في بلد تغيب فيه المحاسبة والمحاكمات، تأتي المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لتخرق جزئيا حال اليأس المتجذّر في نفوس اللبنانيين لناحية الوصول الى العدالة ذات يوم. كبار من لبنان اغتيلوا على مرّ السنين، وآخرهم لقمان سليم، الباحث والناشط السياسي المعارض لحزب الله اللبناني، فكل من رفع الصوت عالياً باتهام النظام السوري وحزب الله يتم اسكاته كرسالة للجميع.
أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الخميس مذكرتي توقيف بحق عضوين في حزب الله هما حسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي، بعدما اعلنت في حكم استئناف فسخ تبرئتهما في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. وأعلن قضاة الاستئناف أن "غرفة الدرجة الأولى ارتكبت أخطاءً قانونية" في عام 2020 بتبرئتها الرجلين لأنها لم تجد حينها أدلة كافية. فلماذا أصدرت المحكمة الدولية التصحيح ولماذا تمّ توسيع حلقة المتّهمين؟
مشاكل مالية
يشير الكاتب والصحافي اللبناني علي حمادة في حديث لـ"جسور" الى أن "هذا القرار يدلّ الى أن هذه المحكمة كانت ولا زالت تعمل لإنهاء هذا الملف وهي واجهت في المرحلة الأخيرة مشاكل مالية فيما يتعلق بميزانيتها لكنها تلقّت دعماً مالياً من الامانة العامة للأمم المتحدة لإنهاء الملف قبل البت بمصير المحكمة ككلّ". فهل تكمل المحكمة الدولية في بقية القضايا أم تتوقف عند قضية الرئيس الشهيد الحريري، يقول حمادة "بهذه الحال هي مستمرة الى حين إغلاق هذا الملف ومن ثم إعادة التفكير في ما يمكن أن تفعله لناحية بقائها أم حلها، الى الآن هي باقية."
قرار ايراني – سوري
ويشدّد حمادة على أهمية الحدث المتعلق بتوسيع حلقة المتهمين والمحكومين التي أثبتت الأحكام مسؤوليتهم الى جانب عياش (سليم عياش عضو في حزب الله ومحكوم عليه بتهمة القتل عمدا في قضية اغتيال الحريري) في الجريمة ويقول:"مع توسّع مسؤولية الأفراد الذين جرت محاكمتهم يتضح أكثر فأكثر ان الجريمة لا تقع على مسؤولية شخص واحد وهو قيادي في حزب الله إنما هي جريمة مسؤول عنها عدة أشخاص والشبكة أوسع بكثير بما يدل أنه في مكان ما هذا حكم موجّه ضد حزب الله ومسؤولية حزب الله مباشرة في اغتيال الحريري، في التنفيذ أقلّه." ويوضح قائلاً:" طبعا قرار اغتيال الحريري أكبر من الحزب لوحده فكان قرارا واضحا وكان قرارا سوريا - ايرانيا مشتركا نفّذه حزب الله بوسائله وعبر فرق الاغتيال التي يمتلكها على الأرض."
دلالات واضحة
ويشير حمادة الى أنه تم "تكريس وترسيخ التهمة على حزب الله باعتباره الجهة المسؤولة بالرغم من أن المحكمة لم توجه التهمة الى الحزب بشكل واضح انما مندرجات الأحكام وحيثياتها كلها تدلّ أنها شبكة واسعة وتدل الى انتماءاتهم وطريقة ارتكاب هذه الجريمة الارهابية تدل بأن تنظيماً كبيراً يقف وراء هؤلاء المحكومين وان هذا التنظيم هو حزب الله من دون اغفال مسؤولية النظام السوري في الجريمة".
تصحيح الحكم
وأدانت غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الخميس عضوين من حزب الله في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وأصدرت مذكرتي توقيف بحقهما. وقررت الغرفة وفق ما أعلنت رئيستها القاضية إيفانا هردليشكوفا "بالإجماع فسخ حكم تبرئة حسن مرعي وحسين عنيسي" وقالت "نعلن بالإجماع" أنهما "مذنبان"، في قرار جاء بعد إدانة المحكمة في أغسطس/ آب 2020 عضواً آخر في حزب الله هو سليم عياش بتهمة القتل عمدا في قضية اغتيال الحريري وسط بيروت في 2005، وحكمت عليه غيابيا في ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته بالسجن مدى الحياة. وأعلن قضاة الاستئناف أن "غرفة الدرجة الأولى ارتكبت أخطاء قانونية" في 2020 بتبرئتها الرجلين لأنها لم تجد حينها أدلة كافية. وصرحت غرفة الاستئناف في بيان أنها "خلصت إلى أن غرفة الدرجة الأولى ارتكبت أخطاءً قانونية أبطلت الحكم وأخطاءً في الوقائع أدت إلى إنكار العدالة".
خلية حزب الله
واعتمد ملف القضية على أدلة ظرفية بشكل تسجيلات هواتف جوالة قال المدعون إنها أظهرت أن خلية لحزب الله خططت للهجوم. واعتبر المدعون وقضاة الاستئناف أن أدلة أظهرت أن هواتف جوالة استخدمها مرعي وعنيسي، إلى جانب هاتف ثالث، بمثابة إثبات على ضلوعهما في اغتيال الحريري. وقالت القاضية هردليشكوفا إن الملف يظهر عددا كبيرا من المحادثات عبر هواتف جوالة مختلفة استخدمها المتهمون في الساعات التي تلت اغتيال الحريري، مضيفة أن "أدلة اتصالات تظهر أن السيدين مرعي وعنيسي ... تخلصا في الوقت نفسه من هواتفهما بعد الهجوم". وقالت القاضية إنه تم التوصل "من دون أي شك معقول" إلى أن مرعي "دخل بعلمه وبإرادته في اتفاق للمشاركة في ارتكاب عمل إرهابي، وتحديدا اغتيال السيد الحريري بواسطة متفجرات". ولطالما رفض حزب الله تسليم المتهمين أو حتى الاعتراف بالمحكمة التي أصدرت مذكرة توقيف دولية في حق عياش بعد إدانته.
ترحيب الشقيقين
ورحّب رئيس الحكومة اللبنانية الاسبق سعد الحريري، نجل رفيق الحريري بالقرار وقال في بيان إنه "يجدّد ثقته التامة والتزامه الكامل بما يصدر عن المحكمة الخاصة بلبنان"، داعياً "الدولة اللبنانية بكل سلطاتها وأجهزتها العسكرية والأمنية، إلى العمل على توقيف المدانين وتسليمهم".
بدوره، رحب شقيقه بهاء الحريري (الذي يسعى للعب دور سياسي في لبنان) بالقرار وغرد على حسابه على تويتر: "إعلان المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عن إبطال حكم تبرئة قتلة والدي الشهيد رفيق الحريري، وإدانة المتهمين يعتبر انتصاراً لسيادة القانون والعدالة."