وكأن لبنان لا يكفيه ما يتخبط به من أزمات مالية واقتصادية تغرقه يومياً في مستنقع الانهيار، ليصاب بنكبة تمس إعلامه وحرية التعبير فيه، ليس من قبل ميليشيات أو دولة محتلة، إنما على يد الشعب نفسه.
نعم إنها لمأساة أن يتحول الشعب المؤتمن على الحرية إلى قامع لها، في بلد لطالما شكل علامة فارقة في محيطه من خلال بصمتة في الإعلام الحر وحرية التعبير.
فقد تحول استديو برنامج "صار الوقت" على محطة MTV اللبنانية إلى أرض معركة ومواجهات امتدت حتى محيط المبنى الخارجي، بعد أن قدّم منبره على مدى سنوات مساحةً للنقاش لكافة الآراء السياسية، على انقسامها العمودي.
وقد أظهرت الفيديوهات التي وثقت الحادثة أن الأمر كان مدبراً ويسير على إيقاع تمت دوزنته مسبقا، وأن الإشكال افتعله جمهور من مناصري التيار الوطني الحر التابعين لرئيس الجمهورية اللبنانية المنتهية ولايته ميشال عون مع معارضين لهم، استمر لساعات قبل أن تنجح القوى الأمنية في احتوائه بعد أن خلّف المعتدون خسائر جمة في المكان حيث حطموا الشاشات الإلكترونية المحيطة بالمبنى إضافة إلى قسم من محتويات الأستديو.
ماذا حصل تحت الهواء؟
السيدة ليندا شعبان، شاهدة عيان في مكان الاشكال فهي من جمهور البرنامج منذ العام 2018، روت لـ"جسور" تفاصيل الإشكال "عند وصولي إلى الأستديو، كان على الباب حوالى أربعين شخصاً يريدون الدخول وأسماؤهم غير مسجلة، أما في الداخل، وللمرة الاولى، فكانت الفوضى تعم المكان، فيما نسبة 75% من الحضور كانت لمناصري التيار الوطني الحر".
وتضيف شعبان "الإشكال بدأ عندما عمد أنصار التيار إلى قمع الرأي الآخر من الحضور المشارك وشتمهم والتهجم عليهم" وتؤكد "ما عاينّاه كجمهور في الأستديو لم توثقه الكاميرات لأنه حصل تحت الهواء ولاحقاً انتقل جمهور التيار إلى مهاجمة وشتم ضيوف الحلقة، لكن حين بدأ النائب عنهم شربل مارون بالحديث علا تصفيقهم وصراخهم".
أما عن الناشط في التيار الياس الزغبي والذي تعرض للكمات من أمن الأستديو فتقول "كان يجلس خلفي ورأيته يدير المجموعات شخصياً، يحرك جمهوره تارة ويسكته تارة أخرى، كما شاهدته يتلاسن مع أمن البرنامج ويتطاول عليهم وتردف "في النهاية بدأ أحد الحضور من التيار بالشتم والتطاول على الجميع ورفض الانصياع والسكوت، ليأتي أمن المحطة ويطلبوا منه الخروج فيحصل الهرج والمرج حينها".
عند خروج جمهور التيار "انتقل الإشكال إلى محيط المحطة" تتابع شعبان مضيفة "فيما بقينا في الداخل لعدم قدرتنا على المغادرة إلى أن وصلت القوى الأمنية وطوقت المنطقة".
ولفتت إلى أن نائب التيار وضيف البرنامج شربل مارون "قام بتحريض الحضور طيلة الوقت وغمزهم ورفع إشارة التيار لكنه اختفى عند بدء الاشكال تاركا المناصرين لمصيرهم، أما الضيفان النائب وضاح صادق والصحافي محمد نمر فبقيا معنا في الداخل ولاحقاً حين أمّن الجيش اللبناني خروجنا جميعاً، غادرا المكان".
