يبدو أن الأزمة الإقتصادية في لبنان لم تؤثر فقط على الناحية المالية والمعيشية للأفراد بل على الحب أيضاً. إذ أظهرت آخر الدراسات تراجعاً في أعداد عقود الزواج مقابل ارتفاع في نسبة المهاجرين "الهاربين" من لبنان مع تعمّق هوة الإنهيار الاقتصادي والمالي في البلاد. هذه الظواهر ترافقت مع رغبة لدى الجيل الشاب وخصوصاً اللبنانيات بالزواج من شخص أجنبي بحثاً عن استقرار مفقود في لبنان.
"الحب لا يكفي" عبارة نسمعها دائماً في مجتمعاتنا العربية في ظل الواقع الإقتصادي المتردي الذي يحول دون تأسيس أسرة لصعوبة الوضع المعيشي. من هنا تأثرت العلاقات العاطفية في لبنان بشكل مباشر بالأزمة الراهنة، وهذا ما شرحته المعالجة النفسية المتخصصة في الاسستشارات الأسرية ومعالجة الإدمان، الدكتورة دنيز أبي راشد في حديثٍ لـ "جسور".
"الحب الأجنبي"
شهدت نسب عقود الزواج تراجعاً ملحوظاً منذ العام 2019 تزامناً مع الأزمة الاقتصادية التي ترافقت مع ارتفاع هائل في كلفة الحصول على مسكن أو حتى الإيجار وسط تدنٍ ملحوظ لرواتب الموظفين مقابل الدولار، بحيث لا يتخطى الحد الأدني للأجور 700 الف ليرة لبنانية.
يضاف الى كل هذا رسوم الكهرباء والمياه والمأكل والمشرب اي الكلفة الاستهلاكية المعيشية الباهظة.
وفي حال الإنجاب، يترتب على الأهل تأمين مستلزمات الطفل من حليب وحفاضات ودواء ومستلزمات العناية في حين أن بعض هذه المواد مفقود أو صعب الحصول عليها.
في هذا الاطار، أكدت المتخصصة في الإسستشارات الأسرية ومعالجة الإدمان، الدكتورة دنيز أبي راشد، أن "الشق المادي لا طالما لعب دورا في العلاقات العاطفية كيف بالأحرى في ظل الأزمات الاقتصادية؟" وتابعت، "للأزمة الإقتصادية اللبنانية تأثير مباشر على معدلات الزواج إن كان لأسباب مالية أو نفسية أيضاً؛ فالقدرة المالية تشكل أبرز التحديات للثنائيات وعند انخفاضها ستتغير العادات الاستهلاكية لهم من ناحية الانفاق".
وتعتبر أبي راشد، أن "الشاب اللبناني اليوم والفتاة أيضاً غير قادرين على شراء منزل وتحمل الأعباء المالية المترتبة عن ذلك وحتى انجاب الأطفال لذلك يرون أن هذا الخيار في الوقت الراهن شبه مستحيل".
من هنا تشرح أبي راشد، "استسهال الفتيات تحديدًا الارتباط بشاب أجنبي كنوع من الهروب من الواقع الدراماتيكي في البلاد والبحث عن استقرار مادي وبيئة ملائمة لها"، و"يتسم هذا النوع من الزواج بالغاية والمصلحة اذ تبحث اللبنانيات عن شريك أجنبي يؤمن لها ما تعذر عليها ايجاده في الشريك اللبناني خصوصاً وأن نسبة الشباب القادرين على القيام بهكذا خطوة انخفضت كثيراً واختار بعضهم الهجرة بحثاً عن مستقبل أفضل وخيارات أخرى خارج لبنان".
تراجع نسب الزواج
وتشير دراسة أعدتها الدولية للمعلومات عن واقع الحال في لبنان، الى تراجع في أعداد عقود الزواج وبالتالي نسب الزواج في لبنان بين عامي 2019 و2020، وهو أمر يؤشر إلى ما هو الحال عليه حالياً مع تعمق الانهيار المالي والاقتصادي، ففي عام 2019 بلغ عدد العقود 34076، فيما تراجع إلى 29493 في 2020، أي أن نسبة التراجع بلغت 13.5 في المئة. أما نسبة التراجع عما كانت عليه في الفترة السابقة أي بين 2015 إلى 2019 فبلغت 17.9 في المئة.
وترافق هذا الأمر مع تراجع في عقود الطلاق، ولكن بنسبة أقل حيث بلغت 11.1 في المئة، أي أن التراجع في نسب الطلاق أقل من الزواج.
وانسحب الأمر على الولادات التي تراجعت من 86584 عام 2019 إلى 74049 عام 2020 أي تراجع بنسبة 14.5 في المئة.
في المقابل، ازدادت نسبة المهاجرين من البلاد وهو ما أظهرته دراسة جديدة للمؤسسة نفسها، ففي الفترة بين 2017 إلى 2021 هاجر 215653 شخصاً، وحظي عام 2021 بحصة الأسد حيث بلغ عددهم 79134 مهاجراً أو مسافراً من لبنان.