عامان مرّا على فاجعة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/ آب 2020، ولم تهدأ أوجاع أهالي الضحايا الذين سقطوا في ثالث أكبر انفجار غير نووي عرفه العالم، وإن كان يشاركهم معظم اللبنانيين في وجعهم، إلا أن هؤلاء خسروا أحبابهم وما زالوا يطالبون بحقهم في محاسبة المسؤولين عن "جريمة العصر".
في الرابع من آب/أغسطس 2020، اندلع حريق في مرفأ بيروت، تلاه عند الساعة السادسة وبضع دقائق انفجار هائل وصلت أصداؤه إلى جزيرة قبرص، هذا التاريخ حفظه اللبنانيون جميعاً، فالانفجار هذه المرة وحّد مأساتهم وأورثهم غضباً جامحاً.
ومع حلول الذكرى السنوية الثانية، لا يزال الحدث يتفاعل في ذاكرة اللبنانيين الذين نزلوا إلى مسرح الجريمة لينادوا بحقيقة وعدالة لا تزالان مفقودتين، في وقت تطغى على العاصمة بيروت بصمات الدمار والخراب حتى اليوم، وعلى ذاكرة اللبنانيين روائح الدم وصور الجرحى والقتلى في الشوارع، وكأن الوقت لم يمر.
" العدالة، الحقيقة والمحاسبة"
استشهاد أكثر من 220 شخصاً وإصابة نحو 6 آلاف آخرين، تضرر منازل 300 ألف شخص، تدمير جزء واسع من البنية التحتية في بيروت، بما في ذلك مرفأ المدينة، كل ذلك صدم جورج بزجيان، والد الضحية جيسيكا بزجيان الممرّضة التي قضت عند دخولها إلى عملها في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي (الروم)، كما صدم اللبنانيين جميعا، إذ يقول لـ "جسور" إنه "بعد مرور سنتين على جريمة المرفأ لم تصدر حتى الآن أي نتائج لتحقيقات ولم تحدد المسؤوليات، كل ذلك يتسبّب بسخطٍ شعبي من أداء السلطات والمسؤولين الذين لم يُدَنْ أي منهم بعد بتقصير أو إهمال لمسؤولية التصرف حيال الموت الكامن في شحنة النيترات المودعة في أهم مرفق حيوي في العاصمة".
"وسواء بعد عامين أو عشر سنوات، دمعتنا لن تجفّ، نبكي ليل نهار علّ الدموع تخفّف من وطأة مأساتنا"، يقول بزجيان مضيفا: "مطلبنا واحد وواضح جداً، العدالة، الحقيقة والمحاسبة، أضف إلى ضرورة الإفراج عن القضاء اللبناني وعدم التدخل السياسي بأيّ تحقيق في قضية المرفأ، كما وقف الخزعبلات القانونية التي تتعمّد من خلالها المنظومة السياسية، عرقلة التحقيق وطمس الحقيقة بكلّ ما أوتيت من جهدٍ".
ويؤكّد الوالد أنّه "لو بعد مائتَي سنة لن ننسى ضحايانا وشهداءنا، ولن نهدأ، وسنبقى نطالب بالحقيقة. فابنتي جيسيكا استشهدت وهي بعمر 22 عاماً".
مواصلة المسيرة
أما محي الدين لاذقاني، نجل الضحية محمد لاذقاني وعضو اللجنة في جمعية أهالي ضحايا انفجار المرفأ، فيؤكد في حديث لـ"جسور" أنّ "مسؤولية الدولة اللبنانية كما القضاء السعي لكشف الحقيقة عبر جمع الأدلة والمستندات اللازمة لمحاسبة الفاعلين"، ويأسف أن الدولة تعرقل مسار التحقيق لطمس الحقيقة والتهرّب من محاسبة المجرمين.