ليست المرة الأولى
من جهتها، أكدت الصحافية والباحثة في مؤسسة سمير قصير وداد جربوع في اتصال مع "جسور" أن "مناصري الأحزاب السياسية في لبنان غير قادرين على الحوار وتقبل الآخر وما حدث الخميس في محطة MTV هو تغلب لمنطق القوة والتهديد على منطق الحوار" وأعلنت أن المؤسسة "تدين ما تعرضت له محطة MTV من تخريب وتحطيم للواجهات والشاشات والمعدات الصحافية ".
وإذ اعتبرت أن سلوك مناصري التيار الوطني الحر ليس بجديد أعادت التذكير باعتدائهم على مقرات إعلامية أخرى "اقتحموا جريدة الشرق وعلقوا صوراً للرئيس عون في المكاتب رداً على نشر مادة صحافية في الجريدة تنتقده".
وتضيف جربوع "كنا نتوقع أن تغلّب الأحزاب منطق الحوار والنقاش وتقبل الرأي الآخر على أي منطق آخر لكن هذا الأمر لم يحدث" مشيرة إلى أن "ما وثقته مؤسسة سمير قصير خلال 15 سنة من رصد وتوثيق الانتهاكات الثقافية والإعلامية كما تحركات 17 تشرين أكدت لنا أن مناصري الأحزاب السياسية وليس الأحزاب اعتدوا أكثر من مرة على المراسلين والمصورين خلال تغطيتهم الاعلامية".
ودون تردد أعلنت أن العهد السابق "كان يعتبر عهد القمع وكم الأفواه" الأمر الذي أكده تقرير صادر عن المؤسسة منذ يومين ويلخص واقع الحريات الإعلامية والثقافية خلال عهد الرئيس ميشال عون "كانت الأرقام صادمة إذ وثقنا أكثر من 800 انتهاك" معلنة أن "أنواع الانتهاكات كانت صادمة كما الأرقام" حيث تم توثيق "اغتيالات واعتداءات على صحافيين وإجبارهم على المثول أمام محاكم غير مختصة كما إجبار ناشطين على المثول أمام المحاكم العسكرية" إضافة إلى توثيق "اعتداءات من مناصري أحزاب وجهات أمنية على مراسلين خلال تغطيات 17 تشرين".
وأعربت جربوع عن تخوفها من تداعيات ما حدث خصوصاً في ظل الشغور الرئاسي "إما أن نكون قادرين على الحوار وتقبل الرأي الآخر وتقبل الانتقاد والنقد أو نبقى في الفوضى ونتحول من بلد كان يتغنى بالحريات إلى دولة بوليسية قمعية" مؤكدة أن "ما حدث بالأمس ينذر بالسوء لما يمكن توقعه في الأيام المقبلة مع رفض الأحزاب تحمل المسؤولية وإلقاء اللوم على الإعلام دوماً".
في المقابل أعلنت عن سياسة تنتهجها المؤسسة لدعم للصحافيين " نقدم تدريبات على صعيد السلامة الجسدية تحديداً للمراسلين الذين لا يعملون في مؤسسات عالمية، ليتمكنوا من التعامل مع الوضع خلال التغطيات الإعلامية على الأرض إضافة إلى تدريبهم لتطوير مهاراتهم الإعلامية".
وتحدثت عن خطوات أخرى للمؤسسة "نطالب بتغيير وتعديل القوانين المتعلقة بالمطبوعات وخصوصاً قانون الإعلام الجديد كما تعديل القوانين المتعلقة بالقدح والذم والتحقير التي تستخدم بطريقة استنسابية من قبل السلطة السياسية بحق الصحافيين والناشطين لإسكاتهم خلال التعبير عن آرائهم".
وفي التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2022 حصد لبنان المرتبة 130 بين 180 دولة، ليتراجع 23 مرتبة خلال عام واحد بعد أن كان في الـ 107 العام الماضي، بحسب التقرير الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود".