لم يعد تلوّث البيئة مشكلة محلية أو تقتصر على الدول الصناعية الكبرى، فقد باتت مشكلة عالميّة بسبب تراكم تأثيراتها وتأجيل تنفيذ الحلول. ففي حين يشهد العالم تغيراً مناخياً، إذ تواجه بعض البلدان التلوث البيئي، ولا سيما البلدان الصناعية، إلا أن أثر تلوث الهواء يسري على العراق وإقليم كردستان أيضاً.
ووفقا لدراسات دولية، فإن العراق هو أضعف دولة في الشرق الأوسط في مواجهة تهديدات تغير المناخ، والتغيّر في العراق هو أسرع بسبع مرات من التغير العالمي في المناخ.
العواقب المرتبطة بتلوث البيئة، تجلت في أواخر القرن الماضي، منها الاحتباس الحراري وذوبان الجليد الطافي في القطب الشمالي وانبعاث الجزيئات الدقيقة والمرض أو الموت، كلها تأثيرات ضارة تتزايد يوماً بعد يوم، بالرغم من قمة غلاسكو الأخيرة ونتائجها التي اعتبرت مبشّرة، وبالرغم من توقيع 190 دولة اتفاقية باريس للمناخ في نهاية 2016، والتي تهدف إلى وقف ارتفاع حرارة الأرض عبر خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، واضطرت 55 دولة تمثل 55% على الأقل من الانبعاثات العالمية إلى التوقيع على المعاهدة.
قضاة وشرطة للبيئة
حذّرت وزارة البيئة العراقية أخيراً، من ارتفاع ملحوظ في مؤشرات التلوث البيئي في البلاد، مُلوّحة بعقوبات قانونية للمخالفين من مؤسسات الدولة.
وكيل وزارة البيئة جاسم الفلاحي، أكدّ أن "مؤشرات التلوث عالية ونحن لدينا منظومة إنذار ورصد، وقسم كبير منها يعمل عن بُعد، ويُعطي مؤشرات يومية عن واقع التغيّرات التي تحصل في نوعية الهواء والمياه والتلوث في التربة"، مبيّناً أنّ "التزاماً ضعيفاً يحدث من قبل مؤسسات القطاع الخاص والوزارات بالتعليمات البيئية، باعتبارها المُسببة الأكثر للتلوث".
وأضاف أنّ "الوزارة جادّة في تطبيق القانون، ولن تتساهل في هذا الجانب ولدينا مئات القضايا المرفوعة أمام القضاء، إذ نبدأ بالإنذار ومن ثم الغرامة فاللجوء إلى القضاء، لمحاسبة المخالفين قوانين الحفاظ على البيئة"، مشددا على أنّ ذلك يتمّ "بدعم من السلطة القضائية، حيث تم تكليف عدد من القضاة للنظر في القضايا البيئية، وبدعم من الشرطة البيئية التي تم استحداثها أخيرا لكي تكون أداة مهمة جداً لترافق المراقب البيئي في أداء عمله، وهو تطور نوعي لتطبيق القانون".
في المقابل، يُعتبر العراق "أكثر البلدان هشاشة للتغيرات المناخية" بعد عقود من الحروب والإهمال، فاقمت حالات التلوث إلى درجة لا يمكن إحصاؤها، فهناك المناطق التي كانت ساحات حرب، طالها التلوث باليورانيوم المنضب، كما هو الحال في جنوب العراق، أو التلوث الناتج عن الفوسفور الأبيض الذي استخدمته القوات الأميركية في معارك الفلوجة عام 2004.
وستصل آثار هذه الأسلحة المحرمة دولياً إلى الأجيال المقبلة، عبر ارتفاع ملحوظ في الأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية عند حديثي الولادة.
