عاصفة استقالات تضرب عمق حزب العدالة والتنمية في تركيا، إذ يبدو أن الثقة بسياسات الرئيس رجب طيّب أردوغان، بدأت تتلاشى لتنقل معركته مع المعارضة في البلاد إلى داخل حزبه .
ففي مؤشرات حساسة وخطرة تنذر بتخلي أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم عنه، أفادت صحيفة "زمان" التركية، باستقالة 872 عضواً من الحزب التركي الحاكم في ولاية آيدن بشكل جماعي. وأشارت الصحيفة إلى أن الأعضاء أعلنوا استقالتهم الأسبوع الماضي، بمن فيهم رئيسة فرع النساء في الولاية إميل أوز أكمازلار، على خلفية "رفضهم طريقة إدارة الحزب وتعرضهم للمضايقات". وتنقل "زمان" عن المستقلين قولهم إن "اضطرابات خطيرة تحصل داخل الحزب في مدينة آيدن بأكملها والاستقالات ستزداد في الأيام المقبلة".
الحزب الحاكم يخسر
يقول آخر المُستقيلين، رشاد كيزماز وهو عضو مجلس الحزب عن مقاطعة أكتشة، في تغريدة له عقب استقالته بأن اردوغان وعد أن يعمل من أجل الشعب وبشكل مستمر، لكنه لم يتمكّن من الوفاء بوعده، في إشارة قد تُفسّر أسباب استقالة أعضاء من الحزب الحاكم، الذين قرّروا الانتقال لأحزابٍ أخرى مُعارضة مع توالي الصّدمات الاقتصاديّة، وتراجع القدرة الشرائيّة، وتقهقر الليرة والتضخّم، إضافةً إلى البطالة التي كانت عنوان المعركة الإنتخابية والنهوض الاقتصادي بين أعضاء الحزب الحاكم.
ويُعزّر فرضية وجود حالة عدم ثقة بين أعضاء حزب “العدالة والتنمية” بسياساته، أنه وفي العام 2021 لوحده، خسر الحزب الحاكم في تركيا، ما يعادل 146 ألف عضو، في الوقت الذي يتنامى فيه انضمام أعضاء جُدد لأحزاب مُنافسة، مثل حزب الخير (95 ألف عضو جديد)، وحزب الشعب الجمهوري المُعارض، الحزب الأكثر مُنافسة لحزب أردوغان وأكبرها، (49 ألف عضو جديد)، فيما التنافس والتحضيرات على أشدّها لخوض الانتخابات الرئاسيّة، والإطاحة بأردوغان، في العام 2023.
وتطالب المعارضة في تركيا بشكلٍ متكرر منذ الإنتخابات البلدية عام 2019، باجراء انتخابات مبكرة، كما تروج لنفسها كبديل لاردوغان وحزبه الحاكم مستندة الى تقدمها النسبي في تلك الانتخابات. وتعيش تركيا أجواء الانتخابات من دون تنظيمها فعلياً على الرغم من تأكيد تحالف الجمهور المكوّن من حزب العدالة والتنمية والحركة القومية أن الإنتخابات ستحصل في موعدها المحدد مسبقاً.
حظوظ المعارضة
في الواقع، من المبكر الحديث عن نتائج الإنتخابات المقبلة في تركيا، إذ لا يحضر الإستحقاق خارج سياقه. لكن المعارضة، تستغل التدهور الشعبي الداخلي للحزب الحاكم مروجةً أن الحزب "يخاف من صندوق الإنتخابات" لشحد الأنصار.
عملياً، من أهم العوامل التي ستؤثر في نتيجة الإنتخابات الرئاسية التركية المقبلة إلى جانب اسم المرشح المقبل، هو مدى قدرة المعارضة على ايجاد مرشح مشترك أو توافقي لها. فإن فعلت ذلك ستتمكن من رفع فرصها في المنافسة.
ففي الإنتخابات الرئاسية الفائتة في العام 2018، لم تتفق المعارضة على مرشح توافقي مشترك؛ مما قلص فرص نجاح مرشحها أمام أردوغان إذ توزعت الأصوات على أكثر من مرشح معارض.
لن يكون من المبالغة القول إن الانتخابات المقبلة ستكون أصعب على الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية من سابقاتها، وينظر لها على أنها استحقاق استثنائية مصيري سيرسم المشهد السياسية التركي في السنوات المقبلة، إلا أن تراجع شعبيّة الحزب الحاكم، لا يعني أنه من السّهل الإطاحة به من الحُكم.
وتبقى الكلمة الفصل للناخب التركي، الذي سيختار من يُريد أن يحكمه في الإنتخابات الرئاسيّة، والبرلمانيّة المقبلة، لمواجهة الاستحقاقات الاقتصادية التي تفتك بالبلاد.