ويشدّد لاذقاني على ضرورة مواصلة هذه المسيرة النضالية حتى الرمق الأخير وصولا لتبيان الحقيقة للبنان وللعالم أجمع، ويبيّن أنه بعد عامين على الانفجار، لم تستعد بيروت عافيتها مع بنى تحتية متداعية ومرافق عامة عاجزة عن تقديم الخدمات الأساسية، كما أنّ العاصمة تغرق ليلاً في ظلام دامس فيما تثير النيران المندلعة في الإهراءات خشية اللبنانيين، وخصوصاً عائلات الضحايا والقاطنون في محيط المرفأ.
ويناشد أهالي الضحايا عبر "جسور" المجتمع الدولي إجراء تحقيق مستقل تحت إشراف مجلس حقوق الإنسان، أملا في أن يمنحهم الإجابات التي فشلت السلطات اللبنانية في تقديمها لهم.
عدالة قريبة؟
ويؤجج تعليق التحقيق منذ نهاية 2021 غضب الأهالي المنقسمين بدورهم إزاء عمل المحقق العدلي طارق البيطار الذي يواجه دعاوى رفعها تباعًا مُدعى عليهم بينهم نواب حاليون ووزراء سابقون، ويثير التحقيق انقساما سياسيا مع اعتراض قوى رئيسية أبرزها حزب الله على عمل البيطار واتهامه بتسييس الملف.
ويقول الوكيل عن مجموعة من أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، المحامي وسام عيد، في تصريح لـ"جسور"، إن "التحقيقات لا بدّ أن تصل إلى خواتيمها، مرجّحا أنّ القاضي البيطار ونظرا للنزاهة والكفاءة العالية التي يتمتع بهما فلن يتراجع عن المَهمة الموكلة إليه، وبالتالي القرار الظني سيصدر لا محالة".
ويضيف: "أنا على يقين أنّ البيطار لا يخاف ولن يخاف، وقدرة واحدة فقط باستطاعتها أن تقبعه من منصبه هي "القدرة الإلهية".
ويتابع عيد، أنّ "القضاء ليس فاشلا، فالدولة اللبنانية يوجد فيها خيرة من القضاة النزيهين ومن دون شك هناك قضاة فاسدين، والقضاء مهدد كون هذه التحقيقات ستطال رؤوس كبيرة في الدولة اللبنانية"، مشددا على أن أسر الضحايا والشعب اللبناني يستحقون معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة دون مزيد من التأخير.
وفي السياق، رأى عيد أنّ متابعة المسار القضائي يعد متطلبا ضروريا لاستعادة مصداقية مؤسسات الدولة اللبنانية وضمان احترام سيادة القانون وإرساء مبادئ المساءلة وإنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب.
وسبق للحكومة أن قررت في أبريل/نيسان المنصرم هدم الإهراءات خشية على السلامة العامة، لكنها علّقت تطبيقه بعد اعتراضات من جهات عدة بينها لجنة أهالي الضحايا التي تطالب بتحويل الاهراءات الى معلم شاهد على الانفجار وتخشى تخريب موقع الجريمة.
وينتظر البيطار، وفق مصدر قضائي، "البتّ بالدعاوى ضده" ليستأنف في حال ردها تحقيقاته، ويتابع "استجواب المُدعى عليهم" تمهيداً لختم التحقيق.
تحقيق دولي
ومع تعثّر التحقيق المحلي، جدد الأمين العام للأمم المتحدة دعوته الى "إجراء تحقيق نزيه وشامل وشفاف" في الانفجار، غداة دعوات عدة محلية وخارجية طالبت بتحقيق دولي.
ودعا ستة خبراء مستقلين من الأمم المتحدة في وقت سابق الى "فتح تحقيق دولي بلا تأخير"، تزامناً مع مطالبة 11 منظمة حقوقية بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية مجلس حقوق الإنسان بإنشاء بعثة لتقصي الحقائق.