زيادة تلوث الهواء
وتعليقا على ما تقدّم، أكد الباحث البيئي المهتم في شؤون المياه والأهوار، أحمد صالح نعمة، في حديث لـ "جسور" أن ما أعلنته وزارة البيئة العراقية هو أمر واقعي ومتوقع، واتهام وزارة البيئة لوزارات أخرى اتهام حقيقي وصحيح كون الوزارات الحكومية هي من أكثر الوزارات المسبّبة للتلوث وإن لم تكن هي صاحبة التلوث بالشكل المباشر فهي صاحبة التلوث بعدم منع القطاع الخاص من إنتاج الملوثات.
وكشف نعمة، أنه في محافظة ميسان فقط، يوجد "أكثر من 100 معمل لا يزال يعتمد الأساليب القديمة وجزء قليل منها نصّب فلاتر للمحروقات، ناهيك عما تنتجه الشركة الصينية في ميسان من طبقات من الغيوم الكثيفة والتي تغطي مساحات شاسعة من الأهوار والمناطق المتاخمة لها، مما تسبّب ايضا بإصابات كثيرة وعديدة تحتاج لإحصاء دقيق من قبل وزارتي الصحة والبيئة، كما تحتاج إلى قوة وإرادة سياسية لإتخاذ قرارات تجاه الشركات المستثمرة في القطاع النفطي" بحسب قوله.
الدول مسؤولة أيضاً
بدورها، علّقت العالمة العراقية والخبيرة في التلوث البيئي، إقبال لطيف جابر، على تحذير وزارة البيئة العراقية من خطر التلوث، لافتة إلى أن "الأخيرة لم تحدد ما إذا كان هذا التلوث كيميائي أم إشعاعي". مؤكدة أنه "بحكم بحوث أجريتها في مواقع عدة، وجدت أن ثمة تلوث كيميائي وآخر إشعاعي. والأخير يعود سببه إلى استخدام قوات التحالف الدولي قذائف اليورانيوم والقنابل العنقودية وغيرها وهي من أخطر الملوثات بالنسبة للبيئة".
وتابعت جابر أن تحذير الوزارة "جاء متأخراً، لكن على أمل أن تكون هذه النهضة البيئية من قبلها جادة لإنقاذ الأجيال من هذا الخطر، خصوصا مع انتشار أنواع كثيرة من الأمراض السرطانية"، وذلك برأي جابر ناتج بشكل أساسي عن "استخدام قوات التحالف لأطنان من قذائف اليورانيوم التي رميت على العراق". وفي الإطار، طالبت جابر، الحكومة العراقية كما الجامعة العربية بالذات اللجوء إلى القضاء لتقديم شكوى ضد الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وقوات التحالف التي شاركت في حرب العراق وكذلك الدول التي ساعدت واشنطن بأي دعم لوجستي وشاركت في حربها على البلاد.
وعن معالجة هذه المشكلة، لفتت جابر إلى أنه "لا بد من تشكيل لجنة مكوّنة من وزارات عدة لدراسة أسباب التلوث والنهوض به من خلال المعالجة الحقيقة بمخاطبة مجلس الأمن الدولي أو استدعاء سفراء الدول التي شاركت في حرب العراق وإلزام بلدانهم بإزالة التلوث البيئي ودفع تعويضات مادية تقدّر بالمساحة المصابة بالتلوث في العراق الذي يفتقر للوقاية من التعرض للإشعاع".
وحمّلت جابر تلك الدول، مسؤولية تلوث الهواء والماء والتربة وانتشار الامراض السرطانية والتشوهات الخلقية وانتشار الأمراض النادرة، إضافة إلى الفساد الإداري الذي منع وصول المواد الأدوية الطبية لمعالجة المرضى وكذلك التعتيم على ظهور هذه السرطانات.
ويعدّ التلوث الإشعاعي واحداً من المخاطر الأخرى التي تهدد البيئة العراقية، وفي وقت سابق، طالبت وزارة البيئة بتخصيص مبلغ 4 ملايين دولار لتخليص العراق من التلوث الإشعاعي في البلاد بشكل تام.
