، أن وصف السد الاثيوبي باعتباره خطراً وجودياً بالنسبة لمصر التي تعتمد على نهر النيل في الحصول على 97 بالمئة من احتياجاتها من المياه لأغراض الري والشرب.
وفي تصريحه لـ"جسور"، يحذّر الخبير المائي المصري الدكتور نادر نور الدين من أن "النيل حاليا هو في السنة السادسة من السنوات عالية الفيضان"، متسائلاً "كيف سيكون الوضع مع اقتراب سنوات الجفاف السبع التي يشهد فيها فيضان النيل انخفاضا في منسوبه؟".
وأشار إلى "أهمية المبادرة الإماراتية الأميركية لاستئناف التفاوض في شهر سبتمبر/أيلول المقبل، برعاية الاتحاد الأفريقي في التوصل لاتفاق قبل الملء الرابع في العام المقبل وتحسبا لسنوات الجفاف".
لا تنازلات
وخلال لقائهما في جدة الشهر الماضي، جدد الرئيس الأميركي جو بايدن لنظيره المصري عبدالفتاح السيسي دعم الولايات المتحدة للأمن المائي لمصر وصياغة قرار دبلوماسي يحقق مصالح جميع الأطراف.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد عيّنت في أبريل/نيسان العام الماضي مبعوثا خاصا للقرن الأفريقي من أجل التدخل في قضية سد النهضة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، كشف الرئيس الأميركي حينها دونالد ترامب، خلال مكالمة هاتفية مع رئيس وزراء السودان آنذاك عبد الله حمدوك، أنه حذر الإثيوبيين من تفجير مصر للسد بعد أن ضاقت بها السبل لإيجاد حل سياسي للمشكلة وأن الوضع خطير للغاية لأن مصر لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة وفق حديث ترامب.
في هذا السياق، يشرح الدكتور نادر نور الدين أن "مصر تعد بلدا شحيح المياه نظراً لأن الصحراء تمثل 93 بالمئة من مساحته، فيما يعيش أكثر من مئة مليون مصري على المساحة المتبقية وهي 7 بالمئة نصفها فقط أرض زراعية، وهو وضع غير موجود في دول منابع النيل، مما نتج عنه وجود فجوة غذائية عميقة تعاني منها مصر بسبب نقص المياة، ما يجعل موضوع الأمن المائي غير قابل لأي تنازلات".
وشرعت إثيوبيا في بناء سد النهضة في أبريل/نيسان عام 2011 مستغلة فرصة الفوضى الأمنية والسياسية التي عاشتها مصر، عقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك،
بينما تعهّد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مرات عدة وفي مناسبات مختلفة، بأن حصة مصر التاريخية من مياة النيل والبالغة 55.5 مليارا متر مكعب سنويا لن يتم المساس بها مهما كانت الظروف.
التجاهل المصري ظهر جليا في المتابعة الفاترة من جانب وسائل الإعلام الرسمية لتصريحات آبي أحمد حول اكتمال تخزين 22 مليار متر مكعب من المياه ضمن عملية الملء الثالث للسد الإثيوبي، الذي يعد بعد اكتماله أكبر محطة كهرومائية لتوليد الكهرباء في أفريقيا وتعوّل عليه أديس أبابا في توفير الكهرباء لنحو 65 مليون إثيوبي محرومين منها بحسب إحصاءات رسمية.
وسجّلت مصر في خطاب إلى مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي، رفضها التام لاستمرار إثيوبيا في ملء سد النهضة من دون اتفاق مع دولتي المصب مصر والسودان حول ملء وتشغيل السد.
وجاء في الخطاب الموجه إلى مجلس الأمن "أن جمهورية مصر العربية تحتفظ بحقها الشرعي المكفول في ميثاق الأمم المتحدة باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان وحماية أمنها القومي، بما في ذلك إزاء أية مخاطر قد تتسبب بها مستقبلاً الإجراءات الأحادية الإثيوبية".
وتُواصل إثيوبيا للعام الثالث علي التوالي ملء خزان سد النهضة المخطط أن يتمكن من تخزين نحو 74 مليار متر مكعب من المياه لدى انتهاء المشروع، قرب حدود السودان مما يجعله بمثابة قنبلة مائية في حال تعرضه للانهيار.
وكانت الحكومة الإثيوبية قد أعلنت في فبراير/شباط الماضي تشغيل التوربين الأول بطاقة إنتاجية تصل إلى 375 ميغاواط من الكهرباء.
عامان حاسمان
أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور نادر نور الدين، تحدث في حوار مع "جسور"، عن أهمية تشغيل التوربين الثاني في سد النهضة.
