تطرّق رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، خلال حوار مع صحفية "لوفيغارو" الفرنسية، إلى الأحداث التي شهدتها المنطقة الخضراء في التاسع والعشرين من أغسطس/آب الماضي، مشيرًا إلى تداول الكثير من الشائعات والأوهام حول ما جرى.
وقال الكاظمي، في ذلك اليوم، "كانت هناك فوضى لدى جميع الأطراف المتورّطة. قراراتهم كانت مبنية على معطيات خاطئة جرّتهم الى ساحة المواجهة. حاولت كل الأطراف أن تستعرض عضلاتها، وحاولت بعض الأطراف أن تعبّر عن غضبها، لكنها أخطأت في اختيار طريقة للتعبير عنها".
وتابع: "البدايات كانت عفوية، ونحجنا في إخراج المتظاهرين من القصر الحكومي بشكل سلمي، وكان المتظاهرون مصممين على الخروج من البرلمان أيضًا، ولكن الأمور تطوّرت بين الطرفين فجأة وانتهى الأمر بينهما الى مواجهة مسلّحة خطيرة. ولهذا أؤكد دائما ضرورة ترسيخ قيم الديمقراطية والالتزام بآليات الدولة المدنية الحديثة واستخدام ديبلوماسية الحوار والتفاهم".
حرب أهلية؟
وأشار الكاظمي الى أن يوم المواجهات الدامية في المنطقة الخضراء، كانت البلاد على حافة حرب أهلية، لكن الحكومة عملت بكل حكمة وتدبير كي لا ننجر لذلك. كان رهان الطرفين على أن الحكومة تكون مع طرف، ولكني أخذت القرار أن لا أكون طرفًا.
واستطرد قائلا "خلال 24 ساعة من الصراع المحتدم، وظّفت جميع إمكانياتي وأعطيت توجيهات واضحة وصريحة وحازمة للقوات الأمنية لإبعاد شبح الحرب الأهلية، ونجحت بذلك. هذا قراري منذ اليوم الأول لحكومتي هو أن لا أكون طرفًا في أي صراع، وأن احافظ على الاعتدال والتوازن. أعتقد بإيمان راسخ أنه يجب علينا أن نبتعد من الانجرار للعنف".
هدف الصدر
وأوضح الكاظمي أن هدف الصدريين كان بعيدا كل البعد من أي انقلاب أو عزل قيادات. ما حصل يصب في خانة الغضب الشعبي الذي تم التعبير عنه أحيانًا بطرق غير سليمة، وقد صاحب ذلك أيضًا استخدام غير مقبول للسلاح والعنف، وفي النهاية أخطأ كلا الطرفان التقدير وتورّطوا بإراقة الدماء.
وأكد الكاظمي، أن التوجيهات التي صدرت، كانت تصب في مصلحة الحفاظ على أرواح المتظاهرين، وعدم انجرار القوّات الأمنية إلى هذا الصراع.
وقال: "كنت أكدت توجيهاتي السّابقة لجميع القوى الأمنية التابعة للدولة بعدم استخدام الرّصاص الحي ضد المتظاهرين إطلاقًا، وفي أي ظرف كان، وعدم تكرار تصرّفات الحكومات السابقة بالتعاطي القسري مع الشعب، وضعت خطة متكاملة لمنع انتشار دائرة الصراع لمناطق أوسع، والذي إن حدث كان بإمكانه أن يتحول إلى حرب أهلية كانتشار النار في الهشيم".
وأضاف، "وجهت القوى الأمنية بعدم الانخراط في الصراع، وإحاطة المنطقة بشكل كامل ليس فقط لمنع انتشار الصراع، بل أيضًا لمنع وصول إمدادات للأطراف المتورطة، وقمت باتصالات متعددة مع جميع الأطراف المؤثرة والفاعلة لإيقاف الاقتتال، ونجحنا في النهاية بإيقاف الصراع الدموي وانسحاب الطرفين".
