في وقت يواصل فيه دولار السوق السوداء في لبنان ارتفاعه بعدما تجاوز سعر صرف الدولار الواحد الـ37000 ليرة لبنانية، استضافت "جسور" عبر مساحة "سبايس"، الخبير الإقتصادي البروفسور جاسم عجاقة، والعضو في رابطة المودعين علي نور الدين، والمتخصص بالشأن الاقتصادي خالد أبو شقرا، والمحلل السياسي محمد عويس تحت عنوان "الدولار يحلق والمصارف تنازع.. ماذا ينتظر المودعين؟".
الخبير الإقتصادي البروفسور جاسم عجاقة أشار إلى أن "الوزن الثقيل الذي يحدد مصير العملة الوطنية هو الثروة الوطنية، وذلك عملا بالمبدأ الإقتصادي الذي يقول إن "العملة تعكس ثروة البلد"، لكن في لبنان، الدين العام هائل، ويستهلك اللبنانيون دولارات لا ينتجوها، والثروة المفترضة وهي الغاز قابعة بالبحر، لا نعرف إن كنا سنستخرجها في مرحلة قريبة أم لا".
ولفت عجاقة إلى مشكلتين أساسيتين في الاقتصاد اللبناني ساهمتا بتسريع إنهيار قيمة العملة، الأولى أنه لدينا خلل إقتصادي في البنية الاقتصادية، والثانية أن الدولارات التي تخرج من لبنان لا تدخل دولارات أخرى مكانها إلا بواسطة الودائع أو التحاويل أو المستثمرين، وذلك إضافة إلى المالية العامة التي تستهلك أيضا دولارات لا تنتجها، كدفع إيجارات السفارات والقنصليات المتوزعة على العالم، والدراسات الخارجية، وغيره".
وتابع: "التضييق بدأ قبل إنتفاضة 17 تشرين، ولكن هذه الإنتفاضة أظهرت أن هناك خللاً سببه الأزمة السياسية والفساد والهدر، وازداد الوضع سوءا مع دعوة رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق حسان دياب مصرف لبنان عام 2022 للإستمرار بالدعم، ما اعتُبر استنزافا ميكانيكيّاً بإحتياط المصرف المركزي".
ورأى عجاقة ان "الحل هو بإصلاحات هيكلية قادرة على أن تصلح الاقتصاد وأن تسمح بتخفيف الطلب على الدولار الخارجي، وأن نصبح منتجين صناعيّاً للسلع المستوردة الأكثر استهلاكا".
كتلة خسائر
من جهته، لفت العضو في رابطة المودعين علي نور الدين، إلى أن الودائع لم "تطِر بشخطة قلم"، بل على مراحل نعرفها جيّداً، ولدينا حولها ما يكفي من العلم والمتابعة".
واعتبر نور الدين أن "ما أدّى إلى تطيير الودائع هو كتلة من الخسائر التي تراكمت، وتحديدا بين العامي 2011 و2019 وانكشفت مع الإنهيار المصرفي، واستمرت لاحقاً بالتنامي".
وقال: "منذ التسعينات نشأ في لبنان نموذج اقتصادي ريعي بُنِيَ على قطاعات إقتصادية معينة غير منتجة، من موضوع المضاربات العقارية إلى انتفاخ القطاع المصرفي، وفي العام 2011 دخل لبنان مرحلة العجوزات المتتالية في ميزان المدفوعات، ومنذ ذلك الحين بدأ إنفاق دولارات المودعين بعملية تمويل التحويلات إلى الخارج والدفاع عن سعر الصرف".
وتابع: "وفي العام 2016 كانت الكارثة الكبرى مع عمليات الهندسات المالية التي درت أرباحا ضخمة جدا لنافذين في القطاع المالي من أصحاب مصارف وكبار المودعين على شكل فوائد فاحشة وخيالية، وهذه العملية بشهادة صندوق النقد والخبراء كانت السبب الأساسي لتراكم كتلة الخسائر الموجودة".
بدوره، رأى المتخصص بالشأن الاقتصادي خالد أبو شقرا، أن "هناك مجموعة معقدة من الأزمات السياسية، ومنصة "صيرفة" لم تكن تجربة ناجحة، بل ساهمت بخسارة المزيد من الدولارات".
و
أضاف: "كذلك كمية الفساد الموجودة في لبنان، إذ أشارت التقارير إلى أن نسبة التهرب الضريبي في الناتج المحلي هي 50%".
ولفت أبو شقرا إلى أن "هناك فساداً سياسيّاً كبيراً تحدث عنه تقرير الأمم المتحدة الذي أشار إلى أن هناك شراكة كبيرة بين السياسيين والمصارف".
وبدوره، شدد المحلل السياسي محمد عويس على أن التجارب في العالم تثبت أن ما يعيشه لبنان ليس حالة فردية بل هناك دول أخرى واجهت المصير الاقتصادي نفسه واستطاعت الخروج منها.
المشكلة سياسية
وفي مداخلة خاصة عبر مساحة "سبايس"، قال الدكتور ميشال شماعي، وهو كاتب ومحلل سياسي ورئيس دائرة الأجهزة والإنتشار في حزب القوات اللبنانية، إنه "لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة، فأساس المشكلة في لبنان لم يكن يوما إقتصاديّاً بل سياسيّاً، والسياسة هي التي أدت إلى أزمة إقتصادية وليس العكس".
وتابع: "لكن المشروع السياسي الذي بات موجوداً في لبنان هو مشروع الجمهورية الإسلامية في إيران، حيثُ يدير الحرس الثوري الإيراني البلاد مقابل إقتصاد شبه منهار، كما حصل في سوريا واليمن العراق واليوم لبنان".
واعتبر شماعي أن "ما وصلنا إليه في لبنان في السياسة والإقتصاد، تمّ التخطيط له منذ العام 1982، وهذا المشروع الذي يحاول أن يكون القائد والرائد في المنطقة، يحاول أن يرينا نموذجاً عن الإقتصاد الذي يريده، من القرض الحسن إلى حزب مسلح يقود الأمن ويحرك السياسة ويستخدم سلاحه في الداخل وغيره".
وأضاف: "إن لم نعالج الوضع السياسي لن نستطيع معالجة الوضع الاقتصادي، ويجب تثبيت وجود الدولة سياسيا، لتتمكن من استعادة ثقة العالم بها، لكن يؤسفني أن أقول إن نظرتي غير متفائلة حيال الوضع، فنحن نمرّ بمرحلة صعبة، وقد وصلنا إلى نفق أسود بعده إقليمي ودولي".