وقالت آية مجذوب من هيومن رايتس ووتش لوكالة فرانس برس إن "تحقيقاً دولياً بإشراف مجلس حقوق الإنسان قد يكون الأمل الوحيد لملايين اللبنانيين الذين انقلبت حياتهم رأساً على عقب.. للحصول على الأجوبة التي يستحقونها".
في الرابع من آب/أغسطس 2020، اندلع حريق في مرفأ بيروت، تلاه عند الساعة السادسة وبضع دقائق انفجار هائل وصلت أصداؤه إلى جزيرة قبرص، هذا التاريخ حفظه اللبنانيون جميعاً، فالانفجار هذه المرة وحّد مأساتهم وأورثهم غضباً جامحاً.
ومع حلول الذكرى السنوية الثانية، لا يزال الحدث يتفاعل في ذاكرة اللبنانيين الذين نزلوا إلى مسرح الجريمة لينادوا بحقيقة وعدالة لا تزالان مفقودتين، في وقت تطغى على العاصمة بيروت بصمات الدمار والخراب حتى اليوم، وعلى ذاكرة اللبنانيين روائح الدم وصور الجرحى والقتلى في الشوارع، وكأن الوقت لم يمر.
" العدالة، الحقيقة والمحاسبة"
استشهاد أكثر من 220 شخصاً وإصابة نحو 6 آلاف آخرين، تضرر منازل 300 ألف شخص، تدمير جزء واسع من البنية التحتية في بيروت، بما في ذلك مرفأ المدينة، كل ذلك صدم جورج بزجيان، والد الضحية جيسيكا بزجيان الممرّضة التي قضت عند دخولها إلى عملها في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي (الروم)، كما صدم اللبنانيين جميعا، إذ يقول لـ "جسور" إنه "بعد مرور سنتين على جريمة المرفأ لم تصدر حتى الآن أي نتائج لتحقيقات ولم تحدد المسؤوليات، كل ذلك يتسبّب بسخطٍ شعبي من أداء السلطات والمسؤولين الذين لم يُدَنْ أي منهم بعد بتقصير أو إهمال لمسؤولية التصرف حيال الموت الكامن في شحنة النيترات المودعة في أهم مرفق حيوي في العاصمة".
"وسواء بعد عامين أو عشر سنوات، دمعتنا لن تجفّ، نبكي ليل نهار علّ الدموع تخفّف من وطأة مأساتنا"، يقول بزجيان مضيفا: "مطلبنا واحد وواضح جداً، العدالة، الحقيقة والمحاسبة، أضف إلى ضرورة الإفراج عن القضاء اللبناني وعدم التدخل السياسي بأيّ تحقيق في قضية المرفأ، كما وقف الخزعبلات القانونية التي تتعمّد من خلالها المنظومة السياسية، عرقلة التحقيق وطمس الحقيقة بكلّ ما أوتيت من جهدٍ".
ويؤكّد الوالد أنّه "لو بعد مائتَي سنة لن ننسى ضحايانا وشهداءنا، ولن نهدأ، وسنبقى نطالب بالحقيقة. فابنتي جيسيكا استشهدت وهي بعمر 22 عاماً".
مواصلة المسيرة
أما محي الدين لاذقاني، نجل الضحية محمد لاذقاني وعضو اللجنة في جمعية أهالي ضحايا انفجار المرفأ، فيؤكد في حديث لـ"جسور" أنّ "مسؤولية الدولة اللبنانية كما القضاء السعي لكشف الحقيقة عبر جمع الأدلة والمستندات اللازمة لمحاسبة الفاعلين"، ويأسف أن الدولة تعرقل مسار التحقيق لطمس الحقيقة والتهرّب من محاسبة المجرمين.
ويشدّد لاذقاني على ضرورة مواصلة هذه المسيرة النضالية حتى الرمق الأخير وصولا لتبيان الحقيقة للبنان وللعالم أجمع، ويبيّن أنه بعد عامين على الانفجار، لم تستعد بيروت عافيتها مع بنى تحتية متداعية ومرافق عامة عاجزة عن تقديم الخدمات الأساسية، كما أنّ العاصمة تغرق ليلاً في ظلام دامس فيما تثير النيران المندلعة في الإهراءات خشية اللبنانيين، وخصوصاً عائلات الضحايا والقاطنون في محيط المرفأ.
