بعد سنوات من غياب المحاكم والسلطات القضائية واختلاف سيطرة الجهات العسكرية، وفي إطار السعي إلى إعادة ترميم العلاقات بين أبناء المنطقة وتعزيز التماسك المجتمعي، أعلنت 5 جمعيات ومنظمات مدنية تشكيل لجان للوساطة المجتمعية، في ريف محافظة دير الزور شرقي سوريا، وأطلقت حملة مدنية، تحت عنوان "الصلح خير"، وذلك في المناطق الخاضعة لنفوذ "قوات سوريا الديمقراطية".
وتستند لجان الوساطة المجتمعية في عملها، إلى مزيج من القانون السوري والقوانين الدولية ذات الصلة وتشريعات حقوق الإنسان.
من المستفيد؟
وعن هذه الحملة وأهدافها، تحدث مدير منظمة "إنصاف للتنمية" واحدى الشخصيات المشاركة في الحملة محمد المحمد لـ"جسور"، لافتا إلى أنّ لجان الصلح المحلية، تعمل منذ عام، وقد نجحت في حل مشكلات تتعلق بقضايا معيشية، كتوزيع المساعدات على الأهالي، أو تنظيم توزيع الكهرباء والماء والخبز، وحل قضايا الخلافات الشخصية بين سكان المنطقة والنازحين من مناطق أخرى، في ظل نقص الموارد والأزمة الاقتصادية، وصولاً إلى المشكلات الناتجة عن حوادث المرور والابتزاز عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من القضايا التي تُقلق السلم والاستقرار المجتمعيين.
وتابع المحمد، أن لجان الوساطة المجتمعية وخلال عملها ساهمت بحل قضايا متعددة منها خلافات عشائرية وقضايا ثأر أو قتل، أو خلافات متعلقة بمسائل الطلاق والزواج والميراث بين أفراد العائلة الواحدة، مشيرا إلى أنّ نحو نصف مليون شخص، استفادوا من عمل هذه اللجان بشكل مباشر.
وبيّن أنّ لجان الصلح تنشط في مدينة هجين والقرى التابعة لها، وبلدات أبو حمام والكشكية بالريف الشرقي، وبلدة محيمدة والقرى التابعة لها، وبلدة جديد بكارة وما يتبعها، وبلدة البصيرة وما يحيطها من قرى.
مذكرات تفاهم
وفي السياق، قال المحمد:"عقدنا اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع المجالس المدنية والتشريعية التي تدير تلك المناطق"، منوهاً بأن فريق المنظمة يقوم بمراجعة القضايا التي يتم تدوينها لدى ديوان لجان الصلح: "ثم نعقد ندوات جماهيرية وورشات تدريبية، بهدف نشر أفكار تعزز القيم المجتمعية، واستخلاص العبر والحلول وطرحها على أكبر شريحة من المستفيدين".
وأوضح أنه يتم الاعتماد على خبرات أعضائها ومعارفهم من وجهاء وأصحاب دراية بالأعراف والعادات والتقاليد، التي تسهم في ترسيخ مبدأ الصلح ونحض الأهالي والمشاركين على التخلّي عن العنف، والمحافظة على النسيج الاجتماعي الذي مزقته سنوات الحرب السابقة، كما أن بينهم محامون وقانونيون لهم معرفة بالقانون نتيجة عملهم السابق في محاكم الدولة.
ثقافة القانون
وفي رده على أهمية الحملة، يقول الناشط أيمن علاو إن الحملة مدعومة من "مؤسسة الشارع للإعلام والتنمية"، بالتشارك والتعاون مع المنظمات الخمس المحلية الفاعلة في مناطق ريف دير الزور الشرقي، ويتابع: "هذه المناطق ذات طابع قبلي عشائري تغيب عنها الدوائر والمحاكم المختصة بعد سنوات من الحروب، وأهمية هذه الحملة نشر ثقافة القانون والصلح المجتمعي واللجوء إلى دور القضاء".
ويضيف علاو: "المشاركون في اللجان هم شيوخ وزعماء ووجهاء القبائل، ونخبة من القانونيين والمحامين، ممن لديهم خبرة في حل القضايا المجتمعية"، وتشارك سيدة في كل لجنة لوجود قضايا ومشاكل تتطلب عمل النساء إلى جانب الرجال لفهم حيثيات الدعوى.
وأكد أيمن علاو: "استهدفنا جيل الشباب وطلاب الجامعات، وأعضاء المنظمات الأهلية الفاعلة، كما نشرنا لافتات وصوراً وكتابات على مداخل الشوارع الرئيسية والفرعية، ووزعنا منشورات للتعريف بالحملة".
يذكر أن محافظة دير الزور شرق البلاد، باتت منقسمة عسكرياً منذ آذار/مارس 2019، بين أطراف عسكرية متعددة، إذ تخضع جهتها الجنوبية وجزء من الشرقية ومركز المحافظة للقوات الحكومية الموالية للنظام السوري، فيما تخضع المدن والبلدات المحاذية لضفة نهر الفرات الشمالية، لسيطرة "قوات قسد"، وتدير المنطقة هياكل حكم محلية ومجالس مدنية وتشريعية خاضعة لـ"مجلس دير الزور المدني".