لم يتوقف السجال حول ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل منذ أُعيد تحريك المفاوضات بوساطة أميركية في فبراير/شباط من العام الحالي، لما اكتنف الخطان 29 و23 من تجاذبات وغموض. أما وقد بشّر كل من رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيسا مجلس النواب والحكومة اللبنانيين بوصول الأمور إلى خواتيمها واقتراب توقيع اتفاق بين الجانبين، تغيّر المشهد وهدأت وتيرة الاحتدام بين مختلف الأطراف السياسية اللبنانية فيما ارتفعت حدتها في إسرائيل.
إلا أن ما يدور في الأروقة الفرنسية من مفاوضات بين وفد إسرائيلي وشركة توتال الفرنسية بشأن تقاسمأرباح محتمل للأرباح مستقبلاً من تنقيب الشركة في حقل قانا، بدا لافتًا في توقيته، كما أنه يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول أهمية حقل قانا رغم ادعاء العكس.
ويقضي الاتفاق المزمع إبرامه مع الدولة الاسرائيلية، بتنازل لبنان عن الخط 29 واعتماد الخط 23 ما يعني خسارة حقل كاريش المتنازع عليه والغني بالنفط مقابل الحصول على حقل قانا غير المسكتشف مبدئيًا.
حقل قانا أغنى
وعند هذه النقطة تحديدًا، يتوقف العميد المتقاعد ناجي ملاعب في حديث لـ "جسور" ليؤكد عكس ما تم تداوله حتى الآن حول حقل قانا، "غير صحيح عدم معرفة أي من الأطراف ماذا يحوي حقل قانا" مضيفًا"خلال مؤتمر عقد حول الملف النفطي في لبنان، أكّد أحد المشاركين المتخصصين أن حقل قانا يحوي ثلاثة أضعاف ما يحويه حقل كاريش وتشير التقديرات إلى أن الأخير يضم 15 مليار دولار غاز".
تقبّل كل الأطراف السياسية ما يجري من تطورات دليل على "وجود توافق داخلي يحسم إعطاء إسرائيل حصتها من حقل قانا" يقول ملاعب.
ويضيف "لبنان موافق رغم نفيه علنًا للموضوع، بدليل وجود المفاوض الإسرائيلي في توتال" وتابع قائلاً "الوزير بوصعب أعلن عن وجود ملحقات سرية لا يتم الكشف عنها في الإعلام" والهدف منها كما لفت "إظهار العهد قبل نهايته وكأنه حقق إنجازًا للبنان في ملف النفط".
ولم تتضح حتى الآن، على حد قوله، نسبة حصة لبنان من حقل قانا "لكن الخرائط بإمكانها أن تكشف حجم المساحة جنوبي الخط 23" كما أشار.
من الرّابح؟
من وجهة نظر ملاعب، طرفان أساسيان يتقاسمان الأرباح في هذا الملف، إسرائيل والمسؤولون اللبنانيون.
حاولت إسرئيل الإيحاء بأنها تعطينا حقل قانا يشرح العميد المتقاعد "ثم ما لبثت أن بدأت تتوسع في طلباتها لتشمل قضم أجزاء أخرى تتخطى الخط 23 ما أرعب الجانب اللبناني ودفعه للقبول بإعطائها تعويضات من حقل قانا" مضيفاً "أن إسرائيل تملي علينا أوامرها عبر الوسيط الأميركي".
أما في لبنان، يتابع ملاعب "تأسّست شركات وهمية لاستخراج البترول وجميعها تابعة للزعماء اللبنانيين" الذين كما يؤكد "باعوا البحر رغم عدم امتلاكهم حق التصرّف بأي ثروة من ثروات البلد دون العودة إلى الدستور وتمريرها دون عرضها على مجلس النواب وفي ظل عدم عقد الحكومة لجلساته".
تهليل كاذب
أما التخبّط داخل إسرائيل والتهليل لحزب الله على أنه انتصر وحقق مبتغاه فيرى فيه ملاعب "كلام باطل يراد به حق إذ عمليًا قدم لهم نصرالله خدمة بوقوفه خلف الحكومة اللبنانية وتبنّي الخط 23 ".
وأضاف "لبنان مسيطر عليه من سلطة معروفة "تعاون نصرالله-عون" وقد أوصلت لبنان إلى الحضيض وتريد أن تصور لنفسها إنجازًا غير حقيقي".
وأعاد ملاعب التذكير بالرّسالة التي تضمّنت المرسوم 6433 المرسلة من لبنان إلى الأمم المتحدة "هذه الرسالة مهمة وثابتة، ويراد تغيير وزير الخارجية عبدالله بو حبيب لأنه أرسلها" وتابع "لقد أربكت الجانب الإسرائيلي وأدت إلى عودة الوسيط الأميركي هوكشتاين إلى لبنان كما منعت إسرائيل من مباشرة عملية التنقيب وسرقة حصة لبنان دون حسيب أو رقيب".
وتابع "لو أراد نصرالله الحفاظ على حقوقنا لكان طلب من وزير الأشغال العامة المحسوب عليه إرسال مشروع تعديل المرسوم 6433 واعتماد الخط 29 إلى الحكومة ليوقع عليه لاحقًا رئيس الجمهورية".
واستغرب ملاعب عدم صدور أي موقف من النواب التغييريين حيال ما يجري.
وفي حديث سابق لـ"جسور"، اتّهم الأكاديمي والباحث الدكتور عصام خليفة من تخلّوا عن الخط 29 بالخيانة العظمى كونهم تسببوا بهدر "ثروة تقدر بمئات مليارات الدولارات" مستندًا في ذلك "إلى تقرير للمخابرات الأميركية يؤكد أنها أهم حدث في القرن 21 في ظل صراع دولي كبير على النفط والغاز".