في خطوة ليست غريبة عن التخبّط الذي يعيشه لبنان في القطاعات كافة، أعلنت جمعية المصارف في البلاد، الإضراب ابتداءً من يوم الاثنين المقبل، على "أن تقرّر الجمعية العمومية للمصارف التي ستنعقد الأربعاء، الموقف الذي تراه مناسبًا في هذا الشأن".
وقرار جمعية المصارف جاء عقب اجتماع مجلس الإدارة الذي تم التداول فيه بموضوع "الدعاوى الكيدية التي تتعرّض لها المصارف والتي تصدر فيها بعض الأحكام الاعتباطية والشعبوية عن مرجعيات يتمّ اختيارها مسبقًا من المدّعين لغايات لم تعد خافية على أحد".
إلّا أن لهذا الإضراب تداعيات خطيرة وكارثية على اقتصاد البلاد ورواتب الموظفين وسعر صرف الدولار غير المستقر، وبالتالي على أسعار المحروقات والسلع، ما سيهدد اللبنانيين بلقمة عيشهم.
وبحسب الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة، فإن "قسمًا كبيرًا من موظفي القطاع العام لم يتقاضَ راتبه بعد وإضراب المصارف سيؤخر الأمر أكثر، إضافة إلى أن قسمًا من الدولارات على منصة "صيرفة" سيصبح غير موجود، باعتبار أن هذه المنصة يتحكم بها ثلاثة لاعبين: مصرف لبنان، المصارف والصرافين".
وقال عجاقة، "سبب الإضراب هو الملاحقات القضائية، وتوقيف رئيس مجلس إدارة بنك الاعتماد المصرفي كان الشرارة التي بدأته، وأعتقد الهدف منه هو فتح الباب مع السلطات الرسمية، لكن على الحكومة أن تجد حلّا مناسبًا لذلك، لأنه من غير المنطقي أن يدفع الشعب والمودعين دائمًا ثمن هذه الخلافات".
عدالة واعية
وكانت جمعية المصارف قد أكدت أنها "لا تفهم أسباب توقيف رئيس مجلس إدارة بنك الاعتماد المصرفي ش.م.ل، بسبب ورود شكوى جزائية بحقّه أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان من قبل صاحبة أسهم تفضيلية تعيب عليه أنه لم يوزّع لها أرباحًا في وقت لم يحقّق المصرف أرباحًا ليوزعها".
وأشارت إلى أنه "إذا كان القانون قد سعى بهدف تحقيق عدالة واعية، إلى إيلاء النظر بدعاوى تتطلب حدّا أدنى من الإلمام بقوانين خاصة كالقوانين المصرفية والمحاسبية، فإن المصارف تقف باستغراب أمام تجاهل البعض من المكلّفين باحترام القانون ومضمون أحكامه وكأن تطبيق القانون أصبح اختياريًا لهم وليس إلزاميًا.
ويزيد استغرابها عندما تأخذ هذه المرجعيات تدابير جذرية تتناول حرّيات الأشخاص وكراماتهم وتسيء إلى سمعتهم وتعرّض علاقات المصارف المحلية بالمصارف المراسلة، مما يحدث ضررًا بالغًا ليس للقيّمين على المصارف فحسب، بل بصورة أولى للمودعين".
وأضافت: "من الأمثلة على ما تقدّم، عدم فهم هذه المرجعيات لمعنى "الرأي المخالف" الذي أصدره مفوضو المراقبة الجدّيون لا سيّما الدوليون منهم مؤخرًا، لدى مراجعة الحسابات المالية ليس فقط للمصارف، بل ربما لجميع الشركات العاملة في لبنان.
وقد سها عن بالهم أن الوضع المصرفي في لبنان كما الوضع الاقتصادي هو ضحية مخاطر نظامية وليس ناتجًا عن تصرفات فردية اتخذتها المصارف أو غيرها من المؤسسات الاقتصادية حتى يتم تحميل المسؤولية لأفراد".
مواقف شعبوية
وتابعت: "ولو كانت هذه المرجعيات تقرأ أسباب هذا الرأي المخالف، ولو كانت ستفهم هذه الأسباب إن قرأتها، ولو استعانت بخبير محاسبة يوضحها لها قبل اتخاذ قرارها، لكانت علمت أن أسباب الرأي المخالف لا يعود إلى تزوير الحسابات، بل يعود إلى استحالة تطبيق قواعد المحاسبة الدولية بسبب الأوضاع الاقتصادية العامة في البلاد التي هي من مسؤولية الدولة، التي أوصلتنا اليها وليس بسبب المصرف المعني، مثل عدم توحيد سعر صرف أو التضخم المفرط أو سواه. وأن الرأي المخالف لا يعني أن الشركة المعنية أو المصرف المعني يحاول إخفاء الأرباح، بل على العكس، لو كان تطبيق معايير المحاسبة الدولية ممكنًا، لكانت الخسائر زادت ولم تنقص".
وتابعت: "إن هذه الأوضاع الشاذة والتي حاولت المصارف قدر الإمكان التعامل معها بمرونة ولو على حسابها، بلغت حدّاً لم يعد مقبولاً، وهي لم تعد تستطع أن تتحمّل المواقف المضرّة والشعبوية على حسابها وحساب الاقتصاد، وهي تجد نفسها مضطرة إلى إصدار إنذار عام يكون دعوة للجميع للتعامل بجدية ومسؤولية مع الأوضاع الراهنة بهدف السير نحو التعافي الحقيقي".
وتستمر حالة الجمود السياسي في لبنان في ظل أزمة اقتصادية خانقة وانهيار للعملة المحلية وقطاع مصرفي مفلس، وهو ما يزيد من تدهور الوضع المعيشي للبنانيين.