بعدما عصفت به الأزمات المالية والإقتصادية في وقت يرتفع فيه سعر صرف الدولار بشكل جنوني، وبعد معاناته مع هجرة كوادره، وصعوبة تأمين المستلزمات الضرورية، وصل القطاع الطبي والإستشفائي في لبنان إلى شفير الإنهيار.
وفي خطوة ليست الأولى من نوعها اعتراضاً على السياسة النقدية المتبعة من قبل الدولة اللبنانية، دعت نقابتا أطباء لبنان في بيروت والشمال ونقابة أصحاب المستشفيات الخاصة إلى الإضراب العام والتوقف التام عن العمل الخميس والجمعة في 26 و27 مايو/ أيار، وذلك في العيادات والمراكز الصحية والمستشفيات باستثناء الحالات الطارئة، رفضا لسياسات مصرف لبنان والمصارف بحق المودعين عموماً، والاطباء والعاملين في القطاع الصحي والمستشفيات خصوصاً.
سياسات عشوائية
نقيب الأطباء في لبنان الدكتور شرف أبو شرف، قال في حديث لـ"جسور"، "مشكلتنا مع المصارف، فسياساتها العشوائية منعتنا من حقنا بالتصرف بأموالنا التي أدخرناها، فنحن لا يمكننا الحصول على أدنى مقومات الحياة أو مساعدة أبنائنا بدفع أقساطهم المدرسية أو الجامعية لا في لبنان ولا في الخارج، ونتيجة ذلك كانت هجرة أكثر من 3000 طبيب".
وتابع: "وعودٌ كثيرة لكن من دون أفعال أو حلول وخطوات جدية، لذلك حاولنا الضغط على الدولة ومصرف لبنان والمصارف، علّها تأخذ الأمور بجدية أكثر، لأنه يكفي استهتاراً".
ولفت أبو شرف إلى أن "الوضع صعب، ويتطلب تعاون الجميع، ونحن جاهزون للمشاركة في الحلول، لكننا لن نسمح بتطبيقها على حسابنا، فأموالنا طارت ولم يتحمل أحد المسؤولية"، مضيفاً: "الأسوأ أن الذي أوصلنا إلى هنا هو نفسه الذي ننتظر منه الحل. هل هذا منطقي؟ عادة من يتسبب في المشكلة يُحاسب ولا تتم دعوته لإعطاء الحلول".
كما اعتبر أن "الحل الأسرع هو إنجاز إصلاحات شاملة، يوافق عليها البنك الدولي من جهة والدول الغربية المستعدة أن تساعد لبنان من جهة أخرى، لأننا بحاجة إلى خطة ضخ أموال، ولن تُنفّذ قبل رسم خطة تعافي واضحة".
سياسة متوحشة
وكان نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون، قد قال إن المستشفيات أصبحت عاجزة عن تأمين السيولة اللازمة لمتابعة عملها، فيما حقوق العاملين في القطاع الصحي غير كافية لتأمين معيشتهم.
وندد هارون من أمام مصرف لبنان بالسياسة النقدية "المتوحشة التي تمارسها الدولة التي لا تعرف الإنسانية وتسرق مواطنيها بحجّة الحفاظ على سعر صرف الدولار".
ورأى أن "التواطؤ بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف بقطع السيولة عن المستشفيات سيؤدي مباشرة الى انقطاع الدواء والعلاج عن المريض".
وأضاف: "بئس الدولة التي ينزل فيها الأطباء إلى الشارع ليطالبوا بحقوقهم، بدل أن يكونوا في مستشفياتهم للإهتمام بالمرضى"، مؤكدًا أنه "رغم كل سياسات الدعم ها هو الدولار اليوم يزيد حالة العوز لدى المواطنين".
ظرف صعب
بدورها، أشارت وزارة الصحة العامة إلى أن "الظرف المالي الصعب الذي ينعكس بحدة على عمل المستشفيات والأطباء شكّل محور اجتماعات متتالية عقدها وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال الدكتور فراس الأبيض في الفترة الاخيرة مع المسؤولين المعنيين في مصرف لبنان بالتنسيق والتشاور مع نقابتي الأطباء والمستشفيات، بهدف إيجاد حلول مالية تعزز قدرة القطاع الطبي والاستشفائي على الصمود، إلا أن هذه الجهود لم تأت بالنتيجة المرجوة".
وأسفت الوزارة "لعدم إيجاد حلول للضغوط المالية التي دفعت القطاع الطبي والاستشفائي الى اتخاذ قرار بالإضراب يومين، وهي تتفهم أسباب التحرك الاحتجاجي لتسليط الضوء على أحقية المطالب"، إلا انها شددت في الوقت نفسه على "ضرورة عدم تأثير هذا التحرك على الخدمات الطبية الواجب تقديمها باستمرارية ومن دون انقطاع للمرضى".
وناشدت المسؤولين المعنيين في القطاعين المالي والمصرفي "إيجاد الحلول الممكنة في أسرع وقت لأن ارتباط ديمومة العمل في القطاع الطبي والاستشفائي بالخدمة الواجبة للمرضى، لا يحتمل التأجيل وانتظار التسويات والحلول الكبرى".
صعوبات مالية
وتعاني مستشفيات لبنان من "صعوبات مالية، ولا سيما لجهة تأمين الأموال النقدية وما يفرضه عليها مستوردو الأدوية والمواد الطبية، وسائر المشتريات غير الطبية من محروقات ومأكولات وسواها.
ومنذ أواخر عام 2019، تضرب أزمة إقتصادية لبنان بحدة، ما دفع بالكثير من الأطباء والممرضين والممرضات، ولا سيما بعد أزمة فيروس كورونا وتدهور قيمة العملة الوطنية بشكل كارثي، إلى ترك البلاد واتخاذ قرار الهجرة، الأمر الذي أثر سلباً على القطاع الذي يعاني من نقص حاد في أطقمه الطبية.