انفجر الوضع الاقتصادي في لبنان خلال الثلاث سنوات الأخيرة وفجّر معه أزمات متلاحقة عجز المواطن عن استيعابها، ما اضطره إلى التأقلم معها أو الذهاب نحو خيار الهجرة ما استطاع إليها سبيلاً، في ظل عجز الدولة عن إيجاد حلول لها.
يواجه اللبناني أخيرًا أزمة تتعلّق بالنقل، فبعد سنوات من اعتماده على السيارة في تنقلاته، وجد نفسه مضطرًا لطرق باب النقل المشترك، المهمل أصلاً من قبل الدولة، ما أعاد الحديث عن ضرورة إيجاد خطة لإنعاشه وتنظيمه في المناطق اللبنانية كافة للتخفيف من أعباء الأزمة الاقتصادية على المواطن، وتسهيل انتقاله بتكلفة تناسب ميزانيته في ظل الارتفاع الملتهب لأسعار المحروقات وانخفاض قيمة راتبه.
إنطلاقًا من هذا الواقع، تلقّفت مبادرات المجتمع المدني الأزمة الطارئة، وحاولت ملء الفراغ عبر إطلاقها خططًا مدروسة.
عدالة التنقّل
إحدى الجمعيات المهتمة بقطاع النقل المشترك أطلقت خريطة عمل لمشروع متكامل، وأشار العضو المؤسس فيها المهندس شادي فرج في اتصال مع "جسور" إلى أن الجمعية منذ بدء عملها عام 2015 هدفت إلى "إرساء عدالة التنقل ووضع الإنسان كأولوية في التنقل على الطرقات، عبر إتاحة كافة الوسائل المسهلة له خصوصًا لذوي الإعاقة، إضافة إلى تشجيع المواطنين على استخدام النقل المشترك والنقل المستدام".
أهداف الجمعية تنطلق من "مبدأ حماية حقوق الركاب والعاملين في القطاع" يتابع فرج مضيفًا "ما دفعها إلى التعاون مع جمعيات أخرى لتحسين وضع النقل المشترك انطلاقًا من القطاع الموجود أي القطاع الخاص". وضمن رؤية عدالة التنقل، كان لا بد من تطبيق جزئين أساسيين "التخلي عن الاعتماد على السيارة والترابط بالتنقل".
مفهومان أساسيان
لأجل إحقاق عدالة التنقل، سعت الجمعية إلى ترسيخ مفهومين جديدين، يوضح فرج "لعقود خلت، برزت عقلية إعطاء الأولوية للسيارة دون الاهتمام بأنظمة النقل المشترك لأنها أعطت اللبناني راحة أكبر، بالتالي كان لا بد من العمل على تغييرها".
مفهوم آخر يدخل ضمن عدالة التنقل لا بد منه، يضيف "الترابط بالنقل إذ لا يمكن التفكير بأي نوع من التنقلات دون ربطه بآخر بالتالي يجب إيجاد وسائل مترابطة للتنقل ضمن برنامج دمج، من الدراجة إلى السيارة والحافلة والقطار إضافة إلى التوك توك الذي ظهر أخيرًا".
خطّة من المتوفر
اليوم بات اللبناني أكثر وعيًا لجهة استحداث خطة للنقل المشترك، بحسب فرج، حيث أن النظام الموجود لم يعد يلبي حاجة المواطن بعد الأزمة. ويشرح أن الحلول ممكنة وتبدأ من المتوفر "القطاع الخاص غير الرسمي هو من يؤمن خدمة النقل المشترك وليس الدولة، بالتالي على الأخيرة تنظيم هذا القطاع وإعادة تأهيله ووضه على الشبكة" موضحًا أنه كافٍ للانطلاق منه نحو خطة شاملة "القطاع غير منظم لكن يمكن تنظيم الموجود والاستثمار به وإعطائه قوة كما تجميعه ضمن شركات أو تعاونيات للعمل بشكل جماعي بدل الفردي، بهدف تحسين الخدمة وتوسيع الشبكة لتصل إلى أكبر عدد من المناطق والمحافظات ثم العمل لاحقًا على الإتيان بشركات كبيرة موازية".
تضرّر الاقتصاد
اعتماد اللبناني على السيارة لسنوات كانت آثاره سلبية جدًا على الاقتصاد اللبناني، يؤكد فرج "أدى إلى ظهور زحمة سير خانقة، نتائجها بدأت تظهر حتى قبل الأزمة حيث تسببت بخسائر وصلت إلى 2 مليار دولار من الناتج المحلي، إذ أجبرت المواطن على تمضية أكثر من ساعة ونصف على الطرقات قبل بلوغ مكان عمله".
أما أسباب اعتماد اللبناني على السيارة يعيدها فرج إلى ثلاثة أمور تربط بمصالح خاصة "أولاً تسهيلات المصارف عبر قروض ميسرة الدفع، ثانيًا سياسات الإسكان التي رفعت أسعار العقارات داخل المدينة خصوصًا العاصمة، ودفعت بالمواطنين إلى خيار شراء منازل في الضواحي ثم التوجه يوميًا إلى المدينة للعمل".
الأمر الثالث يعود إلى الصورة النمطية للقطاع النقل المشترك في لبنان "لسنوات عمد أصحاب المصالح المتضررة من النقل المشترك إلى التسويق المضاد له في الإعلام ووضع وصمة عليه بأنه غير منظم ووسخ ولا يناسب إلا العمال" الأمر الذي دفع بالجمعية إلى تقديم الخريطة وإنشاء منصة خاصة بالنقل المشترك بالتعاون مع جمعيات أخرى، يقول فرج مع تأكيده أن التسويق المضاد كان مجحفًا بحق القطاع.
الأمن الغذائي
يرتبط النقل المشترك بالاقتصاد بشكل عام ويحرك العجلة الاقتصادية وفي ظل الأزمة الاقتصادية في لبنان يوضح فرج أن "الاستثمار في النقل المشترك يزيد من الأرباح ويعزز فرص العمل والانتاج".
وانتهى بضرورة عمل الدولة اللبنانية على إعادة العمل بالقطار "النقل السككي للبضائع أساسي لأنه مربح ويخفف من تكلفة النقل" بالتالي أشار إلى أهمية ربط مرفأي بيروت وطرابلس "بشبكة سكة حديد وربطهما بالمناطق اللبنانية كافّة وصولاً إلى سوريا وتركيا والعراق لنقل البضائع عبرها".