وتابع، "لم أغمض عيني خلال 24 ساعة كاملة، حيث عملت باستمرار واستخدمت كل امكانياتي وعلاقاتي مع الجميع لإيقاف التصادم.. أنا أمشي وأعمل وسط حقل من الألغام، وعليّ أن أفكك هذه الألغام وأبطل مفعولها، وهذا ما دأبت عليه خلال العامين من رئاستي لهذه الحكومة، وما زلت أمضي في حقل الألغام".
تحديات شتّى
وأشار الكاظمي الى أنه واجه الكثير من التحديات والمشاكل خلال العامين الماضين، وكان يفتقد الدعم السياسي لأن لم يكن لديه حزب سياسي يدعمه في البرلمان.
وتابع "ومع كل التحديات والظروف الصّعبة التي تسلمت فيها الحكومة، نجحنا بإدارة الأمور بشكل صحيح وخرجنا من الأزمات وحققنا استقرارًا في الوضع الاقتصادي والصحي والأمني.
ويشهد العراق اليوم أكبر نمو اقتصادي في المنطقة بشهادة البنك الدولي، وقد حققنا استقرارًا أمنيًا جيدًا في البلد، وحققنا علاقات فاعلة وواسعة مع العالم أجمع بعد ما كان العراق كاد أن يتحول الى دولة معزولة ومارقة، وأقمنا انتخابات عادلة ونزيهة اتسمت بأعلى درجات المهنية منذ عام 2003 ولو فشلت الطبقة السياسية للأسف في استثمار الانتخابات وتقوية مسار بناء الدولة في العراق، وبدأنا بمشاريع عمرانية كبرى في مجال الطاقة التقليدية والطاقة البديلة وربط السلك الكهربائي مع دول الخليج والسعودية والأردن ومصر، وبناء المستشفيات والمدارس والطرق والجسور، ونجحنا بمحاربة الفساد من خلال لجنة خاصة شكلناها وتحققت تقدمًا كبيرًا في هذا المجال، ونجحنا بإلقاء القبض على فرق الموت في البصرة وجنوب العراق التي كانت تقتل الناشطين المدنيين والمتظاهرين واعتقلنا قتلة الباحث في مكافحة الجماعات الإرهابية والميليشيات هشام الهاشمي واعتقلنا العديد من عناصر الميليشيات المتورطة بارتكاب جرائم في العراق، وقد أكملنا التحقيق بخصوصهم كما أكملنا التحقيق بخصوص المتهمين بالفساد في لجنة مكافحة الفساد وسلمناهم جميعا الى القضاء."
وأضاف "هذا كله حصل مع ضغوط ومعرقلات كبرى تخلقها مافيات الفساد والميليشيات المسلحة وجهات مختلفة أخرى لإضعاف الدولة واضعاف دور رئيس الوزراء على وجه التحديد. فلم تمتلك حكومتي منذ استلام السلطة لحد الآن وهو بحدود 28 شهرًا موازنة سوى مدة ستة أشهر فقط، حيث أعاقت الأطراف الحزبية حركة البلد ومشاريع إعمار البلد عن طريق الاستحواذ على البرلمان.
وأواجه كل يوم تحديات وضغوط بمختلف الأشكال لمنعي من الانفتاح على العالم وتعزيز علاقات العراق مع العديد من دول اوروبا الغربية ومع دول الخليج والأردن ومصر، ولإيقاف جهود مكافحة الفساد. لكني دأبت على أن أعمل بهدوء وصبر وفق استراتيجية وطنية أخدم بها بلدي العراق. "
الحوار الوطني
وإجابة على السؤال التالي: حين بادرت بالحوار الوطني، هل كنت تعتقد بأن الصدر سيلتحق به؟ وهل ما تزال تؤمن بالحوار؟
قال الكاظمي "نعم، إيماني بالحوار يجعلني أضع الأمل بالتحاق الصدر، وأن الحوار سينتج في نهاية المطاف. في العراق كما في مناطق اخرى من العالم، لا يمكن لأي أزمة سياسية أن تُحل سوى عبر الحوار البناء بين النخب السياسية، وهي مسؤولة أمام الشعب لإبعاد شبح العنف والحرب والصراعات المدمرة، ووضع المصالح الوطنية العليا أساسًا لأي تحرك وسلوك سياسي. "
انتخابات مبكّرة
وعن الانتخابات المبكرة، لفت الكاظمي الى أن "الجميع متفقون على الانتخابات المبكرة. ولم توصل الانتخابات الأخيرة، رغم نزاهتها العالية بحسب كل من مجلس الأمن والأمم المتحدة والاتحاد الاوربي والمنظمات الدولية، إلى تشكيل حكومة بسبب غياب الاتفاق بين القوى السياسية."
وشدّد على ضرورة أن تكون الانتخابات الجديدة بابًا لحل الأزمة السياسية، وعلى جميع الأطراف السياسية أن تجتمع الآن وتضع آليات إجراء الانتخابات، مع توفير كافة المتطلبات القانونية والإدارية والمالية لإجراء الانتخابات.
وأوضح أن "الصدر حصل على أكثر المقاعد في الانتخابات الأخيرة، ويجب أن تتاح له الفرصة في تشكيل الحكومة، ولكن في نفس الوقت على الصدر البحث عن شركاء آخرين.
وأخطأ الصدر أيضًا في قراره بالانسحاب من البرلمان ما أتاح الفرصة لمنافسيه أن يملؤوا فراغه ويتحولوا الى أكبر كتلة في البرلمان. "
محاربة داعش
الكاظمي أشار إلى أن الخلافات السياسية تمثل فرصة لتنظيم داعش لتوسيع عملياته الإرهابية، لكن القوات الأمنية لا تزال تقوم بعمليات متكرّرة ضد التنظيم في عدة مناطق.
وأضاف الكاظمي في حوار أجرته معه صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، أن "تنظيم داعش يعيش على الخلافات السياسية داخل البلد، وحين تكبر الخلافات تجد داعش فرصة وموضع قدم لها لتوسيع ممارساتها الإرهابية، لكننا نقوم يوميا بعمليات ضد فلول داعش في الجبال والصحارى والسهول وعلى الخطوط الحدودية مع بعض دول الجوار، وعلى قواتنا الأمنية أن تركز جميع جهودها على مكافحة داعش والإرهاب، ولكن الخلافات السياسية تخلق أجواء غير مستقرة أحيانًا ما تجعل قواتنا الأمنية تخصص جزءا من اهتمامها وطاقاتها في مواجهة هذه التحديات".
واستطرد موضحًا "مع هذا، عمل القوات الأمنية في مواجهة خلايا داعش ممتاز جدا وهناك ضربات توجه لهم يوميا، وأنا شخصيًا اتابع بشكل يومي جهود القوات الأمنية وبشكل مستمر ويخصص ذلك الحجم الأكبر من وقتي كل يوم، وكل ذلك كي نمنع الانزلاق الى أي نوع من التدهور الأمني في البلد."
وتابع الكاظمي، "اعترف بأن هذه النجاحات لا تحوز وللاسف على تغطية كافية بسبب طغيان الخلافات السياسية على المشهد، وهنا أرى على نفسي أن أشكر أصدقاء العراق من الفرنسيين وحلف الناتو والتحالف الدولي وباقي أصدقاء العراق على الدعم والمساعدة الذي يقدمونه لنا في مواجهة الإرهاب."
