في حادثة غير مسبوقة، يتكرّر مسلسل اقتحام المصارف اللبنانية من قبل المودعين وإجبار الموظفين بالقوّة على تحرير جزء من ودائعهم المحجوزة، ليصبح المثل والمثال لكثير من المواطنين الذين حُرموا من جنى أعمارهم، بعد تسلّط البنوك على ودائعهم من دون مسوّغ قانوني، ولم يراعوا أبسط الحاجات المعيشية الضرورية لآلاف العائلات التي سقطت تحت خط الفقر.
وجديد حلقاته هذه المرة ما عاشه اللبنانيون على وقع حدثين يمسّان الغالبية العظمى منهم، ففي منطقة السوديكو (إحدى ضواحي العاصمة بيروت)، نجحت اللبنانية سالي حافظ في أخذ وديعتها من بنك "لبنان والمهجر" والمقدّرة بـ13 ألف دولار بعد دخولها إليه مسلّحة لمعالجة شقيقتها المريضة بالسرطان.
وبعد وقت وجيز، نجح مودع آخر ويدعى شرف الدين بالحصول على مبلغ ٣٠ ألف دولار أميركي بعد اقتحامه مصرفًا آخر في منطقة عاليه الشوفية، بحسب ما أعلنت جمعية المودعين.
"مقاومة مشروعة"
وتعليقًا على مجريات اقتحام المصرفين المذكورين، رأى مؤسّس رابطة المودعين، هادي جعفر في اتصال مع "جسور"، أنّ هذا المسار هو طبيعي بعدما فقد المواطن اللبناني الأمل بالدولة وأجهزتها وجزء كبير من القضاء لتحصيل حقّه.
وقال جعفر: "في النهاية المعادلة واضحة، هناك مودع له مدخّرات محتجزة بشكل غير قانوني، وبالتالي هذه المعادلة تُوضح بشكل لا يقبل الشكّ من هو المجرم ومن هو المعتدي والمظلوم، وما حصل اليوم في "السوديكو" و "عاليه" هو "مقاومة مشروعة" لاستعادة الحقّ من الذين اغتصبوه".
وفي سياق حديثه، أكّد مؤسّس رابطة المودعين، أنّ استيفاء الحقّ بالذات يصبح مشروعًا، عندما يَستنفد المودع كل سبل الحل عبر القضاء ولم يصل إلى نتيجة.
"لا سياسة ولا قضاء"
من جهتها، فسّرت الخبيرة الاقتصادية، ليال منصور، مشاهد اقتحام المصارف التي تتكرّر في الآونة الأخيرة، قائلة إن من يقتحم المصارف في بلد لا توجد فيه قوانين ولا سياسة واضحة ولا قضاء، لا يمكن إطلاق عليه صفة "المجرم"، فمن الطبيعي في هذه الحالة أن يأخذ كل مودع حقّه على طريقته.
وأكدت منصور في حديث لـ "جسور"، أن على الجميع أن يتضامن مع "سالي" و"شرف الدين" الذين تحلّيا بالجرأة والشجاعة وعملا على استعادة حقّهما الطبيعي من المصارف التي سرقت جنى عمر المواطنين.
"عملية مدبّرة"
بنك "لبنان والمهجر" علّق على حادثة الاقتحام، معتبرًا أن ما حصل كان مدبرًا ومخططًا لها عن سابق تصور وتصميم بقصد الإيذاء.
وأوضح في بيان أن "للعملية حسابًا في فرعنا في السوديكو، ولم تحضر إلى الفرع أو تقم بأي عملية مصرفية من أي نوع كان منذ أكثر من عام ونصف عام".
وأشار إلى أن "يوم أمس، قامت العميلة بزيارة الفرع واجتمعت بمديره وطلبت منه إمكانية مساعدتها في سحب مبلغ من حسابها لعلاج شقيقتها المريضة، وأبدى مدير الفرع التعاون التام وطلب منها تزويده بالمستندات لمساعدتها، إلّا أن الفرع تفاجأ هذا الصباح بحضور العميلة المذكورة مع شقيقتها المسلّحة بمسدس مع مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين احتجزوا الموظفين والزبائن، وقاموا برمي مادة البنزين على الموظفين والموجودين داخل الفرع، مهددين بحرقهم، وحطموا بعض محتويات الفرع، كما هددوا الموجودين بالسلاح وأجبروا مديره وأمين الصندوق على فتح الصندوق واستولوا على المبلغ الموجود فيه".
وتتكرر من حين لآخر حوادث اقتحام المودعين للمصارف اللبنانية للمطالبة بسحب أموالهم المجمدة، مما يعكس خطورة الأوضاع الأمنية في البلاد، التي تعاني أوضاعا اقتصادية صعبة.
ويقول المودعون إن البنوك تعمد إلى احتجاز ودائعهم من دون سابق إنذار أو تفرض قيودا مشددة على سحبها.
وفي أغسطس/ آب الماضي، احتجز مسلح رهائن بمصرف "فدرال بنك" في لبنان، وسلّم نفسه لقوات الشرطة، بعد اتفاق على تسلم جزء من ودائعه المالية لعلاج والده.
ووافق المسلح على تسليم نفسه بعد قبوله بأخذ 30 ألف دولار من ودائعه في البنك، التي قال إنها تفوق 200 ألف دولار.
ويعاني لبنان من أوضاع اقتصادية صعبة منذ نحو ثلاث سنوات، تسببت بانهيار قيمة العملة المحلية، وأزمة في قطاع المصارف والصيرفة.