ويناشد أهالي الضحايا عبر "جسور" المجتمع الدولي إجراء تحقيق مستقل تحت إشراف مجلس حقوق الإنسان، أملا في أن يمنحهم الإجابات التي فشلت السلطات اللبنانية في تقديمها لهم.
عدالة قريبة؟
ويؤجج تعليق التحقيق منذ نهاية 2021 غضب الأهالي المنقسمين بدورهم إزاء عمل المحقق العدلي طارق البيطار الذي يواجه دعاوى رفعها تباعًا مُدعى عليهم بينهم نواب حاليون ووزراء سابقون، ويثير التحقيق انقساما سياسيا مع اعتراض قوى رئيسية أبرزها حزب الله على عمل البيطار واتهامه بتسييس الملف.
ويقول الوكيل عن مجموعة من أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، المحامي وسام عيد، في تصريح لـ"جسور"، إن "التحقيقات لا بدّ أن تصل إلى خواتيمها، مرجّحا أنّ القاضي البيطار ونظرا للنزاهة والكفاءة العالية التي يتمتع بهما فلن يتراجع عن المَهمة الموكلة إليه، وبالتالي القرار الظني سيصدر لا محالة".
ويضيف: "أنا على يقين أنّ البيطار لا يخاف ولن يخاف، وقدرة واحدة فقط باستطاعتها أن تقبعه من منصبه هي "القدرة الإلهية".
ويتابع عيد، أنّ "القضاء ليس فاشلا، فالدولة اللبنانية يوجد فيها خيرة من القضاة النزيهين ومن دون شك هناك قضاة فاسدين، والقضاء مهدد كون هذه التحقيقات ستطال رؤوس كبيرة في الدولة اللبنانية"، مشددا على أن أسر الضحايا والشعب اللبناني يستحقون معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة دون مزيد من التأخير.
وفي السياق، رأى عيد أنّ متابعة المسار القضائي يعد متطلبا ضروريا لاستعادة مصداقية مؤسسات الدولة اللبنانية وضمان احترام سيادة القانون وإرساء مبادئ المساءلة وإنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب.
وسبق للحكومة أن قررت في أبريل/نيسان المنصرم هدم الإهراءات خشية على السلامة العامة، لكنها علّقت تطبيقه بعد اعتراضات من جهات عدة بينها لجنة أهالي الضحايا التي تطالب بتحويل الاهراءات الى معلم شاهد على الانفجار وتخشى تخريب موقع الجريمة.
وينتظر البيطار، وفق مصدر قضائي، "البتّ بالدعاوى ضده" ليستأنف في حال ردها تحقيقاته، ويتابع "استجواب المُدعى عليهم" تمهيداً لختم التحقيق.
تحقيق دولي
ومع تعثّر التحقيق المحلي، جدد الأمين العام للأمم المتحدة دعوته الى "إجراء تحقيق نزيه وشامل وشفاف" في الانفجار، غداة دعوات عدة محلية وخارجية طالبت بتحقيق دولي.
ودعا ستة خبراء مستقلين من الأمم المتحدة في وقت سابق الى "فتح تحقيق دولي بلا تأخير"، تزامناً مع مطالبة 11 منظمة حقوقية بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية مجلس حقوق الإنسان بإنشاء بعثة لتقصي الحقائق.
وقالت آية مجذوب من هيومن رايتس ووتش لوكالة فرانس برس إن "تحقيقاً دولياً بإشراف مجلس حقوق الإنسان قد يكون الأمل الوحيد لملايين اللبنانيين الذين انقلبت حياتهم رأساً على عقب.. للحصول على الأجوبة التي يستحقونها".