لطالما اعتُبرَ قطاعُ التعليم في لبنان بمثابة مرفق وطنيّ تأسيسي، غير أنه يمرّ حاليًا بمنعطفٍ حرج، أرخى بظلاله ثقلاً على المعلّمين والأهالي وكذلك الطلاب، في وقت تستمرّ المدارس الخاصّة والرسميّة مسيرتها في ظلّ ظروف جِد صعبة.
مما لا شك فيه أن المعلّم في لبنان يعيش أسوأ مراحل حياته، والحديث مع الأساتذة يكشف حجم المعاناة التي يعيشونها بسبب الأزمة المالية والاقتصادية. وفي هذا الصدد، أجرى مركز الدراسات اللبنانية (محمد حمود الباحث الأول ومدير مشروع في مركز الدراسات اللبنانية، ومها شعيب رئيسة المركز)، مسحًا للعام حول تأثير الأزمة الراهنة على القطاع التعليمي في لبنان، في سبيل تقييم أداء الحكومة اللبنانية ووزارة التربية والتعليم العالي والضغط عليها لوضع خطة لمواجهة الأزمة، شمل 2700 ولي أمر (89٪ من أطفالهم يلتحقون بالمدارس الخاصة و11٪ يلتحقون بالمدارس الرسمية) و1512 معلمًا ومعلمة (57٪ في المدارس الخاصة و43٪ في المدارس الرسمية) موزّعين على جميع المحافظات الثماني.
تداعيات الأزمة على المعلمين
وفي حديث لـ"جسور"، أشار الباحث الأول ومدير مشروع في مركز الدراسات اللبنانية محمد حمود إلى أن انهيار قيمة الليرة اللبنانية أدّى إلى انخفاض قيمة رواتب المعلمين بنسبة تجاوزت 90٪.
وبينما استفاد البعض من تعويضات مالية إضافية، الا أنّ رواتبهم لا تزال منخفضة للغاية، إذ لا يمكنهم تغطية نفقات معيشتهم الأساسية."
وأضاف، "وفقًا للمشاركين في المسح، يبلغ متوسط الدخل الشهري للمعلم(ة) 131 دولارًا، في حين أنّ تكاليف النقل الشهرية تبلغ 128 دولارًا، فيتبقى في جعبتهم 3 دولارات فقط لتلبية احتياجاتهم طوال الشهر، ما أوصل الكثير من المعلمين والمعلمات (66٪) اللجوء إلى وظيفة ثانية من أجل تغطية نفقات معيشتهم. وأفاد ثلثا هؤلاء أيضًا بأنهم يُضطرون إلى اقتراض الأموال لتأمين الاحتياجات الأساسية."
وتابع "73٪ من المعلمين والمعلمات أفادوا بأنهم يواجهون صعوبات في دفع فواتيرهم، و99٪ منهم أشاروا إلى أن الأزمة حرمتهم من الوصول إلى الخدمات الطبية."
تداعيات الأزمة على أولياء الأمور
ولفت الباحث الأول ومدير مشروع في مركز الدراسات اللبنانبة محمد حمود الى أن "التحدّيات الراهنة تهدّد مستقبل الأطفال الأكاديمي حيث أفاد 72٪ من أولياء الأمور بأنهم قد لا يستطيعون تحمّل تكاليف تعليم أطفالهم، فيما أشار 10٪ منهم إلى أنّ أطفالهم قد يضطرون إلى دخول سوق العمل مبكرًا".
وفنّد حمود معاناة الأهالي مشيرًا الى أن" 7 من أصل كل 10 أولياء الأمور أفادوا بأنّ مدرسة أطفالهم تطالب بدفع جزء من الأقساط المدرسية بالدولار الأمريكي بالإضافة إلى الكلفة بالليرة اللبنانية التي لا تنفك تتفاقم.
ومقابل هذه الزيادة في الأقساط المدرسيّة، يبلغ معدل دخل الأسرة الشهري الذي أبلغ عنه أولياء الأمور 462 دولارًا، ما يعني أنّهم ينفقون 42٪ من دخلهم السنوي على تعليم طفل واحد، في وقت لا تشمل هذه الأرقام تكاليف التعليم الإضافية مثل الكتب والقرطاسية."
وعلى صعيد متصل، أشار حمود الى أن "الأطفال في لبنان فوّتوا جزءًا كبيرًا من دراستهم على مدى السنوات الثلاث الماضية، الأمر الذي قد يدمّر مستقبلهم الأكاديمي. ووفقًا لثلث أولياء الأمور والمعلمين والمعلمات الذين شملهم المسح، أدت الأزمة إلى تراجع أداء الأطفال الأكاديمي وسلامتهم النفسية بشكل عام، بينما ترك 10٪ مدارسهم، وأعاد 15٪ صفهم الدراسي."
عام دراسي على المحك
وسط هذه المعطيات التي قد تضع مصير العام الدراسي على المحك، شدّد محمود على أن مركز الدراسات اللبنانية يطالب وزارة التربية والتعليم العالي بوضع خطة تعليمية للعام الدراسي الجديد تشمل "تطوير خطّة العودة للمدرسة في القطاعين العام والخاص في بداية العطلة المدرسية وعدم ترك الحلول حتى نهاية الصيف، ومعالجة المشاكل التقنية التي تعيق حصول المعلمين والمعلمات على التعويضات الإضافية ودفع كل الرواتب والحوافز المستحقة، إضافة إلى تعديل رواتب المعلمين والمعلمات بما يتناسب مع معدّلات التضخم وزيادة تكاليف المعيشة."
كما يطالب مركز الدراسات اللبنانية "بتعديل بدل نقل المعلمين والمعلمات، وبضمان حصول المعلمين والمعلمات على الخدمات الطبية والأدوية اللازمة، وبوضع سقف لزيادة الأقساط، وبتزويد الأسر الأكثر حرمانًا بعض المنح الدراسية التي من شأنها أن تغطّي تكاليف التعليم والنقل، وبمراجعة المنهج الدراسي الحالي، وبزيادة المساءلة والشفافية، إضافة الى صرف الهبات والمنح من الممولين للمستفيدين بقيمتها الأصلية واتخاذ الترتيبات اللازمة لعدم فقدان هذه الهبات لقيمتها بسبب السياسات المصرفية لمصرف لبنان، وإنشاء طاولة مستديرة تجمع الأطراف المعنية من الوزارة والممولين وممثلي الأهالي والمعلمين والمجتمع المدني والأكاديميين والباحثين لمتابعة سير العام الدراسي والتصدّي لمشاكله."