مع انتهاء عطلة عيد الأضحى المبارك، بدأ العد التنازلي لحسم الاستحقاقات الانتخابية والأنظار بجميع أشكالها تتجه نحو القوى السياسيّة الكردية والشيعية، بانتظار حسم الأسماء التي ستنال الحظ الأوفر في تولي منصبي أعلى سلطتين تنفيذيتين هما رئيسَي الجمهورية ومجلس الوزراء.
وسط ذلك، لا يزال الجمود السياسي في العراق مستعصيًا إلى أبعد الحدود، ورغم ضبابية الوضع وعدم اتضاح الصورة حول الملامح النهائية لشكل المرشحين لتولّي منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، فهل تشهد الأيام القليلة المقبلة تفاهمات متقدمة تصل الى أبعاد جيّدة في طريق حسم الاستحقاقات الانتخابية والذهاب إلى تشكيل الحكومة وبالتالي حصول "انفراجة قريبة" للأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ ثمانية أشهر؟
العامري يحسم الجدل!
في تحوّل سياسي جديد تشهده الساحة العراقية، أعلن زعيم كتلة "الفتح" هادي العامري، أحد أبرز زعماء تحالف "الإطار التنسيقي" المدعوم من طهران، قراره عدم المشاركة في الحكومة المقبلة المزمع تشكيلها، نافيًا بذلك تقارير إعلامية تحدثت عن ترشّحه للمنصب.
ولم يوضح العامري ما إذا كان المقصود بعدم مشاركته سيشمل كافة تحالف "الفتح" الذي يضم عددًا من الأجنحة السياسية لفصائل "الحشد الشعبي"، أم أنه يتحدّث عن منظّمة "بدر" التي يتزعّمها وتمتلك 4 مقاعد فقط في البرلمان.
وتعليقًا على قرار العامري، رأى رئيس مركز آسيا للدراسات الاستراتيجية، الدكتور قاسم بلشان التميمي، في اتصال مع "جسور"، أنّ إعلان الأخير انسحابه من تشكيل الحكومة، يأتي من باب رفع سقف المفاوضات سواء كانت مفاوضات مع الكتل السياسية الأخرى أو مفاوضات مع أطراف او أفراد داخل الإطار التنسيقي نفسه، قائلا: "لا أستبعد أنّ إعلان العامري عدم مشاركته في الحكومة المقبلة يأتي ردًا على تدخلات خارجية ورفضه بعض مطالب هذا التدخل".
وفي وقت سابق، أمل زعيم تحالف الفتح، أن "نشهد خلال الأيام القليلة المقبلة، انفراجة حقيقية، وتجاوزًا لكل الأزمات، واستكمالاً للاستحقاقات المنتظرة"، مضيفًا: "نأمل أن يتقدم المخلصون هذه المسيرة وهم يرون المسؤولية تكليفًا وليست تشريفًا، ويرون خدمة الشعب رفعة لهم في الدنيا والآخرة".
تحذير من تفجّر الشارع
ورأى التميمي لـ "جسور"، أن "الشارع يمرّ بخيبة أمل كبيرة، مع اتساع رقعة الفقر والبطالة، وعودة أي من الأسماء السابقة للحكومة الجديدة، مثل نوري المالكي، ستكون مجازفة كبيرة وخطوة كفيلة بتفجير الشارع مجددًا وربما مقاومة شعبية قد تؤدي بالبلاد الى أمور لا تُحمد عقباها"، وقال إن "تعذّر ترشيح شخص جديد غير مجرب سابقًا، فإن الذهاب لانتخابات مبكرة هو الخيار الأفضل للعملية السياسية".
وحذّر التميمي، ممّا وصفه باستفزاز الشارع، عبر اختيار رئيس الوزراء الجديد، واعتبر أن "خروج تظاهرات جديدة بالفترة المقبلة وارد جدًا، وقد تكون تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019 أمامها مجرد نزهة".
خلاف محتدم
ولم تنجح الجهود التي تبذلها الوساطات العراقية والإيرانية في حل الخلاف المحتدم منذ نحو تسعة أشهر بين الأحزاب الكردية على مرشح رئيس الجمهورية في العراق، والذي رسا العرف السياسي في البلاد منذ عام 2003 على أن يكون من نصيب القوى السياسية الكردية.
وتعثرت عدة وساطات للتوفيق بين الحزبين الكرديين الرئيسين (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني) للتوصل إلى "مرشح تسوية" للمنصب.
وكانت آخر هذه الوساطات، محاولة لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، من أجل حسم الخلاف، لكن حتى الآن لم يتحقق أي تقدم، مع مغادرة الجنرال الإيراني الإقليم بعد لقاءين عقدهما مع زعماء الحزبين في أربيل والسليمانية.
وهنا يبيّن التميمي، أنّ مشكلة اختيار رئيس الجمهورية إذا ما حلّت، فان العمليّة السياسيّة ستشهد انفراجًا كبيرًا، معتبرًا أن الحل يكمن في اتفاق الأخوة الكُرد على شخصية رئيس الجمهورية.
ولكن في خضم هذه التعقيدات، يضيف التميمي، ألا حلحلة في المدى المنظور، نظرًا للتخبط والتشتت الحاصل بين الأفرقاء السياسيين.
أسماء مطروحة
من جهته، كشف الكاتب والصحفي، أحمد الحمداني، في تصريح لـ "جسور" عن مجموعة من الأسماء المتداولة لرئاسة الحكومة الجديدة، من ضمنها مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، إلى جانب الوزير السابق وعضو حزب "الدعوة" محمد شياع السوداني، كذلك يُطرَح على نحو أقل اسم حيدر العبادي للمنصب عَينه، ومحافظ البصرة أسعد العيداني، ووزير الرياضة الأسبق عبد الحسين عبطان.
وفي السياق، أكد الحمداني أن اسم رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، موجود ومطروح بقوة كون البلاد تحتاج إلى توافقات وعلاقات داخلية وخارجية متوازنة، وبالتالي هذه العلاقات ممكن أن يكون المسؤول عن ترتيبها في هذه المرحلة الدقيقة هو الوحيد مصطفى الكاظمي نظرًا لعلاقاته الواسعة وسعيه لإعادة التوازن بين الكتل السياسية الموجودة.
وكانت الأزمة السياسية في العراق قد دخلت منعطفًا جديدًا، بعد تقديم نواب الكتلة الصدرية (73 نائبًا) استقالاتهم من البرلمان في يونيو/حزيران الماضي، وانسحاب الصدر من العملية السياسية.
وهذه هي المرة الأولى منذ عام 2006 التي يكون فيها التيار الصدري خارج البرلمان، بعدما ظلّ طوال السنوات الماضية محافظًا على نسبة لا تقلّ عن ثلث مقاعد القوى السياسية الشيعية، وسط هواجس من أن يكون "التيار" يُعدّ لمرحلة جديدة من التحركات عبر قواعده الشعبية.