تحت رحمة ميزان أصابه الخلل، يضطر اللبنانيون أن يوازنوا حياتهم بين دفتي الكهرباء والمولدات. الأولى تغيب عنهم لأسابيع طوال لتعود إلى منازلهم بخجل والثانية تثقل كاهلهم بفواتيرها غير المدروسة إلا لتلائم جيوب وجشع أصحاب المولدات الخاصة ومن وراءهم من سياسيين يغطون فسادها دون خوف من المحاسبة.
في تطور جديد، ينعم اللبنانيون أخيراً بساعتين أو ثلاث يومياً من التغذية بالطاقة الكهربائية كحد أقصى، بعد أن رفعت مؤسسة كهرباء لبنان التعرفة التي لم تتغير منذ ما يقارب الثلاثين عاماً.
فهل يستبشر اللبنانيون خيراً من القرار الأخير لمؤسسة كهرباء لبنان ووعد وزير الطاقة بتأمين ساعات إضافية لدى توقيع اتفاق مع الجزائر لاستجرار الفيول منها؟
مشكلة السيولة
خبيرة النفط اللبنانية كريستينا أبي حيدر قدمت في اتصال مع "جسور" رؤيتها لمجريات الأحداث وأشارت بداية الى أن ما حدث "تصحيح للتعرفة وهو أمر لا بد منه لكونها لم تتغير منذ عام 1994 رغم ارتفاع قيمة برميل النفط خلال السنوات الاخيرة في ظل الأزمة العالمية وشح المصادر النفطية".
وإذ أوضحت أن "مشكلة لبنان الأساسية تكمن في عدم امتلاكه للسيولة من العملة الخضراء" أكدت أن "عجز الميزانية العامة في لبنان سببه الكهرباء، لأن الشركة المنتجة تأخذ السلف لتؤمن التغذية للمواطنين ثم تحصل الفواتير بالعملة المحلية وبقيمة منخفضة فيما تدفع مقابل النفط بسعر مرتفع وبالدولار الأميركي".
معياران أساسيان
رغم ذلك، يبقى المسار طويلاً ويفترض أن يُستتبع بخطوات إضافية ضرورية، وفقاً لأبي حيدر "تصحيح التعرفة يجب أن يلتزم بمعيارين أساسيين: زيادة الإنتاج والجباية".
وأوضحت أولاً أن زيادة الإنتاج "من شأنها تأمين السيولة" وقدمت مثالاً على ذلك "المواطن لن يتمكن من استخدام الكهرباء على أموره اليومية خلال ساعة أو اثنتين بل يحتاج إلى خمس ساعات على الأقل لصرف المال مقابل الكهرباء وليصبح بالتالي لدى شركة كهرباء لبنان الخميرة النقدية لشراء الفيول".
كما أكدت على أهمية المعيار الثاني أي الجباية "يجب ان تغطي كافة المناطق اللبنانية" موضحة في المقابل العراقيل التي تواجهها "وضعت كهرباء لبنان خطة لتأمين مواكبة أمنية وبلدية خلال الجباية لكن التطبيق صعب في ظل الأزمة الاقتصادية التي طالت السلك العسكري كما البلديات".
الحل الأمثل
أما الحل الأمثل لحل ازمة لبنان في الطاقة يبقى، برأي أبي حيدر "القيام بالاصلاحات المطلوبة لتأمين عودة المجتمع الدولي".
وأشارت "في غياب الهيئة الناظمة لن يتمكن لبنان من الحصول على القروض الدولية والسيولة لأنها شرط أساسي للاصلاحات".
وأكدت أن لبنان الذي يعتمد على النفط العراقي يحتاج إلى مصدر إضافي للنفط "لا يمكن لشركة الكهرباء رفع ساعات التغذية حاليا لأنها تستخدم الفيول الإحتياطي الى حين وصول الفيول العراقي لنتمكن من الاستمرار على ساعة أو ساعتين من التغذية لكننا بحاجة إلى مصدر إضافي".
واعتبرت أن "الأمر مجحف وظالم باعتبار أن الكهرباء أمر أساسي وحاجة وليست من الكماليات إذ تعد المحرك الاساسي لاقتصاد البلد" وتقول "نحن نحصل على ساعة أو اثنتين من التغذية من احتياط شحنات النفط العراقي القديمة بانتظار شحنة جديدة لكن ذلك لا يكفي".
وتتابع "يجب رفع الانتاج وتأمين أقله خمس ساعات من التغذية من خلال مصدر إضافي" مبدية عدم ثقتها بوعود وزير الطاقة في "شراء شحنات من الجزائر بعد رفع دعوى عليها واتهامها بإرسال الفيول المغشوش".
حاكمة ومتحكمة
وبمقارنة سريعة مع المولدات في ظل الأزمة الاقتصادية، أكدت أبي حيدر أن "تصحيح تعرفة كهرباء لبنان أفضل من الاعتماد على المولدات لأنها تحتسب على أساس الشطور وتحافظ بالتالي على الأكثر فقراً، الإجراء غير المتوفر لدى المولدات الخاصة التي لا تلتزم بالتعرفة المحددة من قبل وزارتي الطاقة والاقتصاد".
وكانت "جسور" تواصلت مع عدد من المواطنين نقلوا معاناتهم المتزايدة يومياً بسبب ضغط أصحاب المولدات عليهم، إحدى السيدات شرحت ما حصل معها "بعد أن فرضوا علينا تعرفة "مقطوعة" بقيمة باهظة على 5 أمبيرات اضطررت إلى تقليص الأمبيرات حتى 3 والاكتفاء بإضاءة قليلة مع الثلاجة، وأدفع في المقابل مليونين وخمسمئة ألف ليرة، ومنذ يومين وصلنا منهم تعميم جديد يلزمنا بالدفع بالدولار الأميركي ما قيمته 64$ ابتداءً من الشهر المقبل" وتضيف السيدة "رجونا صاحب المولد تركيب عدادات للمنازل لكنه رفض".
وأوضح رب عائلة آخر يملك عداداً "فاتورة اشتراك المولد وصلت هذا الشهر إلى 4 ملايين و700 ألف ليرة بعد أن رفعوا تعرفة الكيلوواط، وأتقاسم قيمتها مع ولدي اللذين يعملان براتب متواضع".
رب عائلة آخر استعاض عن كهرباء المولد بتركيب طاقة شمسية "ادفع تكاليف مرتفعة لمرة واحدة".