غداة انتهاء الاستشارات النيابية غير الملزمة، حمل رئيس الحكومة اللبنانية المكلف نجيب ميقاتي، صباح الاربعاء، تشكيلة حكومته الجديدة إلى قصر بعبدا وأعلن في مؤتمر صحافي أنه سلم الرئيس عون "التشكيلة الحكومية التي يراها مناسبة".
وفي ظل الضغوط الدولية على لبنان إضافة إلى المتغيرات الكبيرة في المنطقة، وداخلياً إعلان كتل نيابية لبنانية بارزة، على رأسها القوات اللبنانية، والكتائب اللبنانية وكذلك كتلة التغييريين المنبثقين من ثورة 17 تشرين، رفضها المشاركة في حكومات الوحدة الوطنية التي يدعو ميقاتي دوماً إليها، يبقى مصير الحكومة العتيدة غير واضح المعالم.
واستقبل ميقاتي على مدى يومين من الاستشارات النيابية غير الملزمة، الإثنين والثلاثاء، النواب للاستماع الى آرائهم في شكل الحكومة الجديدة قبل عرضها على الرئيس للموافقة عليها، بعد أن كُلّف تأليفها إثر استشارات نيابية ملزمة نال فيها ميقاتي 54 صوتا مقابل 25 صوتاً لنواف سلام، سفير لبنان السابق لدى الأمم المتحدة، فيما امتنع 46 نائباً عن تسمية أحد.
كاملة الأوصاف
إسراع الرئيس المكلف في عرض تشكيلته الحكومية، يفسره الصحافي علي حمادة في حديث لـ"جسور" على أنه محاولة من قبله " لترؤس حكومة كاملة الأوصاف في مدة زمنية لا تتجاوز الشهرين أي حتى نهاية شهر آب / اغسطس المقبل إذ في حال فشله، سيبقى على رأس حكومة تصريف أعمال عاجزة ومكبلة اليدين قانونياً دستورياً، مع ما يرسله ذلك من إشارات سلبية للدول التي تقف خلف صندوق النقد الدولي بأن لبنان لا يزال بلداً معطلاً".
ويرى حمادة أن شكل الحكومة العتيدة يبدو مختلفاً من حيث العدد والتمثيل "ميقاتي لا يسعى خلف حكومات فضفاضة عددياً، تتمثل فيها جميع القوى السياسية، كما تطالبه بعض الجهات السياسية كحزب الله والتيار الوطني الحر، بل إلى حكومة عمل متوسطة الحجم بحدود الأربعة والعشرين وزيراً، مع الإبقاء على ما أمكن من الأسماء الموجودة في الحكومة الحالية لتفادي الدخول في بازار التفاوض على الأسماء والحصص وتحويل الحكومة إلى ساحة صراعات سياسية، فيستهلك الوقت المتبقي قبل أن تصبح مشلولة بشكل كامل".
العراقيل
إلا أن الأمور ليست جميعها بيد الرئيس ميقاتي يتابع حمادة "فتوقيع الرئيس أساسي والأخير له حسابات مختلفة تتجاوز الإنجاز، خصوصاً بعد نتائج الانتخابات الكارثية التي أثبتت ابتعاد الصوت المسيحي الصرف عن التصويت لتياره".
وكشف عن مشاكل عدة تعترض مهمة ميقاتي في تشكيل حكومته "بدءاً باعتكاف عدد من الكتل النيابية عن هذه التوليفة الحكومية، مروراً بوجود تصور عربي أن لا تغيير يرتجى قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون وإن تشكلت حكومة بأفضل المواصفات لكونه مستعداً لعرقلتها وصولاً إلى الأهم أي دخول لبنان في حقل الجاذبية لمعركة الرئاسة وانخراط عون وتورطه في معركة إيصال صهره إليها" لافتاَ إلى أن "المسار السابق للرئيس عون في تشكيل الحكومات يؤكد أنه جهة معرقلة، لسعيه الدائم إلى توسيع حلقة مكاسبه السياسية حتى في ذروة التسوية مع الرئيس الأسبق للحكومة سعد الحريري".
وفي معركة الرئاسة، لم يستبعد حمادة رغبة الرئيس عون بتشكيل حكومة جديدة "رغم حصوله على تمثيل وازن في الحكومة الحالية إلا أنه يفضل تمثيلاً سياسياً مباشراً وليس بالوكالة، من خلال شخصيات مواجهة يمكن الاعتماد عليها في معركة رئاسة الجمهورية" لكنه أوضح أن الرئيس" لن يرضى سوى بشروط تناسبه وتسمح له بأن يكون مع التيار الوطني الحر الشريك المسيحي شبه الحاسم من خلال ضمان حصوله على الثلث المعطل، وذلك في ظل غياب القوات اللبنانية، صاحبة التكليف المسيحي الوازن، والكتائب والتغييرين وبعض المستقلين" مشيراً الى أنه يسعى للحصول على وزارات وازنة "إن كان سيادية أو خدماتية أو استراتيجية بالمعنى الاقتصادي كوزارة الطاقة كونه يعتبرها أهم من وزارة الخارجية وسيادية أكثر منها كذلك وزارة الاتصالات والعدل".
أما وإن لم تتوفر هذه الشروط يتوقع حمادة "المزيد من الضغط على الرئيس ميقاتي والامتناع عن التوقيع فتأخذ الأمور مداها في الاخذ والرد والتفاوض".
نهاية العهود
من جهة ثانية، لفت حمادة إلى خطورة المرحلة المقبلة "التاريخ أثبت أن نهاية كل عهد في لبنان تفتح الباب واسعاً على أزمات كبيرة" واعتبر بالتالي أن "احتمالات بقاء عون في قصر بعبدا على ضآلتها واردة إذ إن نشوب أزمة في البلد من شأنها أن تبقيه في سدة الرئاسة خصوصاً وأن تحالفات كبيرة تنشأ في المنطقة وحزب الله بات مضغوطاً أمام حلف شبيه بحلف الناتو يركب في المنطقة بين أكثر من عشر دول في حلف دفاعي من شأنه أن يشكل خطرا ًعلى إيران" لافتاً إلى أن الولايات المتحدة الأميركية" أعادت النظر بشأن علاقاتها مع العالم العربي وتعيد تصحيحها بعد حرب أوكرانيا".