النووي الايراني
وحض الكاظمي الأطراف كافة على الاستمرار بالحوار للوصول الى اتفاق، مضيفًا أن "العالم تغيير كثيرًا، فبعد جائحة كورونا وبعد الحرب الروسية الأوكرانية، دول المنطقة تشهد مشاريع تنمية كبيرة، تتطلب تعاونًا إقليميا بين الدول للحفاظ على هذه المكاسب. وعليه نجاح المفاوضات والوصول الى اتفاق سيدعم هذه المشاريع التنموية ويعززها ويوسع دائرتها ما سيترك آثارًا إيجابية على المنطقة بأكملها. "
وأضاف "نحتاج في منطقتنا أيضًا الى التفكير بلغة جديدة، إذ فرضت التكنولوجيا الحديثة قيمها على المجتمعات وعلينا التكيف والتكامل مع المتغيرات.
وحين تحصل متغيرات في العالم، أمامنا ثلاث خيارات: اما أن نقف بوجه هذه التيارات لنفيق بعد حين عاجزين ونصبح خارج حلقة التاريخ، أو نستسلم لها ونضيع فيها، أو نبحث عن المشتركات ونتكامل مع هذه التيارات ونمضي نحو مستقبل أفضل، وهذا الخيار هو الذي أدعو اليه في التعامل مع مشاكلنا في المنطقة، لكي نكسب الحاضر والمستقبل. "
أزمة الطاقة
أوضح الكاظمي أن "العراق بلد مهم في مجال إنتاج الطاقة، وقد عملنا على تطوير البنى التحتية للطاقة لنتمكن من تأمينها. وقّعنا على عقود مهمة مع شركة توتال لتوسيع جريان مد الطاقة، واستخراج الغاز المصاحب في حقولنا النفطية، واستحداث مشاريع الطاقة النظيفة والبديلة. وقمنا بتغيير عنوان وزارة الكهرباء الى وزارة الكهرباء والطاقة البديلة، مؤشرًا على توجهات حكومتنا نحو الانطلاق تجاه الطاقة النظيفة الملائمة للبيئة. ولدينا عقود مهمة أخرى مع شركات نفطية كبرى لتطوير البنى التحتية في العراق."
وعن العملية الخاصة الروسية في أوكرانيا، أشار الكاظمي الى أنه "يجب أن لا نسمح لهذه الحرب أن تشكل خطرا على مستقبل الإنسانية والقيم الديمقراطية والعالم الحرّ. هذه الأزمة ناتجة من انغلاق باب الحوار والتفاوض السليم والشعور بالخوف من طرف تجاه الآخر."
العلاقات الفرنسيّة العراقيّة
وفيما يتعلّق بلقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، أشار الكاظمي الى أنه تحدث مع مع الرئيس الفرنسي "حول مجالات عدة للتعاون الاقتصادي والثقافي، وكذلك التعاون في بناء الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والعمل المشترك على إقامة مؤتمر بغداد 2."
وأضاف "شراكتنا مع فرنسا استراتيجية، ونتطلع للمزيد من التعاون والتبادل الاقتصادي والتجاري ومساهمة أكبر لفرنسا في مشاريع إعادة الإعمار في العراق، مما يصب في مصلحة شعبنا. وكذلك فرنسا تعد دولة مهمة صديقة لنا ساعدتنا في مكافحة الإرهاب ومحاربة تنظيم داعش الإرهابي، ونتطلع للمزيد من الدعم في مجال التدريب وتعزيز قدرات قواتنا العسكرية."
وختم قائلا "حين عقدنا مؤتمر بغداد وحضر فيه الرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعدد من قادة المنطقة، اتفقنا أن يتحول المؤتمر الى نشاط مستمر بين دول المنطقة ويتوسع تدريجيًا ليشمل دولا أخرى في المنطقة. وقد اتفقنا على أن ينعقد المؤتمر الثاني في عمان. ونعمل بالتعاون مع جميع شركائنا بقوة لتحويل هذه المؤتمرات المنتظمة الى مشروع استراتيجي لتطوير العلاقة بين غرب آسيا وشمال أفريقيا وأوروبا لخلق منطقة تعاون إقليمي بين دول المنطقة الواقعة على حافة القارات الثلاث."