أزمة الكهرباء المستمرّة منذ عقود في لبنان، تتوالى فصولاً وتدخل أخيرًا من باب تهديد اللبنانيين بالعتمة الشاملة، فالعقد مؤجل الدفع والمُوقع في أيلول/سبتمبر 2021 مع الدولة العراقية لتأمين الفيول، شارف على الإنتهاء، ولا حديث عن تجديده حتى الآن. في المقابل يبدو أن البدائل المطروحة من قِبل وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال تواجه عقبات كثيرة تحول دون البت بها.
أمام دولة عاجزة وغائبة، لا ينعم اللبنانيون في الآونة الأخيرة سوى بساعتين أو ثلاث من التغذية لتتحكّم بهم مافيا المولدات الخاصة في ما تبقى من ساعات النهار، مقابل فاتورة باهظة اضطرت بسببها، عائلات كثيرة للانتقال إلى بدائل بدائية أو تركيب الطاقة الشمسية وإن بطريقة عشوائية.
سنة دون حلول
الفيول العراقي يشكّل المصدر الوحيد للطاقة الكهربائية في لبنان، أما وقد اقترب استحقاق العقد، تنطلق خبيرة النفط اللبنانية كريستينا أبي حيدر من هذه النقطة لتعرض المشكلة، وفي اتصال مع "جسور" تسأل "ماذا فعلت الدولة خلال سنة وهي على معرفة مسبقة أن العقد مع الدولة العراقية مدته سنة؟" وتلفت "رغم كون العقد مع العراق جيد لأنه مؤجل الدفع ومقابل خدمات، إلا أنه يكفي بل يعتبر ماكينة تضخ الأوكسيجين موقتًا".
وتشير أبي حيدر إلى أن اللبنانيين يعيشون في الدوامة ذاتها كل سنة بسبب دولتهم "لا حلول مستدامة، وأوقات التغذية لا تتجاوز الثلاث ساعات وأحيانًا يطرأ تأخير على الشحنة العراقية، فتتوقف المعامل عن إنتاج الكهرباء إلى حين وصولها، إذ لا يعمل سوى معمل أو اثنين على الفيول العراقي".
الدولة لا تريد
تقاعس الدولة عن إيجاد الحلول مردّه كما تشرح أبي حيدر "إلى عدم وجود إرادة سياسية لتأمين الكهرباء" معتبرة أن "كل ما كان القطاع فوضويًا كل ما أمّن بيئة جيدة للفساد والاستفادة"، أما ما عدا ذلك من وعود فيدخل ضمن إطار "البطولات الوهمية والإعلامية لوزراء الطاقة فقط لا غير".
وتطرح خبيرة النفط خطة كان يجدر بالحكومة اعتمادها "خلال سنة كان لديها الفرصة للمحافظة على كمية الفيول العراقي لأن آخر شحنة تصل في آب/أغسطس والعقد المؤجل الدفع يستحق في أيلول/سبتمبر، بالتالي كان يجدر بها دفع مستحقات الدولة العراقية كمبادرة حسن نية لترضى الأخيرة بتجديد العقد".
كما لفتت إلى أن مساعي وزير الطاقة لاستيراد الفيول الجزائري لن تنجح ايضًا للسبب عينه، "المبادرة جيدة وإن جاءت متأخّرة إنما بكل الأحوال كيف سيؤمن المال؟"
تأمين المال ضرورة إذًا، ولطالما نادت أبي حيدر بتصحيح تعرفة الكهرباء كبداية لإيجاد المال إضافة إلى تعيين هيئة ناظمة "مبادرتان إصلاحيتان لم يقدم عليهما وزير الطاقة الحالي ومن سبقوه" تشرح أبي حيدر، "ليبقى الوضع على ما هو عليه ولتمرير صفقات مع مستوردي المازوت".
غموض وتجاوزات
في المقابل، عرضت أبي حيدر إلى ما يلف العقد مع العراق من غموض "كان من المفترض فتح حساب في مصرف لبنان لأجل العقد والمبادلة، لكن من يعلم إن فُتح الحساب أم لا وإن بدأنا بالمبادلة أم لا؟"، كما لمحت إلى وجود تجاوزات "إقرار قانون خاص بالفيول العراقي المؤجل الدفع في مجلس النواب، على أن يتم الدفع مقابل خدمات على سعر صيرفة، يعد سابقة، باعتبار أن سعر صيرفة غير ثابت ولا يتم عبر منصة قانونية".
وانطلاقًا من معادلة "لا مال لا كهرباء" سألت أبي حيدر "في النهاية ماذا تفيد الساعات القليلة حين تتحدث الحكومة عن خطة تعافي اقتصادية واستنهاض للبلد؟" وتقول "يُقاس مدى تطوّر وإنتاجيّة الشعوب بمقدار ما لديها من كهرباء".