وقال مدير عام دائرة التلوث الإشعاعي في الوزارة، صباح حسن الحسيني، في تصريح سابق، إن دائرته "بصدد تقديم خطة إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، لإقرار موازنة لا تزيد عن 4 ملايين دولار، للفريق المكلف بتخليص العراق من آثار التلوث الإشعاعي".
ووفقا لدراسات دولية، فإن العراق هو أضعف دولة في الشرق الأوسط في مواجهة تهديدات تغير المناخ، والتغيّر في العراق هو أسرع بسبع مرات من التغير العالمي في المناخ.
العواقب المرتبطة بتلوث البيئة، تجلت في أواخر القرن الماضي، منها الاحتباس الحراري وذوبان الجليد الطافي في القطب الشمالي وانبعاث الجزيئات الدقيقة والمرض أو الموت، كلها تأثيرات ضارة تتزايد يوماً بعد يوم، بالرغم من قمة غلاسكو الأخيرة ونتائجها التي اعتبرت مبشّرة، وبالرغم من توقيع 190 دولة اتفاقية باريس للمناخ في نهاية 2016، والتي تهدف إلى وقف ارتفاع حرارة الأرض عبر خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، واضطرت 55 دولة تمثل 55% على الأقل من الانبعاثات العالمية إلى التوقيع على المعاهدة.
قضاة وشرطة للبيئة
حذّرت وزارة البيئة العراقية أخيراً، من ارتفاع ملحوظ في مؤشرات التلوث البيئي في البلاد، مُلوّحة بعقوبات قانونية للمخالفين من مؤسسات الدولة.
وكيل وزارة البيئة جاسم الفلاحي، أكدّ أن "مؤشرات التلوث عالية ونحن لدينا منظومة إنذار ورصد، وقسم كبير منها يعمل عن بُعد، ويُعطي مؤشرات يومية عن واقع التغيّرات التي تحصل في نوعية الهواء والمياه والتلوث في التربة"، مبيّناً أنّ "التزاماً ضعيفاً يحدث من قبل مؤسسات القطاع الخاص والوزارات بالتعليمات البيئية، باعتبارها المُسببة الأكثر للتلوث".
وأضاف أنّ "الوزارة جادّة في تطبيق القانون، ولن تتساهل في هذا الجانب ولدينا مئات القضايا المرفوعة أمام القضاء، إذ نبدأ بالإنذار ومن ثم الغرامة فاللجوء إلى القضاء، لمحاسبة المخالفين قوانين الحفاظ على البيئة"، مشددا على أنّ ذلك يتمّ "بدعم من السلطة القضائية، حيث تم تكليف عدد من القضاة للنظر في القضايا البيئية، وبدعم من الشرطة البيئية التي تم استحداثها أخيرا لكي تكون أداة مهمة جداً لترافق المراقب البيئي في أداء عمله، وهو تطور نوعي لتطبيق القانون".
في المقابل، يُعتبر العراق "أكثر البلدان هشاشة للتغيرات المناخية" بعد عقود من الحروب والإهمال، فاقمت حالات التلوث إلى درجة لا يمكن إحصاؤها، فهناك المناطق التي كانت ساحات حرب، طالها التلوث باليورانيوم المنضب، كما هو الحال في جنوب العراق، أو التلوث الناتج عن الفوسفور الأبيض الذي استخدمته القوات الأميركية في معارك الفلوجة عام 2004.
وستصل آثار هذه الأسلحة المحرمة دولياً إلى الأجيال المقبلة، عبر ارتفاع ملحوظ في الأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية عند حديثي الولادة.
زيادة تلوث الهواء
وتعليقا على ما تقدّم، أكد الباحث البيئي المهتم في شؤون المياه والأهوار، أحمد صالح نعمة، في حديث لـ "جسور" أن ما أعلنته وزارة البيئة العراقية هو أمر واقعي ومتوقع، واتهام وزارة البيئة لوزارات أخرى اتهام حقيقي وصحيح كون الوزارات الحكومية هي من أكثر الوزارات المسبّبة للتلوث وإن لم تكن هي صاحبة التلوث بالشكل المباشر فهي صاحبة التلوث بعدم منع القطاع الخاص من إنتاج الملوثات.
