مع طي صفحة الانتخابات النيابية اللبنانية، وفي عزّ ترتيب المطبخ التشريعي وقبيل الاستحقاق الحكومي وصولا الى الرئاسي، يُتوقع أن يشهد لبنان حراكاً عربياً ودولياً سعياً وراء انتشاله من معضلاته الاقتصادية والمالية والحياتية، وذلك في ظل ارتياح المجتمع الدولي لإجراء الانتخابات واعتبارها منحى ايجابياً على رغم بعض الشوائب.
وتصريح وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، الذي أكد فيه أن انتخابات لبنان قد تكون خطوة إيجابية، وأن الأمر سيتوقف على ما إذا كان هناك إصلاح سياسي حقيقي يعيد فرض سلطة الدولة، ويحارب الفساد، إضافة إلى إصلاح اقتصادي حقيقي، دليل على أن المملكة العربية السعودية كانت ولا تزال حاضرة لمّد يد العون للبنان لمساعدته على الخروج من أسوأ أزمة اقتصادية تضرب البلاد.
وبالنسبة للبنان، فإن عودة دول الخليج العربية، بقيادة السعودية، تكتسي أهمية خاصة مع معاناته من انهيار اقتصادي مدمر، يعد أشد عوامل زعزعة الاستقرار في البلاد منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990.
هيمنة "حزب الله"
وفي قراءة سعودية في المشهد اللبناني يرى أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة والأمن الفكري وعضو مجلس في كلية الملك خالد العسكرية، الدكتور نايف الوقاع، في حديث لـ"جسور"، أنّ اهتمام الوطن العربي بلبنان ليس جديداً، فلبنان دولة شقيقة وله إسهامات في الثقافة والآداب والسياحة والإدارة المصرفية وغيرها..، مضيفا أن العرب يفتقدون الدور اللبناني الذي كان فاعلا ومؤثرا، لكن للأسف لبنان باتت نقطة مؤلمة في تاريخ العرب لما يتعرض له من أحداث أثّرت بشكل مباشر وكبير على الوضع المعيشي وطبعا هيمنة "حزب الله" والتدخلات الإيرانية لزج بيروت في ميدان صراع ، لبنان في غنى عنه.
وبيّن الوقاع، وجود محاولات كثيرة من المملكة العربية السعودية ومن دول مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية لعودة لبنان إلى سابق عهده أي إلى دوره الريادي، لافتا إلى أنّ الأحداث الدولية الكبرى قد تضعف الاهتمام بالشأن اللبناني، كون العالم حاليا يصبّ تركيزه على الأوبئة العالمية التي تشكل خطرا متزايدا فضلا عن الغزو الروسي لأوكرانيا، ولبنان غارق في صراعاته اللامتناهية.
امتعاض شعبي
وعن الانتخابات النيابية الأخيرة، قال الوقاع إنها أفرزت مزاجا لبنانيا شعبيا ممتعضا من الوضع الراهن ولا يقبل ما يطرحه الساسة ، تلك الوجوه التي لم تتغيّر منذ سنوات طويلة وهم يتبادلون الأدوار والكراسي سواء في البرلمان أو في رئاسة الدولة والحكومة، لهذا يرى الوقاع أنه على جميع العرب أن يستثمروا هذا المزاج الشعبي اللبناني الذي أفرز خسارة لـ"حزب الله" وبالتالي الخروج بحكومة لبنانية تمثل أطياف الشعب اللبناني وتعمل على تحقيق أمنياته.
وتابع الوقاع أن هذا الموضوع لا يمكن معالجته فقط من خلال التصريحات، فـ"حزب الله" لن يسكت بل سيعطّل عمل الحكومة وسيهدّد وسيبتز خصوصا في ظل توترات متزايدة، وهنا يلفت الوقاع عبر "جسور" إلى أنّ كل الأحداث والتطورات تدفعنا للقلق من أن يُزج بلبنان مرة أخرى ليكون كبش فداء للطموح الإيراني في المنطقة.
دعم سعودي
وفي الإطار، أكد الوقاع أن السعودية وقياسا على ما مضى لن تتردد في دعم ومؤازرة لبنان في كل أمر يخرجه من هيمنة "حزب الله"، والرياض تقدّر الشعب اللبناني ولديها علاقة قوية وبارزة مع تيارات سياسية لبنانية، فالسعودية لا يُحسب عليها في لبنان فقط تيار المستقبل أو حتى السنّة في لبنان بحسب الوقاع، فالدور السعودي دائما وأبدا دور بناء وإيجابي في لبنان، على الرغم من محاولات البعض لتشويه هذا الدور، ولكن المنجز على الأرض يثبت أن هذا الدور لا يمكن تجاوزه ولا يمكن المساس به وتشويهه.
ويشدّد الوقاع، على مسؤولية اللبنانيين كما القيادات التاريخية في لبنان كون الأحداث الدولية والصراعات الموجودة ربما تجعل البلاد تعيش على الهامش لفترة طويلة إن لم ينتهز لبنان هذه الفرصة ليقدّم نفسه مرة أخرى أنه قادر على الإصلاح الجذري الذي يبعده عن المحور الإيراني.
ووسط مؤشرات على تجدد الاهتمام السعودي بلبنان، يعتقد محللون أن الرياض ستناور بحذر بدلا من العودة بالكامل إلى بلد لا يزال "حزب الله"، يملك أسلحة يتفوق بها على الجيش الوطني نفسه.