فيما ينشغل العالم بالحرب الروسية - الأوكرانية، لا تزال الضربة التي قد تكون وجّهتها إيران لاسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية في أربيل بإقليم كردستان شمالي العراق محل أخذ ورد وتحليل للمعادلة العسكرية الجديدة التي رسمتها في المنطقة، وجديدها ما نقلته وسائل إعلام عبرية، عن تقارير صحافية لبنانية وأميركية، حول القصف الإيراني لمبنى يعتقد أنه لجهة إسرائيلية في أربيل بالعراق، في وقت ترددت معلومات أنه كان بمثابة رد على هجوم نفذته طائرات بدون طيار تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي غرب إيران الشهر الماضي.
وبحسب صحيفة هآرتس العبرية، فإن بعض التقارير ومنها لبنانية أفادت بأن إسرائيل هاجمت مخزنًا لطائرات بدون طيار من مختلف الأحجام غرب طهران، وذلك باستخدام 6 طائرات إسرائيلية بدون طيار أيضًا، ما أدى لتدمير مئات الطائرات الإيرانية، وذلك منتصف الشهر الماضي.
ووفقًا للصحيفة، فإنه تم التكتم على العملية حينها، حتى كشف عن الحدث الليلة الماضية، كما ورد في وسائل إعلام لبنانية مقربة من إيران وحزب الله، ومنها قناة الميادين التي قالت إن القصف على مبنى خاص بالموساد في اربيل جاء ردًا على ذلك.
في المقابل، أكد مسؤول أميركي مطلع رفيع المستوى أن الهجوم الصاروخي الإيراني في أربيل قبل يومين، استهدف منشأة إسرائيلية، وفق ما ذكرت مراسلة صحيفة "نيويورك تايمز".
وأضاف المسؤول الذي لم تكشف عن اسمه: "انّ الحرس الثوري لم يستهدف القنصلية الأميركية القريبة من المبنى لكنه لا يمانع ذلك".
وبينما تنفي حكومة كردستان العراق، المعلومات حول حقيقة وجود إسرائيلي هناك وأن القصف أصاب منشأة مدنية، تلتزم إسرائيل الصمت، رغم أن صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية نقلت عن مصادر لم توضحها أن القصف طال هدفًا أميركيًا وأنه لم يصب أي من الأميركيين هناك بسبب نقل معلومات من إسرائيل للمسؤولين في الولايات المتحدة حول نية إيران قصفه.
ورقة ضغط
وتعليقا على دلالات الهجوم الصاروخي الإيراني على أربيل، رأى الباحث والكاتب السياسي، الدكتور قاسم بلشان التميمي، أنّ الهجوم الايراني الأخير على مواقع داخل مدينة أربيل العراقية هو رد إيراني على قصف الكيان الصهيوني لمواقع تابعة للحرس الثوري الايراني في سوريا أدى الى مقتل العديد منهم خصوصا وان طهران تؤكد ان الموقع يتبع للموساد الإسرائيلي.
وفي حديث لـ"جسور"، أكدّ التميمي أنّ "حكومة بغداد المركزية يجب أن تعلم بهذا القصف، لأنه وبحسب دستور البلاد ٢٠٠٥، فان العراق لم ولن يسمح باستخدام أراضيه او أجوائه لشن هجمات من قبل دول أخرى"، مضيفا أنّ "العراق هو صاحب سيادة ولكن استخدام اجوائه من دون علمه او موافقته هو اختراق غير مقبول".
وعن تداعيات الهجوم سياسيا، قال التميمي: "إنّ القصف الإيراني عقّد المشهد السياسي باعتبار اننا كنا اقتربنا بعض الشيء من انفراج الازمة السياسية، لكن الهجوم الأخير أحدث شرخا كبيرا، خصوصا فيما يتعلق بالاطار التنسيقي والتيار الصدري، باعتبار أن موقفهما تجاه الهجوم متباين بين مؤيد ومعارض"، لافتا إلى أنّ "الهجوم الصاروخي هو رسالة إيرانية واضحة وصريحة الى بعض الأطراف الدولية، وتحديدا أميركا كما أنه يعتبر ورقة ضغط في مفاوضات ملفها النووي."
وفي السياق، أوضح التميمي أنّ الصواريخ الإيرانية التي تساقطت على أربيل، أدت إلى زيادة الفوضى السياسية في البلاد التي تستعد لاختيار حكومة جديدة، كما أدت إلى تعقيد الأوضاع الإقليمية والدولية في الوقت الذي تتفاوض فيه طهران والقوى الأوروبية والولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي.
تشكيل الحكومة
رواية أخرى تتعلق بالهجوم، وهي ان تكهُّنات كثيرة خرجت بعد فترة وجيزة من الهجوم تفيد بأنَّ الصواريخ كانت مرتبطة بعملية تشكيل الحكومة العراقية، إذ يعمل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني مع مقتدى الصدر، لتشكيل ائتلاف برلماني واسع من شأنه تهميش كل أو معظم الفصائل المدعومة من إيران.
حيث نظر البعض إلى الصواريخ باعتبارها رسالة للحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يسيطر على أربيل وحكومة إقليم كردستان، تحذره بألا يُقصي الأحزاب المدعومة من إيران من الحكومة المقبلة.
لكنَّ مسؤولين إيرانيين وعراقيين وغربيين يستبعدون هذا الدافع، فقال المحلل السياسي، محمد علي الحكيم"، إن الهجوم الأخير لا يتعلق بالتدافع السياسي داخل العراق بقدر ما يتعلق بما يجري في فيينا".
كما أضاف: "أرسل الإيرانيون رسائل عدة في هجومهم: واحدة لإسرائيل، وثانية للولايات المتحدة، وثالثة لتركيا، والرابعة لقادة إقليم كردستان".
وأكد الحكيم، أن "الحكومة العراقية لن تتشكّل قريبا نظرا للخلافات والمناكفات السياسية العقيمة".
هذا وكشفت مصادر "جسور"، عن ارجاء محادثات الفرقاء السياسيين بشأن تنفيذ الاستحقاقات الدستورية.
وقالت المصادر ان لقاءين بين ممثلي التحالف الثلاثي، والإطار التنسيقي أرجئا بسبب القصف على أربيل، وما أعقبه من ردود فعل متباينة.
وأوضحت انه من غير المعلوم متى يتم استئناف الحوارات، مشيرة الى ان موقف بعض القوى المؤيد للهجوم الإيراني تسبب بردود فعل غاضبة من القوى الكردية، وكذلك من التيار الصدري.
ويذكر أن جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان كان أوضح، أن الهجوم نفذ بـ"12 صاروخاً باليستياً" أطلقت "من خارج حدود الإقليم وتحديداً من جهة الشرق".
وغالباً ما يشهد العراق الذي يملك حدوداً شرقية واسعة مع إيران الداعمة لفصائل مسلحة محلية عدة، هجمات صاروخية أو بالطائرات المسيرة على قواعد ومصالح أميركية.