وكشف نعمة، أنه في محافظة ميسان فقط، يوجد "أكثر من 100 معمل لا يزال يعتمد الأساليب القديمة وجزء قليل منها نصّب فلاتر للمحروقات، ناهيك عما تنتجه الشركة الصينية في ميسان من طبقات من الغيوم الكثيفة والتي تغطي مساحات شاسعة من الأهوار والمناطق المتاخمة لها، مما تسبّب ايضا بإصابات كثيرة وعديدة تحتاج لإحصاء دقيق من قبل وزارتي الصحة والبيئة، كما تحتاج إلى قوة وإرادة سياسية لإتخاذ قرارات تجاه الشركات المستثمرة في القطاع النفطي" بحسب قوله.
الدول مسؤولة أيضاً
بدورها، علّقت العالمة العراقية والخبيرة في التلوث البيئي، إقبال لطيف جابر، على تحذير وزارة البيئة العراقية من خطر التلوث، لافتة إلى أن "الأخيرة لم تحدد ما إذا كان هذا التلوث كيميائي أم إشعاعي". مؤكدة أنه "بحكم بحوث أجريتها في مواقع عدة، وجدت أن ثمة تلوث كيميائي وآخر إشعاعي. والأخير يعود سببه إلى استخدام قوات التحالف الدولي قذائف اليورانيوم والقنابل العنقودية وغيرها وهي من أخطر الملوثات بالنسبة للبيئة".
وتابعت جابر أن تحذير الوزارة "جاء متأخراً، لكن على أمل أن تكون هذه النهضة البيئية من قبلها جادة لإنقاذ الأجيال من هذا الخطر، خصوصا مع انتشار أنواع كثيرة من الأمراض السرطانية"، وذلك برأي جابر ناتج بشكل أساسي عن "استخدام قوات التحالف لأطنان من قذائف اليورانيوم التي رميت على العراق". وفي الإطار، طالبت جابر، الحكومة العراقية كما الجامعة العربية بالذات اللجوء إلى القضاء لتقديم شكوى ضد الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وقوات التحالف التي شاركت في حرب العراق وكذلك الدول التي ساعدت واشنطن بأي دعم لوجستي وشاركت في حربها على البلاد.
وعن معالجة هذه المشكلة، لفتت جابر إلى أنه "لا بد من تشكيل لجنة مكوّنة من وزارات عدة لدراسة أسباب التلوث والنهوض به من خلال المعالجة الحقيقة بمخاطبة مجلس الأمن الدولي أو استدعاء سفراء الدول التي شاركت في حرب العراق وإلزام بلدانهم بإزالة التلوث البيئي ودفع تعويضات مادية تقدّر بالمساحة المصابة بالتلوث في العراق الذي يفتقر للوقاية من التعرض للإشعاع".
وحمّلت جابر تلك الدول، مسؤولية تلوث الهواء والماء والتربة وانتشار الامراض السرطانية والتشوهات الخلقية وانتشار الأمراض النادرة، إضافة إلى الفساد الإداري الذي منع وصول المواد الأدوية الطبية لمعالجة المرضى وكذلك التعتيم على ظهور هذه السرطانات.
ويعدّ التلوث الإشعاعي واحداً من المخاطر الأخرى التي تهدد البيئة العراقية، وفي وقت سابق، طالبت وزارة البيئة بتخصيص مبلغ 4 ملايين دولار لتخليص العراق من التلوث الإشعاعي في البلاد بشكل تام.
وقال مدير عام دائرة التلوث الإشعاعي في الوزارة، صباح حسن الحسيني، في تصريح سابق، إن دائرته "بصدد تقديم خطة إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، لإقرار موازنة لا تزيد عن 4 ملايين دولار، للفريق المكلف بتخليص العراق من آثار التلوث الإشعاعي".