حين يغرز الإجرام أنيابه في براءة الأطفال، يصبح التكتّم على الجريمة أشد فتكاً منها. وخلافاً للقاعدة، في مجتمع ترهبه أصداء الفضيحة ويؤثر الصمت معظم الأحيان، عندما يتعلق الأمر بجرائم الاغتصاب، تحرّك والدان من بلدة عيتنيت جنوب لبنان عندما اكتشفا أن طفلتهما ابنة التسع سنوات تعرضت للإغتصاب على يد نازح سوري يبلغ من العمر 42 عاماً، وسارعا إلى الإبلاغ عنه لدى القوى الأمنية والإدعاء عليه. وعلى الفور، عملت مخابرات الجيش اللبناني في مدينة صور على توقيف المعتدي وبوشر التحقيق معه بإشراف القضاء المختص.
جرائم اغتصاب الأطفال تتوالى فصولاً في لبنان وبات التصدي لها أمراً ضرورياً بموازاة معالجة ذيولها على المعتدى عليه إضافة إلى العمل على تطبيق القانون إزاءها لينال الجاني عقابه.
الوعي ونظرة المجتمع
ما قام به والدا الطفلة الضحية جداً مهم، كما أشارت المعالجة النفسية دنيز أبي راشد في اتصال مع "جسور" واعتبرت أن "عدم سكوتهما ومواكبة ابنتهما من شأنه التخفيف من وطأة الجريمة عليها وتسهيل علاجها النفسي".
وأضافت "الطفلة الضحية ستشعر بالأمان لأنها وجدت من وقف إلى جانبها وتفهّم الظروف القاسية التي مرّت بها وما تملّكها من خوف وربما ما تحمله من ذنب لعدم مقاومتها الاعتداء".
الوعي إذا ضروري أما تكتم بعض الأهل على جريمة مماثلة فأكدت أبي راشد أن "آثاره النفسية والطبية على الضحية ستكون سلبية جداً".
ولم تنفِ أبي راشد إمكانية تأثير الفضيحة سلباً على مستقبل الفتاة "المجتمع ظالم وينظر إلى المرأة بعين قاسية" لكنها أكدت أيضاً أن "خضوع الطفلة للعلاج بطريقة جيدة سيحررها ويساعدها على تخطي نظرة المجتمع في المستقبل وتجبر الأخير أن يتقبلها".
تداعيات طويلة الأمد
تبعات الاعتداء الجنسي قد ترافق الضحية لسنوات كما أوضحت المعالجة النفسية "ما اختبرته الطفلة من عنف وصدمة سيكون له تداعياته النفسية الخطيرة على المدى البعيد حتى وإن تمت معالجتها على المدى القصير" شارحةً أن الأمر قد يصل بالضحية في المستقبل "لأن تكره ذاتها وتنظر بسلبية إلى الحياة الجنسية وإلى جسدها كما إلى علاقتها مع الرجل".
وأكدت أن "الاعتداء الجنسي على قاصر أمر خطير جداً ولتفادي دخوله في حال إكتئاب لا بد من تقديم المعالجة الدقيقة والمواكبة العائلية والنفسية لدراسة كل التفاصيل التي مرّت بها الضحية ومعرفة كيف عاشت الحادثة وإن ترافق الأمر مع صدمة ".
وفي ظل غياب الدولة عن تقديم المساعدة رفضت أبي راشد التذرع بارتفاع تكاليف العلاج "لا يجب أن تشكل عائقاً أمام الأهل بوجود جمعيات يمكن اللجوء إليها تقدم المعالجة النفسية مجاناً لضحايا الاكتئاب".
وتطرقت إلى حالة المعتدي "قد يكون مريضاً نفسياً أو لديه عدم اتزان أو ممن يتعاطون المخدرات والكحول".
العقوبة المشددة
وفي قراءة قانونية لجريمة الاغتصاب، أشار المحامي في القانون الدولي أمين بشير خلال اتصال مع "جسور" أن "القانون اللبناني عرّف جريمة الاغتصاب في المادة 503 منه بكونها الفعل المادي المتمثل بالجماع عبر الإكراه، المعنوي أو المادي والتهديد، وأعدّها جناية عقوبتها لا تقل عن خمس سنوات أشغال شاقة".
وأضاف بشير أن "القانون اللبناني نص على تشديد العقوبة أو تخفيفها" موضحاً أنها تشدد عند الاعتداء الجنسي على قاصر "تشدد العقوبة حين يكون المعتدى عليه أو عليها دون الخامسة عشرة من العمر ولا تقل العقوبة حينها عن 7 سنوات أشغال شاقة".
أما كون الجاني سوري الجنسية فلا يشكل مانعاً لتطبيق العقوبة عليه كما أفاد بشير "يملك القضاء اللبناني الصلاحية المكانية، باعتبار أن الجريمة وقعت على الأراضي اللبنانية وبالتالي يحق له محاكمة أي مرتكب لجريمة مهما كانت جنسيته أمام المحاكم اللبنانية ومعاقبته كما يعاقب اللبناني".