وأشار إلى أن "السد مخطط له عند انتهائه أن يشغل ثلاثة عشر توربينا، وأن التوربينين الأول والثاني كلاهما يعملان عند منسوب منخفض قرب قاع بحيرة السد وكلاهما قادران فقط علي توليد 750 ميغاوات من الكهرباء بالكاد تكفي لإنارة بلدة صغيرة في أثيوبيا".
واعتبر نور الدين أنه "كان من المفترض أن يعمل التوربينان منذ عامين مضَيا لولا حدوث مشكلات فنية"، متوقعاً "تشغيل باقي التوربينات في العامين المقبلين".
مفاوضات "لا تنتهي"
إلى ذلك، دعا رئيس الوزراء الاثيوبي آبي أحمد، الخميس، كلاً من مصر والسودان إلى الحوار والتفاوض باعتبارهما الحل الأمثل للعمل في ما يفيد الأطراف كافة بشأن ملف سد النهضة. وفي هذا الشأن، قال الخبير المائي المصري نور الدين إن "سياسة اثيوبيا هي سياسة فرض الأمر الواقع، وهي تصدّر للعالم صورة أنها ترحب بالتفاوض لكنها مفاوضات لا تنتهي أبدا، بدليل دخول المفاوضات بين الدول الثلاث مصر والسودان من ناحية وإثيوبيا من ناحية ثانية في عامها الثاني عشر منذ بدئها في أبريل/نيسان عام 2011، من دون الوصول إلى اتفاق علي نظام الملء والتشغيل للسد الإثيوبي، إضافة إلى قيام أديس أبابا بالفعل بتنفيذ الملء للعام الثالث على التوالي بشكل منفرد".
سنوات الجفاف
وسبق لوزير الخارجية المصري سامح شكري، أن وصف السد الاثيوبي باعتباره خطراً وجودياً بالنسبة لمصر التي تعتمد على نهر النيل في الحصول على 97 بالمئة من احتياجاتها من المياه لأغراض الري والشرب.
وفي تصريحه لـ"جسور"، يحذّر الخبير المائي المصري الدكتور نادر نور الدين من أن "النيل حاليا هو في السنة السادسة من السنوات عالية الفيضان"، متسائلاً "كيف سيكون الوضع مع اقتراب سنوات الجفاف السبع التي يشهد فيها فيضان النيل انخفاضا في منسوبه؟".
وأشار إلى "أهمية المبادرة الإماراتية الأميركية لاستئناف التفاوض في شهر سبتمبر/أيلول المقبل، برعاية الاتحاد الأفريقي في التوصل لاتفاق قبل الملء الرابع في العام المقبل وتحسبا لسنوات الجفاف".
لا تنازلات
وخلال لقائهما في جدة الشهر الماضي، جدد الرئيس الأميركي جو بايدن لنظيره المصري عبدالفتاح السيسي دعم الولايات المتحدة للأمن المائي لمصر وصياغة قرار دبلوماسي يحقق مصالح جميع الأطراف.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد عيّنت في أبريل/نيسان العام الماضي مبعوثا خاصا للقرن الأفريقي من أجل التدخل في قضية سد النهضة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، كشف الرئيس الأميركي حينها دونالد ترامب، خلال مكالمة هاتفية مع رئيس وزراء السودان آنذاك عبد الله حمدوك، أنه حذر الإثيوبيين من تفجير مصر للسد بعد أن ضاقت بها السبل لإيجاد حل سياسي للمشكلة وأن الوضع خطير للغاية لأن مصر لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة وفق حديث ترامب.
في هذا السياق، يشرح الدكتور نادر نور الدين أن "مصر تعد بلدا شحيح المياه نظراً لأن الصحراء تمثل 93 بالمئة من مساحته، فيما يعيش أكثر من مئة مليون مصري على المساحة المتبقية وهي 7 بالمئة نصفها فقط أرض زراعية، وهو وضع غير موجود في دول منابع النيل، مما نتج عنه وجود فجوة غذائية عميقة تعاني منها مصر بسبب نقص المياة، ما يجعل موضوع الأمن المائي غير قابل لأي تنازلات".
وشرعت إثيوبيا في بناء سد النهضة في أبريل/نيسان عام 2011 مستغلة فرصة الفوضى الأمنية والسياسية التي عاشتها مصر، عقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك،
بينما تعهّد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مرات عدة وفي مناسبات مختلفة، بأن حصة مصر التاريخية من مياة النيل والبالغة 55.5 مليارا متر مكعب سنويا لن يتم المساس بها مهما كانت الظروف.