بالرغم من أن العراق بلد غني بالنفط وموارده الطبيعية، إلّا أن الفقر يخنقه، والبطالة تلتهم فئة الشباب فيه بشكل مخيف، وذلك نتيجة للفساد المستشري منذ عقود فضلا عن غياب الاستقرار السياسي والأمني.
عشرات الخريجين العاطلين عن العمل خرجوا إلى الشارع في محافظة المثنى جنوبي العراق، الأحد الماضي، وراحوا يطالبون بالحصول على وظائف حكومية.
وفي تصريح أقل ما يقال فيه إنه يائس، قال أحد منسقي التظاهرة: "ليس مهما أن يقتل متظاهر أو اثنين، الأهم أن يتوظف البقية". وجاء ذلك قبل أن يصب مادة البنزين على جسده في محاولة لإضرام النار فيه، ويمنعه المتظاهرون من ذلك.
هذه الحادثة أثارت جدلاً واسعاً في العراق، وألقت الضوء مجدداً على أزمة البطالة الحادة التي يعاني منها العراقيون.
هدر عشوائي
وبحسب عضو مجلس إدارة اتحاد رجال الأعمال العراقيين، عبد الحسن الزيادي، فإن "هناك زهاء 8 ملايين شخص عاطل عن العمل في العراق، وأغلبهم من فئة الشباب، وذلك بسبب سوء إدارة الدولة، التي اعتمدت برنامجاً لتأمين وظائف داخل مؤسساتها، ففاق عدد الموظفين في القطاع العام الـ7 ملايين ونصف مليون موظف، وذلك بدلاً من أن تدعم القطاع الخاص وقوانينه، خصوصاً وان جميع المشاريع الصناعية والزراعية وغيرها هي اليوم متوقفة".
وقال الزيادي، في حديث لـ"جسور"، إن "الإستثمار في النفط يضيع بسبب الهدر العشوائي ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة، واستمرار العراق على هذا الحال قد يمنع الدولة من تسديد رواتب الموظفين في القطاع العام، فالأموال التي تجنيها من النفط يجب أن تُسخّر في خدمة الشعب العراقي وفي بناء مشاريع حديثة تقنية تخدم القطاع الخاص والدولة".
وتابع: "نسبة العراقيين الذين يرزحون تحت خط الفقر وباتوا في مراحل الجوع تفوق الـ30%، ويعيش هؤلاء على بعض الإعانات ومساعدة أولادهم وأقاربهم، فيما الدولة مشغولة بالمشاكل التي تخص السياسيين والفساد الذي أصبح ظاهرة مستشرية وعطّل كل برامج الدولة، حتى الموازانات التي يجهل المواطن من أين تأتي وإلى أين تذهب، بدلاً من أن تكون شفافة".
تفاقم الأزمة
بدوره، رأى الخبير الاقتصادي العراقي باسم أنطوان، في حديث لـ"جسور"، أن "البطالة تنتهي مع عودة قطاعات الزراعة والصناعة والسياسة والخدمات إلى العمل، لكن للأسف هذه القطاعات الإنتاجية قد بدأت بالتدهور، ونسبة البطالة في العراق تجاوزت الـ30%".
وتابع: "يتخرج سنويّاً ما بين 170 و180 ألف طالب من الكليات والمعاهد لكنهم لا يجدون فرص عمل، ما ينذر بتفاقم أزمة البطالة". كما أشار أنطوان إلى أنه "لو تم الإستثمار بالمبالغ التي تأتي من الريع النفطي بشكل جيد وسليم ومن دون فساد لكانت حُلّت مشكلة البطالة". ولفت إلى أن "الحكومة ومجلس النواب يتحملان مسؤولية البطالة في العراق، وعدم الاستقرار السياسي يلعب دوراً في ذلك، إضافة إلى كثرة القوانين والتشريعات مقابل قلة التنفيذ".
بيانات رسمية
ومنذ أشهر، كشفت بيانات رسمية ارتفاع معدلات البطالة في العراق إلى مستويات غير مسبوقة منذ ثلاثة عقود، على الرغم من ثروة البلاد النفطية الضخمة.
وأشارت الإحصاءات الصادرة عن البنك الدولي إلى أن مستوى البطالة في العراق بلغ 13.7 في المئة، وهو المعدل الأعلى منذ عام 1991، ما ينذر بتفاقم حالة سخط شعبي قد يقود إلى احتجاجات مماثلة للاحتجاجات العارمة التي اندلعت عام 2019 وأدخلت البلاد في أزمة كبيرة.
والشباب كانوا من بين أكثر الفئات التي تضررت من تراجع الاقتصاد وارتفاع مستوى البطالة، إذ يشير البنك الدولي إلى أن هذه الفئة شهدت ارتفاعا ملموسا بلغ 36 في المئة بسبب الأوضاع الاقتصادية المتأزمة وتداعيات الوضع الأمني.
ويؤكد البنك الدولي أن العراق يعد من بين البلدان التي يشكل الشباب فيها نسبة عالية من عدد السكان الذين قدر عددهم في عام 2018 بحوالي 38.5 مليون نسمة.
وقال إن ما يقارب نصف الشباب في العراق هم دون سن 19 عاما وحوالي الثلث بين 15 و29 عاما.